15 أيلول 2019 | 00:00

أخبار لبنان

المطران اسبيريدون خوري في ذمة الله

المطران اسبيريدون خوري في ذمة الله
المصدر: وطنية

غيّب الموت المطران أسبيريدون خوري، متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما للروم الارثوذكس ‏السابق عن عمر ناهز 93 سنة، أمضى 80 سنة منها في سلك الكهنوت، و 49 سنة في سدة ‏الابرشية قبل ان يتقدم من المجمع الانطاكي المقدس، في حزيران 2015، بطلب اعفائه من ‏رعاية ابرشيته بسبب الشيخوخة التي اقعدته عن القيام بمهامه‎.‎

‎ ‎وفي ما يلي السيرة الذاتية للمطران الراحل‎:"‎

‎"‎اسمه الاساسي سليمان. ولد بتاريخ 30 تشرين الاول عام 1926، في مدينة اوبرلنديا، التابعة ‏لولاية ميناس جيرايس، في البرازيل. حيث كان والده، توما يعقوب الخوري، قد سافر اليها ‏حوالي العام 1922 مع زوجته هيلانة عبد النور وسائر افراد العائلة، وترتيبه الخامس بين ‏شقيقيه كميل وخليل، وشقيقاته لوريس وليلى وجولي. عاشت العائلة في البرازيل حتى العام ‏‏1931، عندما آثر والده العودة الى بلدته بينو، بسبب الضائقة الاقتصادية التي عانت الكثير منها ‏تلك البلاد، والعالم باسره‎.‎

‎ ‎مع عودته الى بلدته الاصلية بينو، التحق سليمان بمدرستها الكائنة على تلة دير مار سركيس، ‏ليتمم دروسه الابتدائية. وكان يرافق، خلال الآحاد والاعياد والمراسم الدينية، جده لوالدته نقولا ‏الى كنيسة القديس ثاودوروس شفيع البلدة، حيث كان مرتلا فيها، ويساعد الكهنة، فكان سليمان ‏يعيش روح الايمان متأثرا بجده، لتظهر عليه علامات التقوى والميل الى اتباع سبل الرب يسوع، ‏وكلما كبر زادت فيه قناعته، الى ان دخل سلك الكهنوت. انتسب الى مدرسة البلمند الاكليركية ‏اواخر العام 1938، ليدرس اللاهوت، واسس الطقوس الدينية والخدمة الكنسية. وبقي فيها اقل ‏من سنة ونصف السنة، عندما اقفلت هذه المدرسة مطلع العام 1940 بسبب الحرب العالمية ‏الثانية. انتقل الى مدرسة "الآسيّة" الارثوذكسية في دمشق وبقي فيها تى نهاية 1941. ثم غادرها ‏متوجها الى دير القديسة تقلا في بلدة معلولا السورية حيث استقر حتى نهاية العام 1942، لينتقل ‏بعدها الى المدرسة الغسّانيّة الارثوذكسية في حمص، وينتظم طالباً في الابتداء في سلك الكهنوت‎.‎

مع انطلاقه في الدراسة اللاهوتية كطالب ابتداء، اتخذ لنفسه إسم إسبيريدون تيمناً بالقديس ‏العجائبي إسبيريدون. راح يجد في تحصيله العلمي، فنال الشهتدة المتوسطة في عام 1945، ‏وتابع تعليمه ليفوز العام 1947 بشهادة البكالورية السورية، التي تسمى "الموّحدة. ثم عهد اليه ‏بتدريس مادة الجغرافيا ورسم الخرائط في المدرسة الغسّانيّة الارثوذكسية للبنات‎.‎

في خريف العام 1948، ارسله البطريرك الكسندروس طحان، الى العاصمة الفرنسية باريس، ‏ليدرس اللاهوت والفلسفة في معهد القديس سرجيوس الروسي، مدة خمس سنين. نال بنهايتها ‏شهادة الاجازة في اللاهوت، ودرجة جيد على اطروحته التي كانت حول الكتاب المقدس بعنوان: ‏‏"المصادر اليهودية- المسيحية لكتابات لوقا الانجيلي في الاصحاحات الثلاثة الاولى من انجيله، ‏ومن اعمال الرسل‎".‎

