غداة احتفال لبنان بعيد الاستقلال في 22 تشرين، من المفترض انعقاد مؤتمر جنيف-2 حول سوريا. لا شيء حتى الآن يؤكد انعقاد هذا المؤتمر. والأهم لا يوجد ذرّة أمل بأنّه إذا انعقد سينتج عنه أي حل. يبدو أنّ واشنطن وموسكو لا تطمعان أكثر من الحصول على صورة تثبت أنّهما يتابعان جهودهما من أجل الحل بعد أن قفزا فوق كل شيء واختصرا أكثر من 31 شهراً من الثورة والحرب على الثورة في سوريا، بالاتفاق على تجريد النظام الأسدي من السلاح الكيميائي.
حتى الحصول على الصورة، لا يبدو ممكناً، لأنّ الأمم المتحدة هي التي يجب أن تعلنه وأن تدعو الأطراف المشاركة إليه، وهي ما لم تفعله حتى الآن. من الطبيعي جداً أن لا تقوم الأمم المتحدة حالياً بمثل هذا التحرّك، لأنّه أصلاً لم تُعرَف حتى الآن مَن هي الأطراف المشاركة.
إذا كانت موسكو وواشنطن، عضوين ثابتين وإن كانا متناقضين في مصالحهما وأهدافهما؟ فماذا عن أوروبا ومَن سيشارك منها: فرنسا؟ ألمانيا؟ بريطانيا؟ إيطاليا؟. أيضاً ماذا عن الدول العربية: السعودية، وهي التي رمت مقعدها في مجلس الأمن بوجه الموقف الأميركي المتذبذب والروسي المنخرط في الدفاع عن بشار الأسد من دون حساب للكلفة؟ قطر؟ مصر؟ وماذا عن النظام الأسدي؟ إذا كانت الإجابة سهلة بأنّ بشار الأسد هو الذي يقرّر مَن يمثله، فإنّ السؤال ماذا عن شروطه المتدرّجة في تشدّدها وكأنّه انتصر وحسم الحرب لمصلحته؟ وماذا عن رفضه الضمني لمقررات جنيف-1 ومنها تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحية؟
ماذا أيضاً وهو الأهم عن المعارضة السورية؟ الأخضر الابراهيمي الديبلوماسي العتيق جداً، طالب بأن تشارك معارضة مقنعة في المؤتمر؟. بداية ما هي مواصفات المعارضة المقنعة؟ ومَن يحدّد مواصفاتها وشروطها، طالما أنّ سوريا ملعب لمَن يلعب دائماً ولمَن يتعلّم اللعب حديثاً؟
ماذا عن قوى المعارضة السورية نفسها؟ هل المطلوب أن تجتمع كل فصائلها المدنية والعسكرية وتختار الوفد المقترح؟ وماذا عن معارضة الداخل وعن معارضة الخارج؟ هل يمكن قبول كل طرف بالطرف الآخر؟
بداية، من سابع المستحيلات جمع المعارضات السورية، وإذا كان من الممكن جمع التنظيمات المعروفة سياسياً وعسكرياً، فماذا عن التنظيمات الإسلامية المتطرّفة سواء داعش أو غيرها، وهي التي تمسك بأجزاء أساسية من الأرض وبالتالي من القرار؟ تفتيت المعارضة السورية وتشتيتها، فعل جماعي من الأسد إلى أصغر أمير في زاروبة حلبية أو غيرها، مروراً بكل اللاعبين الكبار وحتى الصغار. الآن تتباكى دول وقوى كثيرة على الانقسامات الحاصلة في المعارضة السورية، علماً أنّ لا أحد بريء من ذلك.
وماذا عن إيران؟ تريد إيران المشاركة، لكن المعارضة ضدّ مشاركتها كبيرة. حتى واشنطن التي تفاوضها وضعت شرطاً أمامها وهو قبولها بجنيف-1 كما تأخذ به، أي تشكيل حكومة كاملة الصلاحية، فهل تقبل طهران؟
إذا حصل وعُقد جنيف-2 بعد أربعة أسابيع بالتمام والكمال، فإنّ هذه الفترة ستشهد حكماً تصعيداً حاداً في المعارك في سوريا. تكاد الحرب على الثورة تحوّل سوريا كلها إلى حرب الشياح عين الرمانة. النظام الأسدي الذي كاد يعلن انتصاره في معركة الغوطة الشرقية، تلقى ضربة موجعة في بلده المليحة من جهة معمل تاميكو (تماماً كما كان يحدث في لبنان من موقع إلى موقع ومن أطراف بلدة إلى أخرى ومن زاروب إلى زاروب). ربما يستعجل النظام الأسدي معركة القلمون، ولو من باب تسجيل الموقف وقبل حلول الشتاء. في جميع الأحوال يعود القرار إلى الخبراء من الجنرالات الروس والإيرانيين في تحديد وجهة معركة النظام، وتوافر فائض من القوّات العسكرية سواء كانت من الجيش السوري أو الميليشيات الشيعية أو المرتزقة الروس وغيرهم المستقدمين على غرار بلاك ووتر في العراق.
التصعيد العسكري سيرافقه تصعيد سياسي على مختلف الجبهات، خصوصاً المعارضات السورية. حان الوقت لانتقال قيادات المعارضات من الخصومات الشخصية إلى البحث عن موقع لكل منها في الحل السياسي.
بعد جنيف-2 ستطول السلسلة حتى تدق ساعة الحل. بعد مؤتمر لوزان الذي اختتم في 20 آذار من العام 1984، عاش لبنان حروباً شرسة وأكثر دموية، حتى تم تثبيت خطوط التماس، وتحديد القوى التي ستوقّع على الحل وتكون شريكة في لبنان الطائف.
سوريا تحتاج إلى الكثير من الوقت خصوصاً أنّ ملعبها أوسع وأكبر بكثير من الملعب اللبناني، والأطراف المشاركة في اللعب تتجاوز بكثير ما عاشه لبنان. وأخيراً، إنّ الرهانات على نهايات الحرب أضخم بكثير.
خريطة الحل في سوريا، ستكون المركز في رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد. لذلك تشارك الأطراف كلها حالياً بلا حساب للكلفة التي في أساسها المزيد من الخسائر السورية في البشر والحجر.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.