8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

جنيف ـ2 مؤجل

مؤتمر جنيف-2، لن يعقد في الشهر المقبل، والأرجح لن يعقد هذا العام، إلا إذا وقع زلزال سياسي ضخم وغير متوقع. لا تتوافر الشروط الموضوعية والأساسية الواجبة لانعقاد المؤتمر، إلا إذا كانت واشنطن وموسكو تريدان الصورة تأكيداً لعدم فشلهما في فرض ما يريدان على القوى الاقليمية.
هذا الفشل المتوقع للثنائي كيري لافروف مؤقت لأن الحل العسكري مستحيل، ولا أحد يريده وإن كان يتمنّاه. موسكو تعرف أن انتصار الأسد وإيران، يعقد دورها ووجودها، ويجعل لإيران حضوراً فاعلاً ومؤثراً أكبر وأقوى منها، ويفتح المنطقة على جملة تغيرات لا يمكن ضبط مفاعيلها وآثارها. موسكو تريد أن يبقى الأسد بحاجة اليها حتى يبقى قرارها مهماً ساعة الحسم.
واشنطن بدورها، لن تقبل بانتصار الأسد وإيران، لأن في هكذا انتصار تغييراً عميقاً وشاملاً لخريطة الشرق الأوسط، لا يمكنها تحمل آثاره ولا انعكاساته على دوائر أخرى حتى في منطقة المحيط الباسيفيكي المهتمة بها. بقاء الأسد بالشروط الايرانية يشكل هزيمة حقيقية للولايات المتحدة الأميركية. مهما بلغ تردد باراك أوباما وضعفه، لا يمكنه أن يستلم ويسلم، منطقة استراتيجية للعالم الغربي، الى موسكو وطهران وحزب الله.
على الأرض حقق الأسد بعض النقاط لصالحه لكنه لم يقلب الوضع ليصير لصالحه.
يومياً يتقدم في موقع ويتراجع في موقع آخر.الحرب في لبنان تتكرر في سوريا، الى درجة أن قاعدة ممنوع أن ينتصر فريق على آخر تتكرر يوميا. المطلوب أن ترهق كل الأطراف الداخلية والخارجية في المواجهات العسكرية والمالية والسياسية، حتى تحضر مؤتمر الطائف أو شبيهه وهي مستعدة للتسليم بما رسم لها سواء كانت أطرافاً سورية أو غير سورية.
الشراسة في المواجهات الميدانية لا تقل عن المفاوضات في الغرف المغلقة. ويبدو واضحاً أن المفاوضات الايرانية الأميركية هي نقطة القطع والوصل في كل الملفات وخصوصاً سوريا. طهران تذكر واشنطن يوميا انها تملك ملفات ولها كلمتها فيها خصوصا في سوريا. وواشنطن تذكر طهران والآخرين ان ورقة الحصار والمقاطعة الاقتصادية ما زالت بيدها وهي لن تتخلى عنها حتى تتسلم بيدها موقفاً ايرانياً واضحاً وثابتاً ونهائياً.
حتى الآن الثقة مفقودة بين واشنطن وطهران. ما يساهم في ذلك، أن قوى محافظة ومتشددة في العاصمتين تصر على صحة مواقفها العدائية. في واشنطن، لم تتورع تيدي تشيرمان وكيلة وزارة الخارجية الأميركية التي كانت ابتسامتها عريضة خلال مفاوضات فيينا حول الملف النووي من القول أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس في معرض جديتها عن عدم القدرة على الثقة بالايرانيين: نحن نعلم أن الخداع جزء من الجينات الوراثية للإيرانيين. مثل هذا الكلام العنصري لو قيل مثلاً بحق الاسرائيليين لكانت محاكمتها بتهمة العداء للسامية بعد اقالتها أقل ردود الفعل المتوقعة.
أيضاً بالمقابل في طهران، ما زالت قوى محافظة ومتشددة لا تثق بالأميركيين، ولذلك عمدت الى وضع ملصقات تصور الأميركي بأنه يظهر من الديبلوماسية غير ما يبطن من وجهه البشع المتمرس بالحرب. كما يجري نقاش حاد حول الاحتفال الذي يجب أن يقام بمناسبة الذكرى 33 لاحتلال وكر الجواسيس اي السفارة الأميركية، ومن سيخطب فيه حيث تتعدد أسماء من الصف الثاني بين المسؤولين ومن أبرزهم علي شمخاني أمين سر مجلس الأمن القومي.
طبعاً تعمل القوى المعتدلة على احتواء مثل هذه المواقف حيث في واشنطن تم تقديم تفسير ملطف لكلام شيرمان وفي طهران تم اقتلاع الاعلانات التي كانت عادية ضد الشيطان الأكبر وأصبحت تشكل اعتداء على مصلحة الدولة وفي الوقت نفسه دعا الرئيس حسن روحاني الايرانيين الى الوحدة الوطنية ودعم الحكومة.
يعرف الجميع أن نجاح المفاوضات الأميركية الايرانية لها استتباعاتها الداخلية خصوصاً في ايران. الواقعية السياسية تفرض قواعدها في واشنطن، ومتى نجحت الادارة في التوصل الى حل يدخل الآخرون في سباقه والتزاماته، لكن ترجمة هذا الحل داخلياً في تأثيره الهام على موازين القوى داخلياً بين القوى المحافظة والمتشددة والقوى الليبرالية والمعتدلة.
أما في طهران، فإن ارتدادات مثل هذا النجاح داخلياً ستكون أكبر وأوسع وأعمق. انتهاء مرحلة المواجهة مع الشيطان الأكبر، تفرض تحولات داخلية باتجاه الاعتدال وخارجياً نحو تنفيذ سياسة أكثر هدوءاً وبسلام. باختصار ستؤشر الى دخول إيران عصراً جديداً يضع نقطة نهاية لعصر تصدير الثورة.
لكن حتى يقع التفاهم وترسو موازين القوى، فإن المواجهات على مساحة منطقة الشرق الأوسط الكبير من أفغانستان الى سوريا ستزداد حدة.
سوريا، مركز المواجهة... كل نقطة لصالح أحد الطرفين كلفتها تزداد يومياً ارتفاعاً، وأيضاً بلا مبالغة مردودها كبير جداً.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00