خط أحمر ايراني واضح وثابت في الملف النووي الايراني، هو اعتراف مجموعة الخمسة زائد واحد بحقها بالتخصيب النووي. طبعاً، الولايات المتحدة الأميركية هي الأساس، لأنها هي ملكة العقوبات، وهي التي تملك مفتاح فك الأسر والإفقار. باقي الخطوط الحمراء، قابلة للتفاوض. سياسة الخطوة خطوة بدأت. لن تأخذ وقتاً طويلاً للتوصل الى اتفاق أو انفصال. طهران وواشنطن بحاجة للحل الذي ينتج بناء جسور الثقة. بعد ذلك مسار طويل. التطبيع الشامل مسألة تتعلق بالاستراتيجيات. واشنطن يهمها أن تصل الى هذه النتيجة، لأنها تساعدها في توضيح خطوط خريطة الطريق التي ستنفذها في العقدين القادمين على صعيد النظام الدولي وموقعها منه، في ظل الهيمنة الواسعة بهدف مشاركتها في القرار وليس إزاحتها في لعبة الشطرنج الأميركية الايرانية، لم يعد مطلوباً أن تنتهي المباراة شاه مات، وفوز أحد الفريقين. التعادل، أصبح هو النتيجة التي يسعى إليها الطرفان ضمناً. كل الحركات التي تلعبها كلٌّ من طهران وواشنطن تصب في هذه النتيجة. استبعاد واشنطن للحل العسكري، وخوف إيران منه، أنتج هذا المسار.
تشديد المفاوض الايراني، على أن نقل اليورانيوم المخصب الى خارج ايران، خط أحمر، هو في المفاوضات بالنار موقف لاستدراج عروض. لم يحدد المفاوض الايراني درجة الأورانيوم المخصب هل هو 3,5% وهو الحق الشرعي والمشروع بحسب الاتفاقات الدولية أم 20% أو أكثر. الباب مفتوح للتفاوض. عراقجي نائب وزير الخارجية قال يمكننا مناقشة شكل وكمية ومستوى تخصيب الأورانيوم. العرض واضح أيضاً.
طهران لم تعد مهتمة بالحصول على السلاح النووي ويبدو أن واشنطن أصبحت مقتنعة ضمناً بذلك. السبب ان إيران التفت على التخصيب عبر رفع عدد أجهزة الطرد المركزي الى 18 ألف جهاز منها ألف جهاز متطور جداً. هذا العدد يسمح لها بإنتاج كمية الأورانيوم المخصب بنسبة 90 في المئة الضرورية لإنتاج سلاح نووي في أقل من أربعة أسابيع.
إيران امتلكت المعرفة والقدرة على إنتاج السلاح النووي. لم يعد الحصول عليه ضرورياً خصوصاً وان تصنيعه وتخزينه مكلف جداً. كما ان امتلاكه كما يقول الخبراء الايرانيون، يعرض الأمن القومي الايراني للخلل. اسرائيل متقدمة في المخزون وفي وسائل القصف الحربية من طائرات وصواريخ. هذا عدا الولايات المتحدة الأميركية وجبروتها النووي.
المعادلة أصبحت واضحة أيضاً لدى الطرفين الأميركي والايراني وهي ان أعينهم ستكون مفتوحة، علماً أن النافذة الديبلوماسية فتحت وهي كما يقول جون كيري تزداد انفتاحاً. اللقاء الثاني الرسمي بين كيري وظريف لن يكون لقاء روتينيا. الخبراء سيبحثون، وهما سيرسمان وجهة المسار الجديد. الخبراء وهم على درجة عالية من الأهمية والتخصص في الوفد الأميركي أبرز الخبراء بالعقوبات موجود وهو يشكل رسالة دبلوماسية أميركية للايرانيين أن كل شيء قابل للبحث والتفاهم. طبعاً طهران تريد أن تكون البداية من ملف العقوبات، لأن واشنطن وضعت السكين على وريدها الاقتصادي وقالت لها تفضلوا. طهران بدورها تريد أن تكون المفاوضات شاملة حول سلة متكاملة تبدأ من أفغانستان وتنتهي في سوريا مروراً بالعراق. هذا البحث يعطي ايران ورقة ضغط تخفف عنها ضغوط العقوبات الاقتصادية. طهران ترى أنها في موقع قوة في أفغانستان التي تستعجل واشنطن الانسحاب منها وفي العراق وسوريا ولبنان وحتى في البحرين واليمن. في الاجتماع الثنائي كيري ظريف سيكون البحث في الملفات السياسية هو الأساس.
اسرائيل تبدو وكأنها قبلت عملية المفاوضات. كل التصريحات عن الضربة العسكرية لم تعد أكثر من صدى صوتي لحرب غير ممكنة أو رغبات وأمنيات لحرب غير مستحيلة. مجرد أن يقول بنيامين نتنياهو يجب متابعة سياسة العقوبات لأنها أثبتت فعاليتها، قبل 24 ساعة من اجتماع فيينا، يعني دعوة الى تشدد أميركي في هذا المجال. نجاح سياسة الخطوة خطوة، ينزع اليد عن الزناد، ويفتح الباب للتفاهمات الدولية.
واشنطن تملك معرفة عميقة بسياسة خطوة خطوة منذ تعاملت مع التنين الأحمر. مجرد أن قال دينغ همسياوينغ ليس المهم أن يكون لون الهر أحمر أو أسود المهم أن يصطاد الفئران، أصبح كل شيء واضحاً. في الوقت نفسه لكل انفتاح مساره الخاص والطويل. واشنطن لم تطلب لأنها لا تستطيع أن تحصل أصلاً على تخلي بكين عن الحزب الشيوعي وهي الآن لن تطلب من طهران التخلي عن الجمهورية الاسلامية.
النجاح يولد الانفتاح والتطور. مجرد أن قال المرشد بالليونة البطولية، أصبح مفهوماً، أن طهران قادرة على تطوير موقفها، خصوصاً ان الخطوة الأولى كانت في اسقاط خط أحمر من الخطوط الكبيرة للثورة وهو صفة الشيطان الأكبر عن الولايات المتحدة الأميركية.
في مفاوضات استراتيجية وحساسة ودقيقة مثل الأميركية الايرانية، لن يحصل كل طرف على كل ما يريده، ولن يتنازل كلٌ منهما عن أكثر مما يمكنه. في نهاية المسار الجمهورية الاسلامية في إيران لن تتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية، تماماً كما بكين الشيوعية وواشنطن، لكن أبواب التفاهمات عديدة وممكن أن تفتح على آفاق واسعة وعريضة خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.
حتى تنتهي المفاوضات ويتم التوقيع، ستنتقل بؤر التفجير من مكان الى مكان، إما لتوجيه رسائل ميدانية أو لتثبيت خطوط التماس والتفاوض معها. سوريا، ستدفع المزيد من الخسائر والضحايا.
نهاية الحرب على الثورة في سوريا لم تكتب بعد.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.