8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لمس السوريون تردّد باول.. فاستأسدوا

بدأ الأسديون يستعدون لمرحلة إعادة الإعمار في سوريا. كأنّ المدافع توقفت والطائرات عادت إلى حظائرها، وبراميل .T.N.T فكّكت كما جرى للسلاح الكيماوي، وصواريخ سكود أعيد نصبها باتجاه إسرائيل، بعد أن أثبتت فعاليتها ضدّ السوريين، والمعتقلات فرغت من المعتقلين الذين لا يعانون من الآثار الجسدية ولا النفسية. كل ذلك تحت إدارة الرئيس بشار الاسد الذي يعمل النهار وينوب ماهر عنه في الليل، لإعادة الاعتبار إلى كرامة وحريات السوريين التي خطفها وسحقها الإرهابيون، كما عادت الأجهزة الأمنية خصوصاً مخابرات الطيران وفرع فلسطين إلى تحت الارض لملاحقة جواسيس إسرائيل. كما تعمدت الوحدة إلى الجيش السوري، والأهم من كل ذلك عادت اللحمة الوطنية، وكأنّه لم تقع مجازر ولا قَهَرَ أحد أحداً. والأهم من كل ذلك عادت سوريا لاعباً بعد أن كانت ملعباً. انتهى زمن التدخّل في شؤونها. إيران سحبت خبراءها، ووظفت مساعداتها في إعادة البناء، وحزب الله انسحب إلى الجنوب اللبناني مستعيداً هويته كـمقاومة وليس بندقية في دعم الظالم ضدّ الشعب السوري المظلوم.
يبقى أنّ للحرب وللبناء قائداً واحداً هو بشار الأسد إلى الابد، الذي لا غنى عنه قائداً لجبهة المقاومة والممانعة، فالحرب لم ولن تنتهي مع الشيطان الأكبر، الذي حال دون سقوطه وتصالح مع محور الشر كله بزعامة الجمهورية الإسلامية في إيران.
لكن حتى تحقيق هذه العودة الميمونة وتكريس الانتصار، من المفيد قراءة ما يقوله هوشيار زيباري وزير الخارجية العراقي منذ عشر سنوات، والمناضل العتيق في القضية الكردية وضدّ نظام صدام حسين. في شهادته الطويلة للزميل غسان شربل في الحياة كما هي وبلا أي رتوش. يقول:
[ أبلغت الرئيس الاسد بتفاصيل خلية القاعدة بالأسماء ورقم منزل المسؤول عنها وأنه كان يقوم بعمليات ويجند أشخاصاً وأن المكان كان نقطة عبور للانتحاريين العرب الذين كنتم تتسامحون معهم، ولا يُسألون عن الغرض من زيارتهم. قال الرئيس بشار لأنهم لا يحتاجون إلى تأشيرات. قلت: يتوجهون إلى الحسكة وإلى دير الزور لكن لماذا يتوجهون إلى العراق، هل هم في رحلة سياحية؟ قلت له يا فخامة الرئيس إن بعض المسؤولين في الأجهزة لديكم يعتقد أنه مسيطر على الوضع بينما الحقيقة أنهم يمسكون الحية من ذيلها وسيأتي يوم تلدغكم فيه. ويضيف زيباري: كانت لدينا معلومات عن تسريب بعض المقاتلين عبر الحدود السورية فطلبت مساعدة الرئيس بشار لضبط الحدود والأمن، فقال لي إن الحدود السورية مضبوطة لكن يتوجب عليكم ضبط الجانب العراقي منها. فشرحت له وضعنا وأننا لم نؤسس جيشاً بعد بينما أنتم دولة مركزية قائمة. تدخل فاروق الشرع قائلاً إن لا داعي لتوجيه الاتهامات ونحن نعرف في حال حصول (أي تسللات). فاستأذنت الرئيس للرد على الوزير أبو مُضَر وقلت له أنا أعرف دمشق أكثر منك وأحياءها وآلية عملها. ونعرف يا فخامة الرئيس أنكم دولة مركزية وقد تعاملنا معكم. أنا كنت أمرر أجانب بينهم صحافيون، عبر الحدود السورية بطرق غير مشروعة إلى شمال العراق، ومن دون علم وزير خارجيتك، فقط عبر التنسيق المباشر مع الأجهزة. فضحك الرئيس الأسد وقال: من الواضح أنك تعرف بلدنا أكثر منا. ويتابع زيباري: سوريا ساهمت بالتأكيد في قتل أميركيين وتفجير سيارات. سوريا شنت حرباً مفتوحة علينا أدت عملياً الى مقتل عشرات الآلاف من العراقيين.
