الثورة في سوريا لم تبدأ مع استخدام النظام الأسدي السلاح الكيماوي ضدّ المدنيين في غوطة دمشق، وهي لن تنتهي مع القرار الأممي الرقم 2118، المتضمّن تجريد سوريا من مخزونها لهذا السلاح، الذي كان النظام يشيع أنّه سلاح ردع استراتيجي ضدّ إسرائيل. اختزال مجلس الأمن الأزمة السورية بالسلاح الكيماوي بعدما ظل طوال 31 شهراً وأكثر بقرار روسي صيني، وعجز أميركي علني، يؤكد أنّ موسكو تستثمر القتل في سوريا لاستعادة موقع لها في صوغ القرار الدولي، وانّ واشنطن اعتمدت العجز سياسة لها، لأنّ حماية أمن إسرائيل والنفط بقيت محمية. لقد ثبت اليوم أكثر من السابق وباعتراف أميركي علني: انّ حرب الاستنزاف في سوريا هي في مصلحة الولايات المتحدة الأميركية. المشكلة جاءت من كسر، بشار الأسد، الخط الأحمر عندما استعمل السلاح الكيماوي فأثار كل شياطين الذكريات العالمية والاقليمية خصوصاً لدى الإيرانيين والأكراد.
الرئيس بشار الأسد يتعامل مع القرار 2118، وكأنّه قرار دولي لبقائه رئيساً حتى نهاية ولايته في منتصف العام المقبل، وحتى لتجديد ولايته الرئاسية سواء إذا ترشّح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، أو جرى تمديد ولايته الحالية لاتمام عملية تدمير السلاح الكيماوي، ما يشجّع الأسد على هذا، التسونامي الإعلامي الذي يعيشه، وما يشيعه الاسديون عن عودة الاتصالات بينه وبين عواصم غربية عديدة سواء مباشرة أو عبر مبعوثين غير رسميين لجس النبض. هذا التحوّل دفع الأسد إلى الغرق نهائياً في حالة انفصال كاملة عن الواقع، فهو كما ينقل مَن التقاه من الأجانب، خصوصاً الصحافيين، أنّه يتحدث عن نجاح تاريخي في مواجهة ستين دولة، وليس الجزء الكبير من الشعب السوري.
ما يشجّع الأسد على الغرق في حالة كهذه، التي من مفاعيلها المزيد من تدمير سوريا، أنّ اسديين عرباً، أصبحوا تحت دعوى محاربة القاعدة والتكفيريين، يعتبرون الأسد معتدلاً في نهجه القتالي، وأنّ الحل في اعتماده الحل الستاليني أي الضرب بيد من حديد دون حساب للضحايا وللمهجرين والمعتقلين، والأهم عدم التفكير في أنواع الأسلحة التي يجب استخدامها في المواجهات. كل الأسلحة مسموحة حتى النصر.
أمام جنون أسدي كهذا، لا يعود حتى للأرقام المتداولة عن خسائر سوريا والسوريين أي معنى. فالحرب ضدّ الثورة في سوريا كلّفت، حسب أكثر السوريين اعتدالاً وعقلانية: 110 آلاف ضحية، و600 ألف معوّق و120 ألف معتقل دائم. أمّا الذين دخلوا وخرجوا مشوّهين من المعتقلات لم يعد من الممكن حصرهم، كذلك آلاف عدة ماتوا تحت التعذيب، ونصف القوى العاملة عاطلة من العمل ونحو 45 في المئة من البنية الصناعية دُمِّرت، والخسائر المادية بلغت نحو 350 مليار دولار. وأخيراً وهو الأخطر لانّه يضرب بنية السوريين الاجتماعية والشعبية، إذ يوجد حتى الآن 2,5 مليون نازح خارج سوريا وأربعة ملايين نازح داخلها، والآتي أعظم.
برغم مسؤولية مجلس الأمن الكاملة عن هذه الحصيلة الكارثية في سوريا، فإنّ من إيجابيات التطوّرات الأخيرة والقرار 2118 أنّه جرى تحريك قطار الحل السياسي، في ظلّ انعدام أي فرصة للحسم العسكري سواء من المعارضة أو النظام. جنيف-2، سيكون المحطة النهائية لصوغ الحل السياسي. لن يكون ذلك سهلاً. التشدّد مزروع في كل زوايا الملعب السوري. اللاعبون على مختلف أحجامهم وقواهم، يرون أنّ معركة سوريا جزء من المعركة النهائية في المنطقة (إيران) وأحياناً في العالم (روسيا). لذلك لن يترك أي لاعب، أي مصدر قوّة إلا وسيستثمره حتى النهاية، ليكسب منه أقصى ما يستطيع وبأقل كلفة يمكنه دفعها، عندما تقع التسويات والحلول.
الثابت أنّ التدويل في سوريا قد جرى. الحل يكون دولياً أو لا يكون. دخول المفتشين الدوليين دمشق، بداية وليس نهاية. النظام الأسدي والمعارضات، سيخضعون عاجلاً أم آجلاً، بكل شروط التدويل ونتائجه. الأسد هو الخاسر الكبير في كل ذلك. المرحلة الانتقالية تعني قيام حكومة ذات صلاحيات كاملة. من الطبيعي أنّه سيخسر كل الصلاحيات التي ستُعطى للحكومة الانتقالية. في الأصل خسر الأسد، منذ شرعن التدخّل الأجنبي الروسي والإيراني وحزب الله، والذي أنتج حكماً شرعنة غزو المجموعات التكفيرية على حساب المعارضة السورية الوطنية.
كل يوم قتال جديد، يستبيح سوريا أمام الصوملة. العالم كله، خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل اللتين عملتا على إطالة المواجهات وتحويلها إلى حرب استنزاف، سيندم على صوملة سوريا إذا ترسّخت وتحوّلت سوريا كلها إلى دولة فاشلة.
حان الوقت لأن ينظر الجميع خصوصاً الذين ما زالوا على علاقة مع الواقع ولم ينفصلوا عنه إلى الأمام، وإلى المستقبل وليس إلى الماضي وإلى الخلف!
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.