أن يزور مسؤول إيراني لبنان، سواء كان رئيساً للجمهورية أو وزيراً أو نائباً في مجلس الشورى، أصبح منذ سنوات، حدثاً سياسياً طبيعياً وعادياً. العلاقات الايرانية اللبنانية قوية وراسخة، رغم الشوك القاسي والمؤلم في بعض الحالات. إيران ناشطة، وحزب الله قوي ومتمكن ولاعب سياسي ورئيسي في الحياة السياسية وغير السياسية في لبنان.
رغم هذا، فإن زيارة محمد جواد ظريف وزير الخارجية الايراني وأبرز الروحانيين في حكومة الرئيس حسن روحاني للبنان مهمة وفي بعض جوانبها استثنائية، خصوصاً إذا ما نظر إليها من منظار الواقع الايراني الداخلي وطبيعة السياسة الايرانية في لبنان حالياً ومستقبلاً.
السياسة الروحانية قوية وتعمل للتغيير على قاعدة الاعتدال والعقلانية. لكن موازين القوى لا تسمح لها بإطلاق مساراتها الداخلية والخارجية من دون خوض معارك يومية مع المعارضة من المحافظين المتشدّدين، الانتصار فيها لن يكون بالضربة القاضية وإنما بالنقاط. يعتمد المحافظون المتشدّدون على امساكهم بمفاصل أساسية في السلطة، لكن سلطتهم تضطر لتقديم التنازلات، لأن الواقع الايراني سواء الاقتصادي وأزمته العميقة والمفتوحة، أو إرادة الأغلبية المطلقة من الشعب الايراني بالانفتاح والعودة الى العالم تفرض عليهم ذلك.
اللبنة الأولى في المسار الروحاني، حل مشكلة الملف النووي المتداخل مع العلاقات بالولايات المتحدة الأميركية. بعيداً عن كل التحذيرات والتحفظات فإن المفاوضات التي يقودها ظريف مستمرة كما يؤكد الوزير الظريف وستنتج اتفاقاً نهائياً.
مثل هذا الاتفاق يعني المصالحة مع الشيطان الأكبر. المرشد آية الله علي خامنئي لا يريد الاعتراف بأن الوضع الاقتصادي الذي كان أحمدي نجاد ينفذ سياسة وافق عليها ودعمها قد وصل الى مرحلة افلاس الخزينة الايرانية. أيضاً لا يقبل المرشد بأن يقال إن العقوبات الاقتصادية أجبرت بلاده على الدخول في مفاوضات مع الشيطان الأكبر. مثل هذا الاعتراف العلني والمباشر يلزمه قوة الإمام الخميني وشرعيته الثورية وشجاعته عندما قال: انه مستعد لشرب كأس السم واعترف بالهزيمة. المرشد خامنئي يقول اليوم ما يقوله مواربةً: إذا رأينا في بعض الموارد أن نتفاوض مع هذا الشيطان للخلاص من شرّه فإننا نتفاوض.
عودة الى الوزير الظريف المستند الى موقف سياسي قوي وشخصية تعرف كيف تخوض المعارك الرابحة. قيادات الحرس الثوري الذين تنتهي خدمتهم في الأشهر القليلة المقبلة وعلى رأسهم الجنرال جعفري، لا يريدون الاعتراف بتراجع دورهم وموقعهم في الجمهورية الروحانية. ولذلك بدلاً من أن يقولوا لظريف لا تذهب الى لبنان لأنه قطاع تابع لنا وان العلاقات بالسعودية لا تعنيك فإن وكالة فارس اللصيقة بالحرس، بشّرت اللبنانيين بأسبوعين مليئين بالمتفجرات الدموية والأمنية. بالصدفة المدروسة، يتوافق الأسبوعان مع موعد زيارة ظريف. استكمالاً لذلك تابعت الوكالة هجومها فلم تترك اتهاماً إلا ووجّهته الى السعودية وصولاً إلى تهديدها بأن المقاومة الاسلامية ستردّ عليها.
الوزير جواد ظريف سيصل الى لبنان الاثنين القادم وترك الباب مفتوحاً أمام زيارته للسعودية. هاشمي رفسنجاني وضع الحصان أمام العربة بلُغته الخاصة والمرمّزة فدعا المرشد الى اتخاذ القرار النهائي حول العلاقات بالسعودية خصوصاً أنه سبق له أن وقّع اتفاقات مع الملك عبدالله بن عبد العزيز. بذلك يوضع حدّ للسياسة المزدوجة تحت عباءة المرشد.
تداخل الخارج مع الداخل سواء في إيران أو لبنان، يفرض تعاملاً لبنانياً خاصاً مع زيارة الوزير ظريف.
ترحيب قوى 14 آذار بالوزير ظريف، والعمل على اللقاء به سواء لعرض موقفها بوضوح أو لعدم استفراده من الآخرين، يشكلان دعماً للسياسة الروحانية المعتدلة والواقعية التي متى ثبت مسارها كان ذلك لمصلحة كل لبنان.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.