القرار السعودي برفض شغل المقعد الذي فازت به في مجلس الأمن بغالبية مطلقة مفاجئ جداً، لكنه كما يبدو قراراً مدروساً بعناية في الرياض. رفضت السعودية المقعد بعد أن فازت بثقة 176 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة. القرار جاء معللاً بأنّ آليات العمل وازدواجية المعايير الحالية في مجلس الأمن تحول دون قيام المجلس بأداء واجباته وتحمّل مسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلام العالميين على النحو المطلوب.
انتقال السعودية من ضفّة الديبلوماسية الساكنة إلى ضفّة الديبلوماسية المتحرّكة، في قفزة واحدة، مهمّ لكن الأهم ألا تبقى يتيمة. تقديم الرياض مشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة يتضمّن إدانة تدخّل كافة المقاتلين الأجانب في سوريا بمن فيهم حزب الله والتأكيد على محاسبة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم ضدّ الإنسانية في سوريا، وتشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة تعبّر عن تطلّعات الشعب السوري، خطوة عملية وإيجابية مهمّة جداً. هذا القرار يضع كل دول العالم خصوصاً واشنطن وموسكو أمام الواقع الحقيقي للمشكلة في سوريا.
الثورة في سوريا ومن ثم الحرب على الثورة، لم يشتعلا بسبب امتلاك النظام الأسدي السلاح الكيمياوي، حتى توضع نقطة نهاية على كل ما يحصل، لأن بشار الأسد باع السلاح الكيماوي مقابل استمراره في السلطة، في هذا ظلم كبير، وخيانة سياسية وجناية إنسانية لمئات الآلاف من الضحايا والمعتقلين وملايين النازحين. العدالة تكون لكل الشعوب أو لا تكون، كما حصل في العالم. الكمبوديون حاسبوا المجرمين من الخمير الحمر، وبعدهم البوسنيون والروانديون. يجب أن يتحصّل السوريون على حقوقهم. أي وأد لهذه الحقوق، يعني تحوّل اليأس الممتزج بمشاعر الظلم، إلى قنابل بشرية لا ترحم.
من الواضح أنّ الإدارة الأوبامية أدارت ظهرها للعرب. ضعف العرب أنتج هذا الموقف الأميركي. غرق المثلث المصري العراقي السوري في الحروب وعدم الاستقرار، والاندماج الأميركي بالأمن الإسرائيلي، والسياسة الهادئة وعدم المواجهة، أنضج الموقف الأميركي، ورفع من منسوب تجاهله حتى لأبسط القواعد الإنسانية قبل السياسية.
أيضاً وهو مهم، أنّ إيران اعتمدت سياسة هجومية من دون حساب لكلفتها المادية والبشرية. خطورة السياسة الإيرانية، أنّها منذ البداية امتلكت مشروعاً ووضعت استراتيجية، ونفّذتها معتمدة تكتيكات متقدّمة في فن الاختراق والتمدّد وامتلاك الملفات والساحات. كل ذلك جرى في ظل غياب عربي، وفي أحسن الأحوال، تنافس قاتل.
إيران حتى وهي محشورة وبحاجة للتفاهم والتوصّل إلى حل مع الولايات المتحدة الأميركية، من أجل رفع العقوبات عنها، وعدم الاختناق اقتصادياً، تلعب وكأنّ الآخرين بحاجة لها وليس لأنّها بحاجة لهم. لديها الكثير لتبيعه لواشنطن ومن ثم الغرب. وهي أيضاً تطلب ثمناً ضخماً. السؤال الواقعي، هل تأخّر الوقت لمواجهة هذا الهجوم الإيراني؟
القرار السعودي في الأمم المتحدة يجب أن ترافقه خطوات ميدانية في الملعب السوري، لأنّه مركز الصراع وصياغة موازين القوى. ليس بالضرورة أن يتم ذلك بالحل العسكري خصوصاً وانّه أصبح مستحيلاً، وإنّما في التأكيد اليومي أنّ الحل السياسي لن يتحقق إلا إذا دفع النظام الاسدي ثمن جرائمه بحق الشعب السوري. عدم حصول ذلك، يعني انّ هذا النظام المتضخّم بالعنف والقتل، سينقل المواجهة إلى عقر دار الدول العربية مجتمعة. محاسبة النظام الأسدي هي جزء من عملية دفاع مشروع عن النفس وليس فقط من أجل إحقاق العدالة والأمن والكرامة للشعب السوري.
منذ سنوات عديدة والرأي السائد أنّ نظام مجلس الأمن الدولي بحاجة لإصلاح جذري. مشاطرة فرنسا إحباط السعودية أمام شلل مجلس الأمن، قرار مهم أيضاً، خصوصاً وأنّ باريس تريد تقديم اقتراح إصلاحي لحق الفيتو. الأزمة السورية في مجلس الأمن أكدت أنّ النظام الحالي مريض جداً. موسكو وبكين شلّتا عمل المجلس، ودفعتا باتجاه إطالة أمد الحرب في سوريا، والإنتاج غير المسبوق والمتضخّم للمنظمات الظلامية من القاعدة إلى داعش.
انتقاد موسكو للرياض بأنّها تخلّت عن العمل الجماعي لإحلال السلام، مضحك - مبكٍ، خصوصاً بعد كل ما فعلته موسكو لشلّ مجلس الأمن وتنفيذ سياسة الأرض المحروقة في سوريا، على أمل أن ينتج انتصارها على الشعب السوري إعادة لموسكو إلى واجهة القرار الدولي.
القرار السعودي يضع الجميع من واشنطن إلى موسكو مروراً بالدول الأوروبية والعرب أمام الواقع الصعب في منطقة الشرق الأوسط وليس سوريا فقط. إنّه إعلان سياسي بأنّه لا يمكن أن تتم المصالحات والتسويات من دون العرب. المصالحة الأميركية الإيرانية مهمّة جداً. ولكن يجب ألاّ تتم على حساب طرف ضدّ طرف آخر، وإنّما من أجل أن تدخل المنطقة كلها في حالة سلام، تشتاقها منذ عقود طويلة.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.