المعارضات السورية، تقاتل وحدها مشتّتة، فتتراجع وتدافع، والنظام الأسدي يقاتل موحّداً ومعه حلفاؤه إيران وروسيا وحزب الله والميليشيات الشيعية العراقية، فيهاجمون ويتقدمون بوصة بوصة. الطرفان يقاتلان ووجهتهما جنيف. لم يعد من شك أنّ الحسم العسكري مستحيل. انتصار أي فريق ممنوع، لأنّه ينتج تحوّلات وتغييرات استراتيجية، لا تريد واشنطن وموسكو حصولها. كلفة التغييرات عالية جداً، قد تنتج مواجهات مرفوضة. مهما قيل عن عودة الحرب الباردة، فإنّ موسكو لا قدرة لها عليها، وواشنطن اوباما، لا تريد الحرب. واشنطن وموسكو تنسقان وتعملان بالتفاهم معاً على عقد جنيف-2 وتوفير نجاحه، لملاقاة استحقاقات العام 2014 في الشرق الأوسط. رغم كل التوتّر في التصريحات، فإنّهما مرتاحتان للتصعيد في سوريا، وصولاً إلى استسلام القوى المتقاتلة لشروط التعب ويقينها باستحالة الانتصار من جهة، ومن جهة أخرى استكمال لعبة الموت في استنزاف التطرّف. موسكو تستنزف أصوليي الشيشان وغيرهم، وواشنطن تكسب أكثر في ضرب التطرّف السنّي بالتطرّف الشيعي ممثلاً بـحزب الله والميليشيات الشيعية العراقية.
ارتياح موسكو وواشنطن لنزيف القوى الأصولية يتراجع. أدركت العاصمتان، أنّ نمو التطرّف في سوريا يشكّل خطراً كبيراً عليهما وعلى العالم. سوريا مرشّحة لتكون أكبر قاعدة لـالقاعدة. حروب القاعدة السابقة تمرين ميداني محدود.
موسكو وواشنطن، انتجتا نمو التطرّف الانتحاري وإمساكه بـالملعب السوري. نحر الاعتدال والاستئساد ببقاء الاسد، أنتج هذا الخطر العالمي. موسكو قاتلت بقوّة سياسياً وحتى عسكرياً في مد الأسد بكل أنواع الاسلحة والخبراء وحتى بالمرتزقة الروس والاوكرانيين. واشنطن، دعمت بقاء الأسد لإرضاء إسرائيل بحجّة غياب البديل المعتدل، فكان أن اعتبر الاسد بقاءه مطلبا أميركيا. الآن أدرك جون كيري (الذي يكذّب تصريحه بتصريح مضاد) أنّ الاسد يغذّي وحش التطرّف. المهم الأفعال، كما يقول الأميركيون، وليس الكلمات. السؤال كيف سيتم التعامل مع هذا الأسد؟
تبقى إيران في قلب المعركة. ما أعلنه قائد الحرس الثوري محمد جعفري أنّ سوريا تمثّل الخط المتقدّم في المواجهة، وإيران لن تدخر جهداً في الحفاظ عليها، مهما كانت خلفيّاته وأسبابه الداخلية، فإنّه يبقى صدى ميدانيا لموقف المرشد آية الله علي خامنئي. يبدو واضحاً، وجود مشكلة مهمّة وحسّاسة في طهران اسمها سوريا. الجميع، من معتدلين ومتطرّفين في دوائر القرار في طهران، يعرفون أنّه لا يمكن لإيران الخروج من شبكة جنيف النووية، لأنّ الطعم الذي قدم لها، لا يمكن التحايل عليه ولا تركه. الوضع الاقتصادي يفرض ذلك. عندما لا يتم وضع الميزانية الإيرانية للعام الشمسي المقبل بالعملة الإيرانية، والاكتفاء بسعر محدّد لبرميل النفط بـ95 دولاراً، معنى ذلك أنّ رفض المصالحة ترجمته تدحرج التومان إلى الهاوية، في حين أنّ التوصل لاتفاقية نهائية ينقذ الاقتصاد الإيراني، ابتداء من خفض التضخم بعد أن تجاوز أعلى رقم في العالم وهو 43 بالمئة.
دوائر القرار في طهران تعرف أنّ التفاوض حول مستقبل سوريا قد بدأ، ولا يمكنها سوى الانخراط فيه، حتى لا تخسر. كلام جعفري تذكير بالوجود الإيراني في سوريا وعدم التخلي عنه قبل مقايضته بما يناسب جزءاً من الطموحات المرسومة، طالما أنّ الانتصار مستحيل. طهران ترغب أن يكون بديل الأسد علوياً، مع ضمانات بعودة حزب الله إلى لبنان سالماً ومحققاً لبعض المكاسب في السلطة حتى لا يُسأل من حاضنته الشعبية ماذا فعل بـالورد من شباب المقاومة؟
التصعيد سيّد الموقف. لكن لم يعد أمام واشنطن سوى فتح القنوات المقفلة لتسليح ما تبقى من المعارضة المعتدلة، والتفاوض مع موسكو وطهران على بديل للأسد حتى لا يخسر العالم مع صعود القاعدة.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.