8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ماذا عن سوريا اليوم.. والغد؟

ما العمل في سوريا بعد الحرب؟
هذا السؤال، يبدو غريباً ومستغرباً، لأنّ سوريا في قلب الحرب، ولا شيء يؤشّر أنّ الحرب ستنتهي غداً، وأنّ خلاص سوريا قد حُسم. حتى ولو انعقد مؤتمر جنيف-2 في الشهر المقبل، لن يتم الاتفاق، ولن تنتهي الحرب ويعود السلام. ما زال الوقت مبكراً. من الواضح أنّ الحل يلزمه أكثر من عقد جنيف، زائد إرادات دولية واقليمية حسمت ماذا تريد وماذا ستقبل به من الحلول والحصص.
في جميع الأحوال، سواء عاد السلام إلى سوريا غداً أو بعد عشر سنوات، فإنّ سوريا لن تعود سوريا التي كانت. سوريا أخرى مثخنة بالجراح والدمار والأحقاد، ستقوم من تحت الرماد. هذه القناعة لا تحول دون وجود إرادات سورية ودولية، تريد استشراف إعادة بناء سوريا من ألف باء الدولة أي الدستور والقانون، إلى المجتمع المدني مروراً بالتعليم والصحة والاقتصاد..
بيروت كانت وما زالت توأم دمشق، تتلقى الكثير من التردّدات التي تحصل، فكيف بالزلازل من وزن هذه الحرب المفتوحة على المجهول؟ لذلك إذا لم يستطع لبنان نأي نفسه عن الحرب، فإنّه من الطبيعي والضروري والملحّ أن يكون أرضاً صالحة لاحتضان أي محاولة تتعلق بمستقبل بناء سوريا.
وسط تعتيم إعلامي غير مسبوق، عقدت في الاسكوا ندوة عمل استمرت ثلاثة أيام (من الاثنين إلى الأربعاء الماضي) ضمّت لأوّل مرة وجوهاً بارزة من المعارضة المدنية منها: هيثم المناع وعارف دليلة وسمير عيطه، وعدداً من الشخصيات التي عملت مع النظام ولم تنفصل عنه، بينهم وزراء سابقون للنفط والتعليم الخ.. الدكتور عبدالله الدردري الذي لعب دوراً أساسياً عندما تولى منصب نائب رئيس الوزراء في تنفيذ سياسة الانفتاح الاقتصادي، والذي يتولى حالياً منصب مدير إدارة التنمية الاقتصادية والعولمة وكبير الباحثين الاقتصاديين في الاسكوا تولى الدعوة إلى هذه الندوة بالتعاون مع الاسكوا. العنوان الرئيسي للندوة هو: الأجندة الوطنية لمستقبل سوريا. تفرّع عن هذا العنوان الكبير ثلاثة عناوين، هي:
[ الحوكمة والبناء المؤسساتي والتحوّل الديموقراطي.
[ إعادة البناء والإنعاش الاقتصادي.
[ المصالحة والسلم الأهلي.
هدفت المناقشات التوصل إلى تقديم سيناريوهات أو خيارات مختلفة لتوضع أمام الشعب السوري، وبحيث لا يفرض عليه أي خيار. المناقشات لن تتوقف والصياغات ستستمر في ندوات ومؤتمرات مماثلة أوسع أو أضيق نطاقاً، إنما على قاعدة عدم الدخول في نقاشات سياسية من أي منطلق كان. ويبدو أنّ ندوة الاسكوا-1 نجحت كما يقول مَن شاركوا في النقاشات في تجنب الانزلاق في الخلافات السياسية.
كما يبدو أنّ المجتمعين استندوا في تقديم صورة لسوريا اليوم إلى أرقام يعود أحدثها إلى العام 2012. في جميع الأحوال، كلمة كارثة تبدو خفيفة، خصوصاً أنّ خلاصتها أنّ سوريا في العام 2013 تراجعت من حيث البناء والنمو إلى ما قبل عشرين سنة، وأنّه إذا انتهت الحرب في العام 2014، علماً أن لا شيء يضمن ذلك، فإنّ سوريا بحاجة إلى عشرين سنة لإعادة بناء ما تهدّم لتصبح بمستوى اليوم. باختصار سوريا خسرت حتى الآن أربعين سنة. هذا الرقم مرشح للتصاعد مع كل سنة حرب جديدة، هذا إذا لم تتحوّل سوريا، كما يقول خبراء دوليون، إلى دولة فاشلة.
الأرقام تتكلم. بلغت الخسائر الواقعية حتى العام 2012 نحو 33 مليار دولار. عجز ميزان المدفوعات بلغ عام 2011، 4960 مليون دولار، أما في العام 2012 فقد بلغ 5240 مليون دولار، أي ما نسبته 10,1 في المئة من الانتاج القومي. تراجعت الصادرات عام 2012 نحو 45 في المئة. أما الخسائر البارزة التي تهدّد أجيالاً بكاملها: 1522 مدرسة دُمِّرت وتضرّرت، مما يوجّه ضربة كارثية لكل المستقبل التعليمي، خصوصاً انّ خسائر العام الحالي المضافة كانت ضخمة جداً. أمّا ما يتعلق بالبنى التحتية، فإنّ أرقامها مفتوحة على المجهول. وأخيراً فإنّه رغم المحافظة على العمود الفقري للجيش فإنّ خسائره في العديد والعدّة ضخمة جداً.
الانتصار الكبير الذي حقّقه الرئيس بشار الأسد، أنّه دفع الثورة نحو العسكرة، عندما فتح الأرض والسماء أمام آلة القتل والاعتقال والخطف، ثم نجح في مقايضة السلاح الكيمياوي بسنة من السلطة أو أكثر، وأخيراً في وضع السوريين ظهرهم إلى الحائط، إمّا هو أو داعش، التي ساهم مع باقي اللاعبين بنسب متفاوتة وأسباب مختلفة في نموها.
الندوة التي عُقدت في الاسكوا مهمّة، الأهم أن تتوقف الحرب على الثورة وضدّ الشعب السوري.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00