خلال وجوده في باريس لم يكتف بدراساته اللاهوتية بل انتسب ايضاً الى المدرسة الوطنية للغات ‏الشرقية الحديثة، ودرس اللغة والادب الروسيين طوال ثلاث سنوات، واتقنهما وترجم بعض ‏المقالات اللاهوتية، ومنها كتابه "مائدة الرب". بعد انجازيه الدراسيين المذكورين، عرض عليه ‏عميد المعهد آنذاك المطران كاسيانوس وبالحاح ان يتابع تخصصه في "العهد الجديد"، فقبل ذلك ‏وباندفاع. لكن غبطة البطريرك طحان رفض طلبه "بحجة الحاجة اليه في الكرسي الانطاكي"، ‏وطلب منه العودة الى دمشق، فحزم امتعته وعاد مطيعاً اوامر رئيس كنيسته اواخر العام 1953‏‎.‎

في العام 1954، تسلم ادارة اكليركية البلمند الصغرى، وبقي فيها مدة سنة واحدة الى جانب ‏الارشمندريت قسطنطين بابا ستيفانو، الذي اصبح مطران بغداد والكويت وتوابعهما، ومعهما الاخ ‏جورج خضر، اي المطران جاورجيوس خضر، لتبدأ مع الاخير صلة ودّ طيبة. مع مطلع العام ‏‏1955، تولى ادارة الاكليركية بمفرده لمدة سنة اضافية، وقد سامه البطريرك طحان خلال ذلك ‏العام شماساً انجيلياً في دير سيدة صيدانيا. ثم عاد غبطة البطريرك وكلف الاسقف ملاتيوس ‏الصوتي في آذار 1956 بسيامته كاهناً في الكنيسة المريمية بدمشق ويقوم بخدمة رعية بلدة ‏مرمريتا في وادي النصارى. كان لمسيرته حتى ذاك التاريخ اثرها لدى المسؤولين الكنسيين ‏حائزاً ثقتهم وتقديرهم، فكان من نتيجة ذلك ترقيه السريع إذ انه بعد شهر واحد على سيامته ‏الكهنوتية رقيّ في نيسان 1956 الى رتبة ارشمندريت‎.‎

خدم الارشمندريت اسبيريدون رعية مرمريتا بتفان حوالي 9 اشهر، ولم يكتف بواجباته الدينية ‏بل تخطاها الى الخدمة الاجتماعية، فأسس جمعية نسائية اسماها "الجمعية الخيرية للسيدات" التي ‏بنت مدرسة للبلدة. لكن الغصة اصابت ابناء هذه البلدة عندما طلبت منه رئاسته الروحية بان ‏يغادرها ويتوجه الى مدينة سان باولو في البرازيل ليخدم كنيستها العامرة بالعديد من اللبنانيين ‏والعرب من الطائفة الارثوذكسية. فقبل ذلك التعيين عملاً بقانون الطاعة الكنسية، لكن عراقيل ‏كثيرة واجهته ما اضطره الى تأخير سفره، فعهد اليه بخدمة الرعايا، لاسيما في بيروت وجبل ‏لبنان ثم في بلدة صوفر، واسس "نادي صوفر الاجتماعي" التابع للكنيسة الارثوذكسية للشبان ‏والشابات لايمانه بالشباب وضرورة العمل معهم، واستمر يشجعهم لاسيما خلال فصل الصيف ‏ولسنتين متتاليتين‎.‎

لم ينس الارشمندريت إسبيريدون بلدته بينو- قبولا، فكان يزورها كل يوم جمعة، لاسيما بين ‏عاميّ 1955 و 1957، وكان يقوم خلال زيارته بمهام التعليم الديني، فساهم عمله ذاك في ‏حضور السكان الدائم الى الكنيسة، ما اسبغ على بلدته جواً من الحياة الروحية وصلت اصداؤها ‏الى مطران عكار وتوابعها آنذاك ابيفانوس زايد فوجه الى الارشمندريت اسبيريدون الشكر ‏والتقدير قائلاً "لن أنسى كل حسن صنيعك هذا ابداً‎".‎

اواخر العام 1958، إنتخب الارشمندريت اغناطيوس فرزلي مطراناً على أبرشية سان باولو ‏وتوابعها، وكان يتولى خدمة كنيسة سيدة النياح في الاسكندرية، فكلّف البطريرك طحان ‏الارشمندريت إسبيريدون رعاية "كنيسة العرب أو الشوام" حسب التعبير المصري، فانتقل اليها ‏في كانون الاول وبقي يخدم هذه الكنيسة ورعيتها مدة 5 سنوات‎.‎

