لم تفشل مفاوضات مجموعة الخمسة زائد واحد مع إيران. مجرد تحديد العشرين من هذا الشهر موعداً آخر للقاء على ضفاف بحيرة الليمان، يعني أن السكة مفتوحة أمام قطار الحل. الفرنسي مسؤول عن ايقاف القطار في محطته، لكن ليس هو كل شيء. التفاصيل دائماً صعبة، والخروج منها يتطلب جهوداً مضاعفة. الإيراني والأميركي معاً كانا بحاجة الى التوقف، فحصل ما حصل.
لدى فرنسا ووزير خارجيتها لوران فابيوس العديد من الأسباب، لعرقلة التوقيع على الاتفاق النهائي بين ايران ومجموعة الخمسة زائد واحد. لكن هذا لا يمنع أن يكون فابيوس قد تقاسم مع جون كيري الأدوار بين الشرطي السيئ والآخر الطيب.
الرئيس فرنسوا هولاند لن ينسى قفز الرئيس باراك أوباما فوقه في القرار حول ضرب سوريا. تماماً كما حصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ليبيا. والأخير ثأر لنفسه في سوريا، والأخر يثأر لنفسه في ايران. لفرنسا مصالح مهمة في الشرق الأوسط، وهي تجد نفسها في موقع الخارج حافي القدمين من هذا الشرق الدامي. أرادت فرنسا ونجحت في الدق على الطاولة بقوة لتذكير الأميركي بوجودها.
تشددت ونجحت. اصطادت باريس عدة عصافير بحجر واحد. أوقفت قطار الحل في محطتها، وأرضت العرب وإسرائيل في وقت واحد. ظهرت وكأنها مستعدة للمخاطرة من أجل الحصول على اتفاق مكبّل بالضمانات الكافية لطمأنتهم. هذا الموقف الفرنسي سيتم استثماره لاحقاً بحيث لا تكون خساراتها في العراق وإيران اقتلاعاً اقتصادياً وسياسياً لها، مع ما لهذا من انعكاسات على الداخل الفرنسي اقتصادياً وسياسياً، وحتى على الصعيد الشخصي. الرئيس هولاند لا تنقصه الأسباب ليفقد المزيد من شعبيته المتدهورة أصلاً، فكيف بعد أن ظهر في المسألة السورية وكأنه تابع لأوباما يعمل ما يقرره. المفاوضات الثنائية الأميركية الايرانية لن تتوقف، بالعكس ستتكثف خلال الأيام العشرة المقبلة.
طهران وجّهت رسالة ايجابية عبر يوكيا امانو رئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية، عندما وقّعت معه خريطة طريق تتضمن تنفيذ بعض الشروط الغربية ومنها السماح لمفتشي الوكالة بزيارة مصنع انتاج الماء الثقيل في اراك ومنجم الأورانيوم في غاشين. خلال هذه المفاوضات الثنائية، لن تحصر ايران المفاوضات حول الملف النووي. الرئيس حسن روحاني قال بصوت عال في مجلس الشورى في الوقت الذي أعلن تأجيل التوقيع في جنيف: ان مشاكل المنطقة والعالم ستبقى من دون حل أو بحلول ناقصة من دون إشراك إيران في حلها. للمشاركة في الحلول أثمانها. المفاوضات الثنائية تحدد كل شيء.
واشنطن تريد التفاهم بسرعة حول دور ايران في أفغانستان أثناء الانسحاب العسكري وبعده. لكن كما يبدو فإن الأميركيين تعلموا من تجربة العراق. لن يتركوا أفغانستان لقمة سائغة لإيران. كل شيء بمقدار وحساب. منذ البداية لن تكون يداها طليقتين في أفغانستان. عودة العمليات المسلحة الى سيستان بلوشستان ترجمة لمبدأ أن كل الحدود قابلة للاشتعال وأن الحرب الناعمة مستمرة ويمكن تصعيدها في أكثر من منطقة ايرانية.
يبقى، أن اسرائيل هي الخاسرة الكبيرة على المدى القصير. اسرائيل غير قادرة على ايقاف قطار الحل والتسوية. المصالحة الأميركية الايرانية قادمة سواء بسرعة القطار السريع أو على الفحم. اسرائيل أيضاً غير قادرة وحدها على توجيه ضربة عسكرية لإيران أي ضربة اسرائيلية منفردة ستصيب المشروع النووي الايراني ببعض الأضرار لكن لن تدمره، وفي الوقت نفسه ستمنح ايران فرصة تطوير مشروعها النووي عسكرياً تحت بند حق الدفاع المشروع عن النفس. لكن هذا لا يمنع من أن اسرائيل ستكون رابحة على المدى الطويل اذا ما غيرت ايران مساراتها الايديولوجية واسقطت عن إسرائيل صفة السرطان، الذي يجب اقتلاعه. لا شيء مستحيل خصوصاً بعد إتمام المصالحة الايرانية مع الشيطان الأكبر.
السؤال الكبير الذي لا جواب عنه حتى الآن، ماذا عن سوريا ولبنان؟ هل تتخلى واشنطن عن سوريا لإيران وروسيا لتقررا مَنْ يرث مَن وتخرج هي نهائياً من اللعبة؟، كل شيء ممكن، لكن من الطبيعي حتى في حالة التسليم الأميركية بالبيدق السوري على طاولة الشطرنج، أن يكون اللاعب الأميركي متأهباً حتى لا تكون تضحيته بلا ثمن، وخصوصاً أن في قلب هذه اللعبة، يوجد العرب الرافضون لبقاء بشار الأسد مهما بلغت الكلفة، فكيف ستتعامل معهم ومع قلقهم وشروطهم؟
أما لبنان، فإنه كما يبدو لن يترك عارياً أمام الأطماع المتزايدة ليس فقط من الأسد وجبهته من المقاومة والممانعة، وإنما أيضاً من الجماعات التكفيرية. لن يُسمح لحزب الله بالاستيلاء على لبنان مهما ارتفع لديه منسوب القوة. الخطير بالنسبة له، أن يتم إغراقه في حرب مباشرة مع التكفيريين على الأرض اللبنانية وربما تتسع المواجهة لتطال مساحات من القوى المسيحية التي لا يعود الفرق فيما بينها أكثر من شعرة واحدة. فماذا سيفعل الحزب أمام احتمال كهذا، ووجود أرض متأهبة لاستقبال كل شياطين الشر. من مصلحة حزب الله أن ينخرط في المصالحة قبل أن تأخذه مفاجآت المصالحات وما بعدها من تسوية حسابات فيضيع كل ما جناه من موقع ودور ومغرقاً كل الشيعة المنخرطين معه بدون تحفظ ولا تردد. تحييد لبنان تحت مظلة دولية يضمن للجميع البقاء دون أن يستقوي أحد على أحد، ولا يلغي أحد الآخر.
قطار الحل انطلق من جنيف، وهو آتٍ لا ريب فيه عابراً كل المحطات على مساره، باتجاه شرق أوسط جديد.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.