كلمة واحدة، تكفي لتحديد الهوية السياسية للمصري. ثورة أو انقلاب. من يقول الأولى، يعترف ويؤيّد شرعيّة ثورة 30 يونيو/حزيران والرئيس عبدالفتاح السيسي. من يقول بالثانية، يؤيد محمد مرسي رئيساً وهو في السجن، ويصر على أن ثورة 30 يونيو ليست أكثر من انقلاب عسكري من وضع وتنفيذ السيسي والجيش. الانقسام حادٌّ جداً بين المعسكرين. ما يوحّدهما الرغبة والإصرار على الأمن والعيش. توجد أقلية ناشطة جداً، لا يهمّها الأمن والاستقرار ولا ترى غير الإرهاب طريقاً ووسيلة للسيطرة على مصر.
هذه الأقلية خطيرة لأن شعب مصر تجاوز 87 مليون نسمة ويكاد يصل إلى 88 مليوناً كما تعلن اليافطة الكهربائية في المركز القومي للتخطيط. المشكلة أن أي واحد يترك شنطة ويذهب لتنفجر في الناس.
الأخطر أن الإرهابيين اكتسبوا الخبرة وهم يتطوّرون. لذلك محاربة الإرهاب طويلة وصعبة ومتشعّبة. المشكلة أنه يجب الضرب بقوة لكن يجب الحذر الشديد، لأن الخطأ يشكّل حافزاً لتوليد مجموعات أكثر إرهابية وتطوراً وتنوّعاً.
الرئيس عبدالفتاح السياسي، اكتسب شعبية واسعة اندفعت بسرعة. يصر المؤيّدون له، بأن السيسي لم يقم بانقلاب وأنه في 30 يونيو وقعت حركة مضادة لجشع الإخوان وعبّرت عن قلق تنامى بسرعة من تحوّل مصر إلى تابع لقوى خارجية بدلاً من أن تكون المحرّك في العالم العربي. الريّس يمكنه أن ينطلق بأسرع مما هو حالياً لو أتيح له تشكيل فريق عمل قوي ومتضامن. المشكلة التي يواجهها الريّس أنه كلما ظهرت كفاءة، قال الآخرون: ده فلول (أي من جماعة حسني مبارك) أو: ده إخوان، فيتم شطب هذا وذاك.
عن المشاكل التي يعوم بها أي يسبح فيها السيسي داخلياً وخارجياً، ويشعر بثقلها أي مصري وأي زائر متى جرى تعدادها.
داخلياً: البلد متوقّف عن الإنتاج منذ أكثر من ثلاث سنوات. السياحة ميّتة. حالياً بدأ يتنفس القطاع بعض الأوكسيجين. لم يبقَ لمصر طوال السنوات الثلاث من دخل سوى القناة. الباقي مدمّر. من البنى التحتية إلى التعليم الذي يبدو وضعه كارثيًّا. يجب إعادة بنائه من قلم الرصاص إلى المناهج الدراسية. الصورة سوداء خصوصاً وأن البعض يشدّد على أن عجلة الإنتاج متوقفة عملياً منذ 30 سنة أي كل الفترة المباركية ثم جاءت ثورة 25 يناير وثمَّ 30 يونيو لتزيد من حجم التضخم والبطالة. إذا استمرت عجلة التغيير تعمل كما انطلقت الآن مع السيسي، فإنه يلزم مصر أكثر من عشر سنوات لتستعيد حركتها، وتنهض.
رغم كل الصورة السوداوية لوضع مصر، فإن موجة من التفاؤل تسود القسم الأكبر من المصريين: تمويل القناة الجديدة، شكّل أول نجاح كبير للريّس. في أسبوع واحد تم جمع 60 مليار جنيه (سعر الدولار الرسمي 7,15 جنيه ولا توجد سوق سوداء)، هذا التمويل المصري مئة بالمئة، (يقال إن الجزء الأكبر جُمع من الشركات الكبيرة بالترهيب والترغيب معاً)، شكّل إشعاراً شعبياً بالثقة، لأن الوضع الاقتصادي لا يشجع على الاستثمار. الامتحان الثاني الذي نجح به السيسي في رفع الدعم عن البنزين والكهرباء الذي أدخل إلى الخزينة 35 مليار جنيه، حصل من دون انفجار شعبي كما كان يخاف منه الكثيرون. استوعب المصريون بسرعة متطلبات المرحلة، وعملوا على دعم الرّيس لأن الفساد غائب حتى الآن. لكن كل يوم يشكّل امتحاناً قاسياً لنظام ما بعد الثورتين. العيون مفتّحة والرقابة الشعبية قاسية.
خارجياً، مصر كلّها محاصرة بالمشكلات القديمة والطارئة. باختصار شديد: مصر محاصرة.
[ غزة، التي يشكّل الاقتراب منها ملامسة يومية للألغام المزروعة. بعضها قديم والبعض الآخر جديد. الإخوان المسلمون في قلب هذه القضية المعدّلة. على مصر الحفاظ على أمنها وعدم التسبّب بالأذى بالفلسطينيين والقضية الفلسطينية. والأمر ليس سهلاً. التداخل بين حماس والإخوان هو عقدة القطع والوصل في كل ذلك.
[ ليبيا حيث يوجد مليونا مصري. الأخطر، الخوف من تمدد المجموعات المتطرفة والإرهابية عبر الحدود. ليبيا خزان أسلحة من جميع الأنواع بلا أقفال. الإغراء بالتدخّل العسكري كبير جداً لكنه خطير جداً. حالياً تفاهمت مصر والجزائر على العمل في ليبيا وهما تنسّقان معاً لأن الجزائر تخاف من التطرّف أكثر من مصر، وهي لا تريد أن يزداد نفوذ مصر فيها على حسابها. يبدو أنه تم التوافق المصري الجزائري على حد أدنى. أجهزة الأمن تعمل على أساسه.
[ السودان. وهي حالة قديمة دائمة التجدّد. الانفصال الكبير بين الشمال والجنوب مرّ بسلام لكن ماذا لو تمدّد الانفصال والتقسيم إلى مناطق سودانية أخرى؟
[ أثيوبيا. تحوّلت إلى خطر دائم. سد النهضة الأثيوبي يشكل متى اكتمل بناؤه كما هو مرسوم حالياً (بدعم كامل من إسرائيل) إلى خطر قائم، لأنه يهدد جزءاً كبيراً من مصر بالتصحّر مع انخفاض نسبة المياه في النيل. إدارة السيسي تعمل بسرعة لتطويق هذا الخطر بالتفاهم مع أثيوبيا التي توصف حالياً بـالنمر الأفريقي الصاعد. الخطر قد يصل إلى الحرب، إذا لم تقتنع أثيوبيا بالتوصل إلى حل وسط يحفظ لمصر حقوقها بالماء.
[ تونس. يجب متابعتها عن قرب وكثب. التجربة الديموقراطية فيها صاعدة وسط تهديدات إرهابية. وجود ليبيا على حدودها يرفع منسوب الخطر.
[ العراق وسوريا وداعش أخطار مركزية تمسّ الأمن القومي الإستراتيجي. مشكلة مصر أنها ما زالت ضعيفة ودخولها على خط معالجة هذه الأخطار جاء متأخراً. أكثر ما يخيف مصر ويقلقها خطر التقسيم. تعتبر مصر أن مقص التقسيم موضوع على وريد الجميع. لذلك يجب محاربته مهما كان الثمن.
هذه هي خلاصة الموقف كما يراه الكثيرون من أصحاب الرأي في مصر، وهم اعترفوا بأن الوضع هش في مصر لكنه مفتوح على الأمل!.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.