حسان هولو اللقيس، شهيد كبير من المقاومة. كان مقاوماً صلباً ومتواضعاً وكريماً وصامتاً، مثل المقاومين الحقيقيين. يعرف البعلبكيون أنه مقاوم، لكنهم كانوا يجهلون موقعه وحجمه ودوره وأهميته في مقارعة العدو الإسرائيلي. كان البعلبكيون يشكون الى حسان اللقيس من المتسلّقين باسم المقاومة الذين أثروا بعد أن فُسدوا وأفْسَدوا، سقط حسان شهيداً. ربما ثقته الزائدة بنفسه كشفته وحوّلته الى هدف سهل، مثله في ذلك، مثل أبو جهاد وأبو حسن سلامة وبعدهما وسام الحسن الذي كشف شبكات التجسّس الإسرائيلية.
خسارة الشهيد أخذت أهمية خاصة، لأن العدو الإسرائيلي اغتاله ولم يسقط في معارك داخلية، ولا في سوريا. قبل حسان سقط القائد أبو الفضل العيتاوي بطل معركة وادي الحجير، في مستلحقات 7 أيار، ولم يذكره أحد. اليوم تتوالى الضحايا من حزب الله في سوريا. بعضهم تُعلن هويته والبعض الآخر يُدفن في صمت ويُغيّب وكأنه مجرّد رقم وليس كما كان يُفترض أن يكون مقاتلاً ومقاوماً لا يدع العدو الإسرائيلي يستسهل تنفيذ اغتيال حسان اللقيس. العدو الإسرائيلي كان يحسب ألف حساب لإنجاز عملية في حرب الظلال ضد المقاومة. اليوم يقول علناً الحزب غاطس في المستنقع السوري من جهة، وفي أزمة سياسية مفتوحة في لبنان.
الأسوأ أن معركة القصير صُوّرت وكأنها معركة ستالينغراد العربية، وأن خسارة 150 مقاتلاً و500 جريح، ليست أمراً جللاً وكأن عديد قوات الحزب، مماثل لعديد الجيش الأحمر، علماً أن الفارق يوازي الفرق بين حجم الفيل والنملة. أما الأمر الذي يجعل من معركة القصير عبئاً ثقيلاً لا يحمل، أن تصوّر بأن كل ما بعدها ليس كما قبلها، وأنها ساهمت في تغيير المعادلات، ووضعت نقطة بداية لخريطة جديدة للشرق الأوسط، أساسها في انتصار بشار الأسد. وأن حزب الله في هذه الخريطة الجديدة، ليس مجرد بندقية بإمرة الوليّ الفقيه، بل هو قوة من القوى اللاعبة تملك من الأسباب الاستراتيجية والقوى البشرية والاقتصادية. فائض القوة هذا هو الذي يدفع عربته من أعلى التل الى تحت.
المأساة أن البعض يدفعون من دمائهم، والآخرون يستثمرونها. قد ينجح الحزب مؤقتاً، لكن نجاحه سيبقى محدوداً خصوصاً أن السيد نصرالله أقرّ بأن الكيان اللبناني نهائي، وأن فكرة المؤتمر التأسيسي قد سُحبت من التداول.
في النهاية عندما يوقع المؤتمرون في جنيف على الحل النهائي، لن يكون الحزب حاضراً. سينتظر خروج المفاوض الإيراني ليقول له ماذا حصل وعلى ماذا تحصل. أما النظام الأسدي فسيكون همّه تحصيل نهاية أقل ألماً له من إخوانه الذين سقطوا. أمام هذا الواقع الصعب وحتى المرّ، لا يمكن فهم ولا تفهّم ولا حتى استيعاب الهجوم الذي شنّه السيد نصرالله على السعودية.
ليس دفاعاً عن السعودية فهي تملك ما يكفيها للمواجهة، لكن لأن هذا الهجوم يصوغ ألف سؤال وسؤال. مهما نفى السيّد أنه لا يأخذ التوجيهات من إيران بما يخصّ لبنان، فإنه بهذا الهجوم جعل الحزب جزءاً من صراع إيراني - إيراني لا يمكن الحكم على حجمه بين قوى إصلاحية تريد الانفتاح داخلياً وإقليمياً ودولياً، وقوى متشددة تحاصر الداخل بالعصا وترفض الخارج بالشعارات الثورية التي وصفها الرئيس روحاني بـأنها لا تبني اقتصاداً، مما عرّضها الى عقوبات غربية أصابت اقتصادها مقتلاً.
بعض الأمل مفيد. الآن وقد أعلن السيد نصرالله إيمانه بلبنان كياناً نهائياً، وأن فكرة مجلس تأسيسي انتهت، حان الوقت للتوقف عن افتعال المعارك وخفض فائض القوة، والمزيد من الانزلاق في سوريا على قاعدة أن بحصة تسند خابية، لأنه في النهاية مهما ضحّى ستُكسر الخابية.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.