8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لماذا تتقاطع إيران وإسرائيل وواشنطن وموسكو على بقاء الأسد؟

لم يحصل أن تقاطعت مصالح خصوم إلى درجة العداء الكامل، على دعم وبقاء رئيس ونظام، وإن بنسب متفاوتة، وأسباب متعارضة ومتناقضة، كما حصل ويحصل مع الرئيس بشار الأسد، وكلٍ من روسيا وإيران والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل. ليست المسألة في توافر الحظ الكبير، ولا هي مسألة قدر وأقدار، رافقت الأسد الابن وقبله الأسد الأب. لا شك أنّ الرئيس الراحل حافظ الأسد، هو الداهية الكبير الذي جمع التناقضات ووضعها في خدمته. وقد نجح في توريث سوريا وكل ما أنتجه من نجاح باهر في صياغة معادلته المستحيلة إلى ابنه، فكانت النتيجة أنّه أحرق سوريا، وأغرق لعبة التوازنات واستخدام الضدّ مع ضدّه، في لعبة أمم أكبر منه بكثير، بحيث كانت سوريا في عهد والده لاعباً كبيراً، فحوّلها إلى ملعب كبير لم يبق أحد إلاّ ودخله ليلعب لحسابه أو لحساب غيره وبحسب حجمه وموقعه ودوره.
في المبدأ، يجب أن تقف إيران على الضفّة المواجهة ضدّ الكيان السرطاني إسرائيل. أيضاً المفترض أن تضع واشنطن خطاً أحمر أمام طموحات موسكو لكن أي قراءة سريعة لما يحصل في سوريا، تبدو الصورة مختلفة.
إيران وظّفت كل قدراتها المالية والعسكرية والسياسية لحماية الأسد ونظامه من دون أي حساب للكلفة. وصل الأمر بإيران إلى درجة اعتبار قوى عديدة فيها الدفاع عن الأسد بموازاة الدفاع عن أي محافظة إيرانية تتعرّض للاعتداء. لا شك أنّ الأسد أعطى إيران بلا حساب تحت بند دعم المقاومة، خصوصاً حزب الله، وفتح الضفة الشرقية للبحر المتوسط أمامها. الأسد سمح للنظام الإيراني الجمع بين الأيديولوجيا والجغرافيا الذي وفّر لها بأن تكون حاضرة في غزّة وفي قلب وعقل كل عربي ومسلم يقف مع فلسطين والشعب الفلسطيني. الأسد الابن ذهب أبعد بكثير من الأسد الأب إلى درجة الخروج من الحاضنة العربية، والارتماء في الشبكة الإيرانية.
الأسد الابن أكمل مسيرة والده حافظ الأسد مع إسرائيل، في صمت لا مثيل له إلا صمت أهل الكهف. حرب رمضان 1973 كانت آخر الحروب العربية، أخذ الأسد الأب منها وبها براءة ذمّة لكل شعاراته القومية، ليثبّت بها نظامه الحديدي إلى درجة أنّ مجزرة حماة، بقيت مطوية إلى حين اندلاع الثورة قبل ثلاثين شهراً، كذلك ترك لبنان له ولابنه، بعد أن دفع فاتورة الاستيلاء على لبنان وتصفية كل مَن اعترض طريقه، في ملاحقة ياسر عرفات إلى طرابلس بعد حرب 1982 الإسرائيلية، ورغم أنّ سفينة حربية فرنسية أنقذته، فإنّ الحدث مضى والعلاقات مع الأسد بقيت في مسارها الطبيعي. دائماً مصالح الدول فوق العواطف والأشخاص. أمّا أعظم الفواتير وأهمها التي قدّمها الرئيس حافظ الأسد لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، كانت في فرض السكون على الجولان، وتركه لإسرائيل، بحجّة أنّ الحل لا يعطيه حق الجلوس على شاطئ بحيرة طبريا ووضع قدميه في مائها.
الأسد الابن، أشعل لبنان وجنوبه، ودعم مقاومة حزب الله على قياسه وبالاتفاق مع إيران، بعد أن ألغى بالحديد والنار المقاومة الوطنية. أثمرت أحادية المقاومة تحرير الجنوب، لكن في الوقت نفسه حافَظَ الأسد الابن على إرث والده حافظ، فترك الجولان ساكناً تحت إمرة إسرائيل حتى حوّلته إلى حصن عسكري ومزرعة خصبة للمستوطنين. الآن حزب الله، يدفع الفاتورة الأسدية من دماء وأرواح المقاوِمين الذين قاتلوا في الجنوب، وإذا بهم غارقين في المغطس الأسدي، الظالم والمذهبي.
روسيا في زمن القيصر بوتين، تحارب مع الأسد في سوريا، وكأنّها تحارب في الحصن الأخير الذي تتحصّن به على أمل العودة إلى زمن مضى فتستعيد بعض حصونها لتصبح شريكة للولايات المتحدة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط بكل غناها الاستراتيجي والنفطي والغاز وغير ذلك.
أمّا الولايات المتحدة الأميركية المتعبة من حربَي أفغانستان والعراق والأزمة المالية والاقتصادية فإنّها تتابع دعمها السلبي للأسد منذ اندلاع الثورة. حتى الآن، لم توافق الإدارة الاوبامية على إسقاط النظام الأسدي. باراك أوباما يكسب على عدّة أصعدة ولكنه يخسر أكثر على المدى الطويل. أمن إسرائيل والنفط أساسي له ولكل الإدارات. طالما أنّ إسرائيل لم توافق على سقوط الأسد، فإنّ الإدارة الأوبامية ستتابع الرقص فوق الصفيح السوري الساخن وكأنّه لا تقع كل يوم مذبحة في سوريا. بالنسبة لأوباما كل شيء بدأ مع مذبحة السلاح الكيماوي، مع أنّ المذابح بدأت قبل أكثر من ثلاثين شهراً، بكل أنواع الأسلحة من السكود والقصف بالطيران وضرب البراميل العمياء من وزن طن من المتفجرات. ضحايا غوطة دمشق جزء من 120 ألف ضحية وليسوا كل الضحايا. حرب الكفن ضدّ الكفن أكثر الحروب مردوداً وأقلها كلفة لواشنطن، لكن كل يوم حرب ضدّ الثورة في سوريا، هو إضافة قاتلة جديدة على مخزون الإرهاب الأسود، الذي يهدّدها في قلبها.
التقاطع من موقع الضدّ وضدّه بين طهران وتل أبيب وموسكو وواشنطن، ضرورة تنتهي مع وضوح خطوط التماس وتبيّن البديل. لكن أيضاً ضمن هذه اللعبة المعلّقة فإنّ التقاطع بين القوى الإقليمية في مواجهة القوى الكبرى والعظمى ليس جديداً، لأنّ الأحداث أكدت أنّه في كل مرّة تعمل الأخيرة على صياغة الحلول وتقاسم المنطقة، تتقاطع القوى الإقليمية لتحقيق هدف واحد حتى ولو كانت أحياناً ستدفع كلفة ذلك من حسابها وهو تخريب الحل إلى حين تقديم ضمانات كافية لها في أخذ بعض مطالبها في حساباتها.
الآخرون يلعبون... والسوريون يدفعون... لكن لكل لعبة نهاية...
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00