البرنامج الفرنسي الرسمي، الغني والمكثف الذي خصص لزيارة الرئيس تمام سلام لباريس، يتجاوز بروتوكول الزيارة الرسمية العادية. اذ ان رئيس الوزراء سلام سيلتقي خلال ساعة، هي مدة الزيارة، أركان الدولة الفرنسية وفي مقدمتهم الرئيس فرانسوا هولاند. يشدد الفرنسيون ان هذا الاهتمام لا يعود الى العلاقة الخاصة التي تجمع فرنسا ولبنان فقط، وإنما ايضا لان الرئيس سلام يشكل اليوم ركيزة السلطة التنفيذية وتجسيدا للدعم غير المحدود للبنان واللبنانيين، الذين يثبتون يوميا شجاعتهم وصمودهم في مواجهة حزام النار الذي يواجهونه يوميا، منذ ثلاث سنوات بسبب الأزمة السورية التي أنتجت شبكات الاٍرهاب التي على رأسها داعش، ولولا تماسك اللبنانيين وتجاوزهم لكل الخلافات الداخلية وتعلقهم بلبنان لكان لبنان كرة من نار يتقاذفها المسلحون والمتطرفون. ولا شك ان تعلق اللبنانيين بجميع انتماءاتهم وطوائفهم بلبنان يثبت توجها وطنيا طالما كان مطلوباً.
طبعا الاحتضان الدولي والاقليمي للبنان وتشكيل مظلة تحميه مهم جدا في كل ذلك. من الواضح ان الصراعات والمنافسات الدولية وخصوصا الإقليمية منها لم تخترق حدوده ولم تصل الى الداخل رغم الانقسامات الحادة. ولا شك في ان الحكومة اللبنانية برئاسة سلام قد لعبت دورا مهما في كل ذلك، رغم انها تسير وتسير وسط حقول من الألغام. وتضيف الأوساط الفرنسية يجب الاعتراف ان سلام نجح في دوره الوسطي وعدم الانزلاق نحو اي موقف ينتج شرخا في الحكومة يوقع لبنان في الفراغ المؤسساتي بشكل كامل، ولذلك فانه يستحق هذا الاهتمام من جهة ولتشجيعه لمتابعة دوره هذا في هذه المرحلة الصعبة والخطرة.
لا يمكن الا ان يكون الفراغ الرئاسي في لبنان، في قلب لقاء الرئيس سلام مع الرئيس هولاند، لان فرنسا تنشط بقوة وبدعم كامل من الولايات المتحدة الاميركية، لإقفال هذا الملف والتعجيل بانتخاب رئيس للجمهورية. وترى أوساط فرنسية انه رغم كل الصعوبات والفيتوات الإقليمية والدولية والمترجمة لبنانيا المتبادلة، التي حالت حتى الآن دون انتخاب رئيس للجمهورية، فان جوا من التفاؤل يسود حاليا باريس، بإمكان القفز فوق كل العوائق وانتخاب رئيس للجمهورية لا يثير حساسية أي من الأطراف الفاعلة والمؤثرة داخليا وخارجيا. لذلك تكثف باريس جهودها ومساعيها لإنجاز هذا الاستحقاق بسرعة. ما يشجع باريس على ذلك انعقاد الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله، الذي سيبتعد عن نقاط الاختلاف غير القابلة للاتفاق مثل المشكلة السورية.
جهود فرنسا تكثفت بعد تلقيها إشارات إيرانية بأن طهران ترغب بتوجيه رسالة إيجابية عبر تسهيل انتخاب رئيس للجمهورية تؤكد فيها انها رغم عدم التوقيع على الاتفاق النووي فإنها تريد المشاركة في حل المشكلات خصوصا انه اصبح موقعها ودورها معترفا به. ولذلك كله يتوجه رئيس دائرة الشرق الأوسط الى المنطقة ليزور الرياض وطهران والفاتيكان ولبنان، علما ان السفير المكلف بالملف اللبناني فرانك جوليه زار موسكو ضمن حيثيات الدور الفرنسي.
هموم لبنان التي يحملها الرئيس سلام الى فرنسا كثيرة، ولا شك في ان ملف اللاجئين السوريين يبدو في المقدمة، اذ ان اعلان برنامج الغذاء الدولي عزمه عدم تقديم المساعدات والدعم بسبب فقدانه التمويل اللازم يزيد من حجم الضغوط على لبنان في وقت تتصاعد فيه المخاطر الأمنية. الى ذلك سيتابع رئيس الوزراء ملف السلاح الذي تموله هبة الثلاثة مليارات دولار السعودية. ويبدو ان الدفعة الاولى من السلاح الفرنسي سيتسلمها الجيش اللبناني في مطلع السنة المقبلة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.