في مطلع العام 1964 أستدعاه البطريرك ثيودوسيوس أبو رجيلي، وكلفه التعليم في اكليركية ‏البلمند مجدداً، يوم كان الاسقف إغناطيوس هزيم رئيساً لها. راح يزاول مهامه بكل اندفاع وتقوى ‏فلفت نظر مطران طرابلس والكورة وتوابعهما الياس قربان فآثر الاستعانة به في ابرشيته، ‏وطلب منه ان يكون وكيلاً عاماً، فاستلم شؤون تلك الابرشية من آذار 1964 حتى تشرين الاول ‏‏1966‏‎.‎

في 17 أيلول عام 1966، شغرت كرسي أبرشية زحلة وبعلبك وتوابعهما بوفاة المثلث الرحمات ‏المطران نيفن سابا. فانتخب المجمع الانطاكي المقدس، الذي التأم في دير مار الياس شويّا، ‏بالاجماع الارشمندريت إسبيريدون خوري مطرانا عليها، وتمت سيامته في 9 تشرين الاول من ‏العام 1966‏‎.‎

قبل احتفال السيامة وجّه إليه المطران جاورجيوس خضر، الذي كان لا يزال في حينها ‏ارشمندريت، كلمة الى المطران المنتخب الذي تجمعه به زمالة عريقة، عنوانها "إلى راعٍ" يدعوه ‏فيها الى الاستمرار على ما هو عليه من "اللطف والعفّة والتواضع ... والفقر، ... متعطشاً الى ‏الرحمة. حافياً عارياً كأنك إزاء عتبة السماء"، وبهذه الخصال عرفه الزحليون طيلة توليه سدة ‏الابرشية، متواضعاً، متخلياً عن مظاهر الترف، يقابلهم دوماً بوجهه البشوش، يتصبحون به يومياً ‏خلال رياضة المشي التي دأب على ممارستها في شوارع زحلة، حتى اقعده المرض‎.‎

ويسجل للمطران الراحل إنجازات عديدة منها: إنجاز المبنى الجديد للمطرانية بجوار كاتدرائية ‏القديس نيقولاوس ضمّ الى جانب اقسام المنامة والاستقبال والمنافع، قاعة محاضرات، قاعة ‏لقاءات واجتماعات، مكتبة عامة، مركزا لمكتب النشاطات الروحية ومركزا لجمعية حاملات ‏الطيب النسائية الخيرية. إطلاقه نهضة روحية فاعلة بين الشباب وتنشئتهم على التعمق في فكر ‏الكنيسة الارثوذكسية وعيش روحانيتها المشرقية، وقد عرفت هذه النهضة باسم "مكتب النشاطات ‏الروحية". انشاء مركز مار نقولا الاجتماعي للاطفال الفقراء، واستقدم الى المركز عددا من ‏المعلمين والمعلمات للاضطلاع بمهمة تعليم هؤلاء المحتاجين من ابناء رعيته‎.‎

تعريب كتاب "مائدة الرب" لمؤلفه المتقدم في الكهنة نيقولاي أثثناسييف، اطلاق مشاريع عمرانية ‏على مساحة الابرشية من استحداث صالات للرعايا، وترميم كنائس، استحداث رعايا جديدة ‏وبناء كنائس جديدة. كما كانت له مقالات في نشرة "كنيستي‎".‎

كان المتروبوليت إسبيريدون عضواً فاعلاً في مجلس أساقفة زحلة والبقاع، الذي تأسس العام ‏‏1977، والذي يعكس خصوصية زحلة لجهة تداخل طوائفها وتشاركها الاحتفالات الدينية في ‏كنائس بعضها البعض، وتنظيم العادات والممارسات الاجتماعية للمعتقدات الدينية. وخلال ‏سنوات الحرب اضطلع الى جانب اساقفة المدينة بمهمات إنقاذ المدينة وبث الطمأنينة في نفوس ‏اهاليها، وتأمين حاجياتهم واعادة بناء ما تهدم جراء القصف، سواء خلال حوادث العامين 1975 ‏و 1976 من خلال "اللجنة الزحلية العليا" او من خلال مجلس الاساقفة في خلال حصار زحلة ‏العام 1981 حين قطع رحلة الى اميركا الشمالية بغرض جمع التبرعات لترميم المطرانية وعاد ‏‏"الى المدينة المحاصرة بالحديد والنار في يوم الشعانين في 19 نيسان"، ثم في شباط 1984 ‏وارساء "الحلّ الزحلي‎".‎

 


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

15 أيلول 2019 00:00