جنيف-2 إذا عُقد هذا العام، لن يصوغ الحل في سوريا. الحرب على الثورة في سوريا، يلزمها أكثر من جنيف، حتى يأتي الحل السعيد، الذي يفتح الباب أمام السلام، ولكن ليس أمام السلم الأهلي الكامل. جراح سوريا لن تندمل بقرار حتى ولو كان قراراً دولياً. الرئيس بشار الأسد ورث سوريا من والده، ولن يتركها إلاّ قاعاً صفصفاً طالما أنّه لن يورثها لابنه حافظ.
التحضيرات لعقد مؤتمر جنيف-2، لا تبشّر كثيراً بالخير. الصراعات والخلافات غير محدودة بين الأفرقاء، وفي داخل كل فريق. لذلك فإنّه مهما صفت النيات من الصعب جداً وفي فترة تقل عن ثلاثة أسابيع، جمع ما لا يجمع في جنيف أو غيرها. حتى الآن ما زالت الخلافات والتباينات عميقة بين واشنطن وموسكو، وهما عرّابي المؤتمر. يجب معرفة على ماذا اتفق الكبيران، حتى يمكن تحديد ما المطلوب من القوى الكبيرة والصغيرة والصغرى.
في سوريا كل يوم حرب جديدة على الثورة، يعني تضخّم ثلاث كبائر من الصعب التعامل معها بسهولة.
[ الرئيس بشار الأسد، يعتبر أنّه انتصر على 60 أو ثمانين دولة هاجمته، لذلك من حقه أنْ يفرض شروطه. حتى الجنرال أيزنهاور وتشرشل والجنرال ديغول، لم يواجهوا مجتمعين هذا العدد من الدول، وفرضوا شروطهم، فلماذا لا يكون هو الذي يفرض شروطه للحل. أول شرط أن يبقى إلى الأبد، ولو من باب الانتخابات الرئاسية. المشكلة أنّ كل يوم أسدي جديد ترجمته المزيد من الدماء والضحايا. تركيبة سوريا اجتماعياً وعسكرياً وسياسياً تتغير نحو الأسوأ، أكبر دليل أنّ الأسد نفسه لم يتحمّل شرور ابن عمه زعيم الشبّيحة في اللاذقية، فأرسل قوّاته لاعتقاله. عامان وأكثر، وهذا الجنرال الشبّيح يستبيح اللاذقية وجوارها ولا من درى ويدري. مثل ابن العم هذا آلاف الشبّيحة الذين يقتلون ويسرقون ويعتقلون ويُصفُّون ويهينون السوريين في كل مكان. هذه الحرب أنتجت الشبّيحة وهي تضخّم دورهم وفسادهم وجرائمهم يومياً.
[ إنّ الحرب ضدّ الثورة في سوريا، أنتجت النصرة وداعش، وربما غداً تنظيمات إرهابية أشرس وأسوأ وهي تذبح وتقتل. إهمال الغرب وعلى رأسه واشنطن المتعمّد للثورة المدنية، لأنّه لم يعتقد حقاً بضرورة التخلص من الأسد ونظامه الأسدي. أنتج اليأس والإحباط لدى الثوار ومن ثم فتح القلوب قبل العقول لغزو كل التنظيمات التكفيرية. اليوم تعيش سوريا على وقع إرهاب الشبّيحة والذبّيحة. التكفيريون يرتكبون يومياً جرائم ضدّ الإنسانية في سوريا، هذه الجرائم ليست سرّاً. المأساة مزدوجة لأنّ جرائم داعش والنصرة وغيرهما تقوّي الأسد ونظامه الأسدي وتبعد يوم الحل إلى زمن آخر. الأخطر أنّ استمرار هذه الحرب، تجعل من سوريا دولة فاشلة. السؤال هل يستطيع العالم أن يحصر مفاعيلها داخل سوريا كما فعل في الصومال؟ من الصعب الإجابة، لكن من الواضح أنّ الأسوأ يتشكّل في مستنقع من الدماء والسرقات والاعتداءات والفتاوى التي لم تعد حكراً لأحد، كل أمير يفتي، فكيف بالأسد؟
[ إنّ النار تقترب بسرعة من حدود الدول القريبة والبعيدة من سوريا. كل يوم حرب جديدة، يضيف مزيداً من الوقود على النار المشتعلة. لبنان في خطر، خصوصاً وأنّ أكثر من مليون ونصف مليون سوري نازح أصبحوا فيه. من الطبيعي جداً أن يرافق هذا النزوح، نزوحاً آخر يجلب معه السلبيات السورية. الانقسام الداخلي متغلغل بين شرائح السوريين النازحين. السؤال إلى متى سيمكن ضبط المواجهة داخل هذه الشرائح وعدم تصديرها إلى لبنان واللبنانيين؟
القول بوجود حرب ضدّ الثورة من الشبّيحة والذبّيحة في سوريا أمر واقعي جداً. تدويل الحل بعد الحرب يبدو وكأنّه المدخل الطبيعي لنجاحه. المأساة الكبرى، ألاّ تتمكن القوى الثوروية في الداخل والخارج من الاتفاق والذهاب بوفد موحّد إلى جنيف-2 أو 3 لا فرق. كل يوم تأخير يؤدي إلى إمساك واشنطن وموسكو بالقرار حتى في مَن سيمثّل المعارضة. للتذكير فقط، عندما وقعت ثورة 1925، وكانت قيادتها الوطنية راديكالية تطلب الاستقلال الكامل والناجز عن فرنسا، وجدت نفسها في النهاية محاصرة في الداخل بسبب خلافاتها الشخصية المزمنة، ومن بريطانيا وتركيا ومعهما العراق والأردن (عملياً)، في وقت تابعت فيه فرنسا استخدام كل قوّتها العسكرية من دون رحمة على الأرض. النتيجة معروفة. الثوّار تشتّتوا بين مصر والأردن وحتى اسطنبول، وعندما عادوا بعد عشر سنوات من المنافي إلى سوريا، كان الحل قد طبخ على نار فرنسية هادئة، حتى إذا دقّ جرس الحل كان كل شيء جاهزاً على الأرض، ولا مكان لكل الراديكاليين.
تقديم تنازلات محدودة الآن من الثوار أفضل بكثير من الخسارة الكبيرة، خصوصاً أنّ حلفاء النظام الأسدي يقاتلون بشراسة ومن دون حساب للتقديمات في حين أنّ حلفاء الثورة كل شيء لديهم بحساب. والنظام الأسدي يقاتل جسماً واحداً بكل شبّيحته، بينما الثوار ألف جسم وجسم، وبعضها يسيء إلى الثورة مثل النصرة وداعش أكثر من إساءات الأسد نفسه لسوريا.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.