نوري المالكي، أصبح حالة إيرانية في العراق، تماماً مثل بشار الأسد في سوريا. طهران لن تتخلى عن المالكي بسهولة ولا مجاناً. العراق تحوّل إلى ساحة مفتوحة لكل المشاريع والمقايضات فيه وحوله للقبول والرفض. أكثر من ذلك، أصبح العراق قاعة مغلقة لكل المحادثات والمفاوضات الأميركية الإيرانية، من دون حاجة لوسيط ولا لاحتياطات السرّية. العراق أرض مشتركة. الانفجار الأمني فرض عليهما قبول كل واحد للآخر. الشراكة الأميركية الإيرانية قائمة في العراق، بكل شروطها وواجباتها ونتائجها.
في سوريا، بشار الأسد حالة أكثر تعقيداً. إيران قادرة في العراق أن تختار من سلة السياسيين العراقيين الشيعة أكثر من مالكي. في سوريا أسد واحد أولاً، وحزب الله ثانياً. لا يمكن لإيران فصل البديل عن الأسد عن وجود حزب الله قوّة لا يمكن استبدالها ولا الاستغناء عنها. حزب الله الابن الشرعي والوحيد الذي لا يُستبدل ولا يُضحّى به، وممنوع التفاوض عليه. التكامل الحالي بين الأسد والحزب هو الذي يحدّ من الخيارات ويعقّد الوضع في سوريا ولبنان. حظ لبنان أنّه وسط هذه النار، الستاتيكو يمنع عنه الاحتراق أو الانفجار.
معركة الموصل وما بعدها، لم تضع قواعد جديدة للصراع وإنّما بلورتها وكشفت المعلوم منها من المستور. الشيعة بكل مكوّناتهم تعاملوا مع السنّة بمكاييل الماضي المليئة بالأحقاد. والسنّة لم ينفتحوا وظلوا أسيري عقدة استيلاء الآخرين، أي الشيعة، على سلطتهم. والعرب تركوا العراق وحيداً يوم كان بقدرتهم نجدته وتحصينه. أما إيران فتقدّمت بقوّة مستخدمة كل أسلحتها خصوصاً المذهبية منها فوضعت يدها على النسيج الشيعي بكل مكوناته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ابتداء من المقامات وصولاً إلى العراق العميق.
الآن، الحرب مفتوحة في العراق، تطوراتها تهدّد ليس العالم العربي وحده وإنّما المنطقة. حتى الآن، يُعمل على فصل المواجهة مع داعش، عن الاحتكاكات الشيعية السنّية، حتى لا تتحوّل الحرب في العراق إلى حرب شاملة سنّية شيعية، في هذا التحوّل سقوط بلا توقف نحو هاوية بلا نهاية. داعش، تضخّم وكبر لأنّه كان حالة تقاطع فيها الموقف المذهبي بالحرب المخابراتية الأسدية التي كان من أبرز عملياتها إطلاق سراح آلاف السجناء من داعش وكل مَن يحمل في قلبه أحقاد التطرّف الأصولي. الآن، تنظيم داعش أصبح حالة قائمة له مشروعه الخاص وأهدافه الذاتية، وهو يملك كل المقوّمات الاستقلالية من مال وسلاح ورجال بينهم وبين الجنّة كما يؤهَّلون خطوة لا عودة عنها.
الحرب في العراق، وقبلها في سوريا، والأزمات المستمرة في لبنان، وليدة حرب وجود ومصالح، بين إيران وتركيا والسعودية ومصر القادمة من بعيد. أي حركة خاطئة تتحوّل إلى حرب مذهبية تحرق الأرض قبل المصالح. الخوف قائم عند الجميع. ليس صحيحاً أن لا أحد يهمّه هذا السقوط في الحرب المذهبية. الموس على وريد الجميع، بما فيهم المجتمع الدولي. حتى الولايات المتحدة الأميركية لا يمكنها القبول بمثل هكذا حرب، لأنّ نيرانها لا ترحم أحداً.
أمام احتمال الحرب المذهبية الشاملة، لا يعود من حل سوى الحل الشامل. منذ سقوط الموصل بيد تحالف داعش والبعث الصدامي الدوري والعشائر السنّية والنقشبندية المسلحة يدرس في الغرب، خصوصاً في باريس، التحضير لمؤتمر دولي واسع يضم: واشنطن وموسكو وباريس ولندن وطهران والرياض وأنقرة. مثل هذا المؤتمر ليس فعل الغد.
ضريبة الدماء والدموع ما زالت ضخمة ومستمرة...
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.