الحرب ضدّ الاخوان المسلمين مفتوحة، والمصالحة إن لم تكن ممنوعة، فإنّها مستحيلة. سيدفع الاخوان الثمن غالياً، على جميع المستويات، بعد أن كانوا على قاب قوسين، من الإمساك بالسلطة بأبرز المراكز ومفاتيح القرار ورسم المسارات في العالم العربي.
مصر هي مركز التجربة الاخوانية. فشل هذه التجربة لم يتم بقرار. لأوّل مرّة لا يمكن للاخوان اتهام الشيطان الأكبر، أي الولايات المتحدة الأميركية، بالعكس. حتى الآن تبدو الإدارة الأميركية وكأنّها تلقّت صفعة كبيرة ومؤلمة بسبب فشل المشروع الاخواني في مصر التي ترسم حوادثها وتطوّراتها مسارات المنطقة حتى وهي معزولة. انتقال الاخوان من ظلام العمل تحت الأرض، إلى أضواء السلطة المبهرة، أصابهم بعمى الألوان، فأسرعوا في القبض على السلطة من دون الأخذ بالاعتبار أنّهم يشكّلون أقل من ربع المجتمع المصري حتى بتحالفهم مع السلفيين الذين يقفون مع السلطة. يوجد فرق كبير لم يأخذ به الاخوان، بين حجاب المرأة، وتحجّب الدولة، تنتج تجربة إيرانية يكون مرشد الاخوان فيها الولي الفقيه.
يبقى الأسوأ وهو ما برز أكثر فأكثر بعد ثورة 30 يونيو في مصر، وفي ليبيا. تحوّل الاخوان إلى عباءة وملجأ لكل التنظيمات المتطرّفة التي بعضها جزء لا يتجزأ من القاعدة وفروعها. هذه العلاقة المنطلقة من قاعدة فكرية واحدة وإن تفرّعت وتدحرجت عميقاً في مجاهل التطرّف الدموي، جعلت الاخوان كما هم اليوم في فوهة البندقية.
الجنرال خليفة حفتر، يتقدّم مع قوّاته بسرعة باتجاه طرابلس لحسم الأوضاع والإمساك بالسلطة. ما يقوم به ليس وليد اليوم، وإنّما نتيجة إعداد مبرمج ومنفّذ منذ عامين كما يؤكّد بنفسه. كمّاشة حركته، تقوم على فكّين:
[ الداخلي، وهو أنّ الثورة وصلت إلى طريق مسدود، وأنّ الضالين بقيادة الاخوان المسلمين هم السبب بالوصول بليبيا إلى حافة الانهيار.
[ الخارجي وهو متداخل مع الداخلي، إذ إنّ الجيران وهم مصر والجزائر وتونس شكوا ويشكون من الوضع، حيث الخصم فيه واحد وهم الاخوان، لذلك كي نعيش ويعيش جيراننا بأمن واستقرار، نقوم بعملية التطهير الحالية.
هذه الشراكة في الخصومة تنتج الشراكة في المواجهة. مصر التي تعيش خطراً قائماً ومؤلماً، والجزائر التي تعيش على وقع خطر دائم مثله مثل البركان الذي يخبو ليعود وينفجر، وتونس التي تحوّلت رغم عقلانية النهضة وبراغماتية راشد الغنوشي تعيش على وقع مواجهات واغتيالات خطيرة على أمنها واستقرارها.
وحده الهدف في ضرب الاخوان المسلمين وما تحت عباءتهم، أزالت التنافس والخصام بين مصر والجزائر. لا شك أنّ مصر معنية أكثر بكثير من الجزائر، ليبيا همّ مصري داخلي.
الحرب ضدّ الإرهاب في مصر يومية. ليبيا خزّان سلاح ومقاتلين بهويّات مختلفة. لكن أيضاً في ليبيا حوالى مليون مصري. أمنهم وسلامتهم ليست الجسدية فيها فقط، وإنّما أيضاً الفكرية والسياسية. ليبيا تحوّلت إلى مصنع للفكر الظلامي الذي لا يعرف إلاّ التكفير والسلاح لغة للتعامل اليومي.
الدواء يلزمه أحياناً دواءً مضاداً لدى المريض. في حالة المواجهة مع الاخوان، يوجد خطر قائم وهو عودة العسكر إلى السلطة. ما نجح الربيع العربي في إسقاطه، وهو حكم العسكر، تعيد التجربة القصيرة لـالاخوان في السلطة إنتاجه من جديد.
الاخوان استثمروا الربيع العربي وصناديق الاقتراع للاستيلاء على السلطة وفرض سلطتهم، التي لا تسمح بالشراكة مع أحد، فأصبحوا في فوهة البندقية. الخوف الآن أن يعيد العسكر الماضي فيفرضون فاشية جديدة. رغم هذا الخطر ما زال بصيص أمل لدى الشباب منطلقاً من دروس التاريخ. بعد الثورة الفرنسية استولى نابليون على السلطة، ثم زال، لتدخل فرنسا مساراً طويلاً غنياً بالحوادث وصولاً إلى الديموقراطية.
كل شيء ممكن، في العالم ومنه الشرق الأوسط حيث السرعة في الحوادث تختصر المراحل.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.