لا يمكن فصل ما يجري في سوريا عمّا يجري في مصر وتونس. الساحات واحدة، رغم الاختلاف الشاسع في التشكلات والتردّدات المتفاعلة يومياً.
جنيف-2 ليس الطائف السوري. ما زال إنقاذ سوريا بعيداً، ومعلّقاً على الكثير من الحروب الدامية، التي تشكّل مزيجاً غريباً واستثنائياً، للماضي بكل أحداثه وأساطيره وخرافاته والحاضر بكل دموية المشاركين في صناعته. رغم أنّ جنيف-2 كان مجرّد صورة للمشاركين في المأساة السورية ما عدا إيران المغيّبة، وداعش القاتلة، فإنّه يشكّل فاصلة مهمّة جداً في المسارات السورية. أهم ما في هذا المؤتمر أنّ الجميع أصبحوا مقتنعين، أنّ الحل هو في الحل السياسي. هذه القناعة لا تمنع رغبة كل الأطراف في تحسين مواقعه، لرفع منسوب مطالبه. لا شك في أنّ القناعة تتعمّق بأن لا مكان لبشار الأسد في مستقبل سوريا. المهم كيفية بلورة هذه القناعة، المترافقة بقناعة أخرى لا يمكن لأحد إلغاء الآخر. مجرّد الكلام عن قوّة سلام دولية وميزانية أولية بمبلغ خمسين مليون دولار، يعني أنّ المقترحات تتوالى في الغرف المغلقة والبعيدة عن الأنظار حيث يتفاوض القادرون على حسم الأمور أي الأميركيون والروس. شيء من عالم الحرب الباردة، يطوف في أرجاء سوريا الملعب. أما أبشع ما يحصل في ذلك كله هذا الإصرار من الممانِعين على بقاء الأسد، بعد أن أطاح حتى الآن، كما تقرّ دراسة للإسكوا، بـ37 سنة من التنمية. أيضاً وهو الكارثة الأكبر، أنّ الشعب السوري ليس أكثر من مجموعة بيادق يتمّ نقلها والتضحية بها تبعاً لمجريات اللعبة.
في مصر، حيث يصعد المشير السيسي سلّم السلطة بسرعة كبيرة، فإنّ ذلك لا يمنحه تفويضاً مفتوحاً بلا رقابة. الشباب والمجتمع المدني المصري سيبقيان نوبة صاحي، قادران على إسقاط التفويض للمشير الرئيس في الميادين. محاولة أخونة ومن ثم سورنة مصر، فرضتا تفويض المشير، أي محاولة للعب مع هذا التفويض تعني اللعب بمصيره وبمستقبل مصر.
مصر مقبلة على خيارات صعبة والنظام القادم مضطر لأن يسير في وسط حقول من الألغام سواء كانت إرهابية أم اقتصادية. كيفية تعامل النظام القادم مع هذه الألغام المتفجّرة مهم جداً والأهم، كيفية تعامله مع المجتمع المدني الصاعد والنامي بسواعد الشباب في مصر سيظهّر فوراً خريطة طريقه.
في تونس، أثبتت التطورّات، أنّ عوامل ذاتية داخلية, وموضوعية خارجية ساهمت كلها في إنتاج الحدث التونسي الاستثنائي. من ذلك:
* رغم كل ما يُقال عن سلبيات التجربة البورقيبية فإنّ أهمّ إيجابياتها، نمو المجتمع المدني المتزاوج مع نشاط نقابي استثنائي على مساحة الوطن العربي. فتح بورقيبة أمام تونس منافذ التطوّر خصوصاً بالنسبة للمرأة والحقوق التي مُنحت لها والتي تبدو حتى الآن الأكثر تقدّماً بالنسبة للمرأة العربية.
* إنّ حزب النهضة الإسلامي بزعامة الغنوشي استفاد رغم الحملة القمعية التي تناولته خصوصاً في مرحلة بن علي، من انفتاحه على أوروبا وخصوصاً فرنسا، فأصبح أكثر وعياً إلى درجة أنّه استوعب بسرعة تطوّرات مصر وسوريا، فعمل على تحصين نفسه ومعه تونس حتى لا يسقطا.
خارجياً، فإنّ الضغط الجزائري الأمني لمنع أسلمة النظام من جهة والخوف من التجربة الليبية والاستناد إلى التجربة الديموقراطية المعتدلة والبطيئة في المغرب قد دفع التوانسة وخصوصاً النهضة إلى الإسراع في تحصين أنفسهم من رياح التجربة المصرية، أي تسلم لواء راية السلطة.
... وما زالت المسارات أمام هذه الحوادث وغيرها في الوطن العربي طويلة ومليئة بالمفاجآت.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.