بدأت مرحلة ما بعد 7 كانون الثاني في فرنسا والعالم، على مثال ما بعد 11 أيلول 2001 في نيويورك. التحدي الآن أكبر بكثير. الارهاب نما وينمو ويتطور، ويتجذر ويتوحش. لم يعد يوجد خط أحمر أمام العنف الأسود. جريمة مجلة شارلي ايبدو ألف جريمة في واحدة. إبادة الجسم الصحافي للمجلة التي يتهكم فيها من قتلوا (من الأفضل القول الذين استشهدوا) على أنفسهم كما يتهكمون على العالم في محاولة منهم لكسر كل المقدسات، تضع العالم كله أمام تحدٍّ غير مسبوق يتطلب إجراءات غير مسبوقة. لا يكفي ان يجتمع قادة الغرب والعالم لاحقاً، بمهاجمة دولة واحدة كما فعلوا في العراق، لأن حسن روحاني رئيس الوفد المفاوض حول الملف النووي في تلك الفترة أنقذ بلاده من جعلها هدفاً للرئيس جورج بوش ووزير دفاعه رامسفيلد. يجب وضع خطة طويلة الأمد لأن هذا الارهاب الأسود يتوالد بسرعة الصوت وأكثر.
القاعدة بدا وكأنه خسر المعركة سواء بسبب مقتل بن لادن، أو بسبب ظهور داعش الذي تقدم عليه بسرعة صاعقة واستولى على مساحة واسعة من سوريا والعراق بدلاً من أفغانستان التي أصبحت قفصاً أبوابه محددة وطرق الخروج منه معروفة. خطورة عملية باريس إذا صحت نسبها الى القاعدة، أنها بداية لتنافس غير معروف ومسبوق بشراسته وعنفه لوضع اليد على الإرهاب. كل من التنظيمين القاعدة وداعش سيسابق لإثبات قوته وانتشاره. هذا السباق سينتج عمليات قد تكون عملية شارلي ايبدو من العمليات التحضيرية لعدد آخر من العمليات السوداء والمخيفة. عندما لا يعود للإنسان قيمة، تسقط كل الحدود والممنوعات.
مَن المسؤول عن هذه الجريمة؟
بداية يوجد مجرم معروف أي القاعدة أوداعش، المجرم الذي نفّذ الجريمة بدم بارد سواء ضد الشرطي الجريح أو الجهاز التحريري للمجلة. المجرمان ليسا أكثر من خنجراخترق قلب فرنسا والعالم.
حجة الجريمة، الانتقام للرسول محمد حجّة ساقطة عليهما. هذا الانتقام هو عملية مبرمجة ومنظمة يمتزج فيها الكثير من الأهداف المتعارضة أحياناً. الأهم أن الأخوين المجرمين شريف وسعيد كواشي أساءا الى الإسلام والمسلمين أكثر بكثير مما يتصوران، وهما أيضاً وضعا الفرنسيين من عرب ومسلمين في خطر لا يستحقونه ولا يريدونه. لكن حان الوقت لأن تحدد الجاليات العربية والمسلمة في أوروبا وخصوصاً فرنسا ماذا تريد. من حقها أن تحافظ على دينها وتقاليدها لكن لا يحق لها استفزاز الأوروبيين وخصوصاً الفرنسيين يومياً.
القاعدة تكوّن بسبب ارتدادات ترك الشباب الاسلامي، الذي ترك قضيته المركزية فلسطين، لمحاربة الاتحاد السوفياتي والشيوعية في أفغانستان.
داعش قام ونما وتوحش بعد أن ولد من القهر اليومي للسوريين على يد نظام لا يهمه سوى السلطة والمحافظة عليها ملكاً له. سوريا اليوم تجمع من لا يجمع من الجنسيات للقتال فيها وعليها. لا يوجد فرق بالنسبة للسوري المذبوح والمظلوم والنازح بين الايراني واللبناني من حزب الله والعراقي من الميليشيات الشيعية والأفغان الشيعة من جهة، والاسلامي الذي يفجر نفسه لتقوم دولة الإسلام منها براء. الاحباط واليأس يولدان الذين يذبحون ويفجرون أنفسهم. إهمال العالم لهم أسقط المحرمات وجعل الداعشيين يجتاحون أقساماً كبيرة من سوريا والعراق. عندما يقول الأميركيون إنه يلزم ثلاث سنوات لتدريب عدة آلاف من السوريين المعتدلين، يعني ذلك أن الرئيس باراك أوباما سيورث الحرب في سوريا لخلفه، وأن معاناة السوريين ستتمدد ثلاث سنوات زائد سنوات اضافية من القتال الدامي والمدمر. ويسألون لماذا ينمو الارهاب ويزداد عنفاً ودموية وسواداً؟
الرئيس فرنسوا هولاند قال قبل 24 ساعة من الجريمة انه نادم لأنه لم يهاجم دمشق بعد استخدام الأسد للسلاح الكيماوي. باللغة الديبلوماسية الباردة هولاند يدين أوباما الذي حال دون الهجوم ومحاسبة الأسد. لذلك من الآن وبعد عملية 6 كانون الثاني في باريس وحتى اجتماع القادة الغربيين سيكون لدى هولاند الوقت لصياغة خطة تطوق تمدد داعش وإرهابه خصوصاً ان التحقيقات ستكشف ماذا جرى قبل الجريمة وكيف تم تحديد هدفها.
الفرنسيون قبل غيرهم يعرفون نظام الأسد، وكيف كان يستورد الإرهابيين ويصدّرهم الى العراق ومنهم شريف كواشي، ومن ثمَّ يسلّمهم في لوائح للأمن الفرنسي ليأخذ منهم ومن الادارة السياسية ثمن أتعابه سياسياً. شريف كواشي كان معروفاً من الأجهزة الأمنية كلياً، فلماذا ترك حراً ولم يوضع تحت المراقبة؟
أمام باريس الوقت الكافي لتحديد المسؤوليات والحساب. لا يكفي أن يقتل كواشي لينتهي الارهاب.
من الآن ما لم تتم، معالجة كل الأسباب التي ولّدت هذا الارهاب، خصوصاً في سوريا والعراق فإن داعش سيتوالد ويقوم دواعش أكثر خطراً وإجراماً. مصالحة الأسد بدعوى قدرته على المساعدة في ضرب داعش يعني الخضوع لابتزاز من مبتز خبير. ليست هذه دعوة الى الحرب، كما حصل في العراق. انها دعوة الى حل سريع تشارك فيه روسيا وإيران، حتى لا يبقى الأسد الى الأبد، ويتغذى الدواعش من إرهابه ومن مظالم السوريين والعراقيين الى الأبد.
[email protected]
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.