بعد هذه الشهادة للوزير زيباري، هل يوجد أي شك في دور الأسد الشخصي في بناء القاعدة في العراق؟
[ كان الرئيس مبارك منزعجاً جداً من الدور السوري في العراق وكان يقول لي: انهم بعثيون ونظامهم دموي لا يقف عند أي حد، والواد دي ويقصد بشار، شايف نفسه ويعطينا محاضرة في كل قمة. وكان منزعجاً من تدخلاته في كل صغيرة وكبيرة. قال لي ان النظام السوري يعيش على الأزمات، في لبنان والعراق وفلسطين، وكان قلقاً من الدور السوري فيها.
[ هوشيار زيباري، يستعرض العلاقة المتينة التي ربطته بالرئيس الشهيد رفيق الحريري قبل سقوط نظام صدام حسين، وكيف ساعد الشعب الكردي في محنته سياسياً ومالياً. ويروي زيباري تفاصيل لقائه الأخير مع الرئيس الشهيد في دبي أثناء انعقاد المنتدى الاستراتيجي، فيقول: ان الحريري كان خائفاً من الأجندة الإيرانية والأجندة السورية في العراق، وعندما أخذ يتحدث عن مسألة التمديد للرئيس اميل لحود، قلت له يا أبا بهاء ألا تخاف من معارضة مَن يؤمنون بشطب خصومهم؟ قال لي انه لا يتصور ان الأمر سيصل إلى حد التصفية الجسدية. قلت له القرار قرارك وبالتأكيد لديك احتياطاتك الامنية لكن عليك الا تبالغ في الطمأنينة.. والباقي معروف في اغتيال الرئيس الشهيد، فور سماع زيباري خبر التفجير اتصل ببيت الشهيد وعرف ان الاحتياطات الأمنية لم تحل دون وقوع الجريمة الكبيرة.
* يروي الوزير العراقي بواقعية شديدة ما كان يجري في سوريا الاسد، فيقول: ان كولن باول زار سوريا من باب الديبلوماسية فرأى السوريون في زيارته ما يؤكد اهميتهم، وكذلك بيل بيرنز (وكيل وزير الخارجية) زار سوريا أكثر من مرة في محاولة لاقناعهم بمنع المتسللين والتشدد على المنافذ الحدودية وفي المطار. لمس السوريون التردد الأميركي فاستأسدوا. وكان الرئيس بشار يفاخر بأنه استقبل كولن باول ورفض الشروط التي حملها.
بنى الأسد كل ملحمة ومسيرة المقاومة والممانعة التي قادها على لقائه مع باول، مما جعله مطمئناً الى وضعه. الرئيس جلال طالباني الذي التقى الرئيس الاسد وزيباري معه يقول: لم نشعر ان سوريا قلقة.. كان الاسد يتصور ان الاحداث ستعطي سوريا قوة اضافية وستعزز موقفها المقاوم والممانع. يختم زيباري شهادته عن الاسد وسوريا: لم يتصور المسؤولون السوريون ان عاصفة ما يسمى الربيع العربي ستمتد إلى بلادهم. والنتيجة ان العاصفة تحولت الى اعصار ما زال يضرب سوريا ويحوّلها إلى ملعب يتسع لكل اللاعبين.
[email protected]

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00