بعد 33 شهراً على الانتفاضة، فالثورة، فالحرب في سوريا، يجري إعلان وفاة مبرمج، للشعب السوري، والثورة... والمقاومة. لم يبقَ أحد في العالم، من دول وقوى ومنظمات وأفراد، إلا واقتحم الملعب السوري، ليلعبوا فيه لعبة الموت لحسابهم أو لحساب الآخرين عن سابق تصوّر وتصميم, أو عن انزلاق أسبابه خارجة من التاريخ المشبع بالخرافات والأساطير. الانسحاب قبل صفارة النهاية، لأن الانسحاب يعني الهزيمة بلا قيد ولا شرط.
مؤتمر جنيف-2 بداية لأنه لن يأتي بحل الضربة القاضية، وإنما بالنقاط. تحديد خطوط التماس بعد رسمها بدماء المتقاتلين وخصوصاً المدنيين... شرط واجب.
بعض الأرقام غير النهائية، تؤكد الوفاة المبرمجة. بين آذار وآب 2011 سقط 1668 من المدنيين كانوا يتظاهرون وأجهزة الأمن تقتل 12 ضحية في اليوم الواحد. بين آب وحزيران 2012 سقط 12943 ضحية بينهم رجال أمن وعسكريين. بعد ذلك تعسكرت الثورة، فتحقق للرئيس بشار الأسد ما خطّط له ونفّذه من دون حساب لشيء غير محافظته على السلطة. سقط حتى الآن 95713 ضحية. هذه الأرقام ليست سوى نقطة من بحر، أمام مئات الألوف الذين خطفوا واعتقلوا، والآلاف الذين ماتوا تحت التعذيب.
يمكن إعادة بناء ما تهدّم من الحجر، أما خسارة البشر فهي دائمة. المأساة الحقيقية أن نصف الشعب السوري نزح أو تهجّر، وأن تمزقات اجتماعية لن يمكن إصلاحها وقعت، وأن الجهاز التعليمي دُمّرَ، وان أجيالاً كاملة حُرمت من العلم أو إنهاء دراستها. كما أن هجرة الأدمغة، كارثة حقيقية. من الصعب أن يعود من هاجر إذا لم يحصل تغيير حقيقي. اللبنانيون عاشوا هذه التجربة ويعرفون تفاصيلها.
أما بالنسبة للثورة، فقد جرى اغتيالها ببطء. دُفعت الثورة نحو العسكرة، ثم تُرِكت لمصيرها. لا مال ولا سلاح. الدليل أن الثوار من غير الإسلاميين يقاتلون بعد ثلاث سنوات بأسلحة مصنّعة في الداخل. لقد ترك الشعب السوري والثوار لمصيرهم فدفع اليأس والإحباط الكثيرين منهم للانضمام الى التكفيريين. النصرة وداعش صناعة أسدية، تطورت وانتشرت ميدانياً.
بشار الأسد صدَّر الآلاف من التكفيريين الى العراق، وقايض الكثيرين منهم مع أجهزة الأمن الغربية، وهو الآن يعرض عضويته في الحرب العالمية ضد الارهاب مقابل الحفاظ على السلطة. قوى ومجموعات عربية دعمت التكفيريين، مما سمح للغرب خصوصاً الولايات المتحدة الأميركية ضرب الثورة باسم الحرب ضد الإرهاب. يتم التحضير لاغتيالها في الحل القادم الذي يتضمن كما يُسرّب، المحافظة على الجزء الأساسي من النظام الأسدي، وحتى خدمات الأسد لفترة مفتوحة على التطورات.
تبقى المقاومة والمقصود بها حزب الله. اعْتَقَدَ الحزب وأنصاره أن الحرب في سوريا ستنتهي بالانتصار في معركة القصير. إن القصير لم تكن أكثر من فخ سقط فيه الحزب بقرار سياسي من قيادته، وبتوجيه كامل من المرشد آية الله خامنئي الذي يخوض في سوريا معركة المربع الأخير بالنسبة له. المأساة مزدوجة. الانتصار بعيد جداً، خصوصاً بعد أن أصبحت الحرب ضد التكفيريين مفتوحة. كل يوم يسقط فيه مقاتل أو قائد من الحزب، تكون المقاومة قد ابتعدت ميلاً عن مقارعة العدو الاسرائيلي وغرقت قَدَماً في المستنقع السوري.
الحزب يربح عند المرشد، والمقاومة تخسر في سوريا ولبنان. إنها حرب استنزاف طويلة، للمقاومة والشيعة واللبنانيين.
بشار الأسد يقاتل من أجل بقائه في السلطة، من دون حساب للخسائر. الثورة مستمرة لأنه لم يعد لدى الثوار ما يخسرونه. التكفيريون يقاتلون في أرض جهاد، الجنة بالنسبة لهم هي الحل.
حرب الاستنزاف في سوريا قاتلة. خيط رفيع يفصل بين انتصار الحزب وخسارة المقاومة.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.