فتح الأبواب أمام تشكيل الحكومة في لبنان، بعد 11 شهراً من الصبر الذي تعب منه الصبر، هو اختبار للنيات، وليس تأكيداً للمسارات التي تُرسم. ما زال أمام جميع اللاعبين من لبنانيين وعرب ودوليين، الكثير من الاختبارات وحتى الامتحانات قبل إعلان الخلاص، وتثبيت الحل النهائي. الأمر ليس متعلقاً بلبنان ولا هو معلّقاً عليه، وإنما على مساحة العالم العربي أولاً، وثانياً على مساحة الدوائر المتداخلة بين القوى الدولية التي تذكر بطريقة أو أخرى بحيثيات الحرب الباردة. رغم ذلك، فإن لبنان وما يدور فيه مهم جداً. النجاح والفشل فيه مؤشر مباشر لما سيجري في المنطقة لاحقاً.
الملعب السوري، تحوّل الى أم الملاعب في الشرق الأوسط. لا يمكن لأي طرف عدم أخذ ما يدور وما سيجري لاحقاً فيه في كل خطوة يخطوها. فشل جنيف-2 ليس مفاجئاً. بالعكس طبيعي جداً، اللبنانيون أكثر الخبراء خبرةً في ذلك، طالما أن خطوط التماس السياسية والعسكرية لم ترسم نهائياً بعد، وطالما لم يتم تثبيتها، ستسلِّم جنيف-2 على أخواتها اللاحقات، حتى الوصول الى الطائف السوري.
الأسديون سعداء بتقدّم القوات الأسدية وحزب الله، تحت وابل البراميل، وأوهام النصر في يبرود كما حصل في القصير وكأن سقوط يبرود محطة على طريق تحرير مزارع شبعا ومن ثم قرى الجليل وعودة الفلسطينيين الى فلسطين.
أيضاً إن هذه الانتصارات مقدّمة لتمديد رئاسة الأسد الى الأبد. تراجع المعارضات السورية لا يعني هزيمتها، كما جرى في لبنان اليوم لي وغداً عليّ لمختلف القوى. موازين القوى قابلة للتعديل، على حساب دماء السوريين وثرواتهم.
الرئيس باراك أوباما، الذي سيزور المملكة العربية السعودية ويلتقي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز، لن يأتي للسلام فقط. هذه المرة أوباما هو الذي استعجل اللقاء، لأنه حتى ولو كانت واشنطن تعمل على التوجه باتجاه المحيط الباسيفيكي، فإن الشرق الأوسط يبقى مفتاح الأمن في العالم القديم، والحديقة الخلفية لأوروبا الشمالية، إذا انهار، انهار معه العالم القديم كله. ليس هذا من صالح الولايات المتحدة الأميركية. أوباما مضطر لأسباب استراتيجية القدوم الى السعودية حاملاً معه عروضاً حقيقية. لم يعد الكلام الأميركي يكفي. السعودية والعرب يريدون أفعالاً. لذلك كله، ستشهد سوريا تصعيداً عسكرياً غير مسبوق خلال الأسابيع الأربعة القادمة، حيث على كل لاعب خصوصاً اللاعب الإيراني العمل على تقديم أقصى ما عنده. رياح الاعتدال التي هبّت على لبنان، هي حتى الآن جدية للتفرغ لمواجهة التطورات القادمة في سوريا، العسكرية منها أو السياسية.
ما يؤكد عمق الاستعدادات للتعامل مع التحولات القادمة، أن كل طرف استوعب جيداً أنه لا يمكنه أن يربح وحده. الشراكة ضرورية وهي شرط أساسي للنجاح. الشراكة السعودية المصرية، عدا كونها عملية جدية لاستدعاء الدور المصري في المنطقة وإعطاء قوة زخم لعملية استقرار مصر، فإنها تشكل تحولاً استراتيجياً في تاريخ العالم العربي. انضمام القيصر فلاديمير بوتين الى هذه الشراكة من بوابة دعم انتخاب المشير السيسي للرئاسة، (في حين أنه ولا مرة حتى الآن تحدث عن دعم الأسد لولاية جديدة) يؤشر بقوة الى وجهة هذه الشراكة الاستراتيجية. انضمام إيران إليها بعد تثبيت الاعتدال الروحاني فيها يشكّل استكمالاً للتحولات العميقة في الشرق الأوسط.
لبنان ما زال حتى الآن محظوظاً لأن شبكة أمان عربية ودولية تحميه. يبقى أن ذلك لا يكفي، يجب مساهمة القوى اللبنانية في جهد إنقاذي مشترك خصوصاً وأن اللعب الدموي في الملعب السوري لن يتوقف حتى تكتمل عملية استنزاف الجميع، خصوصاً حزب الله.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.