في خطوةٍ قضائية لافتة، أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان القرار الاتهامي في ملف التلازم بين قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وقضايا محاولة اغتيال مروان حماده والياس المرّ واغتيال جورج حاوي.
واتهم قرار المحكمة سليم جميل عياش الملاحق في جريمة اغتيال الحريري بهذه القضايا.
فقد رفع قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الخاصة بلبنان ("المحكمة") دانيال فرانسين اليوم السرية عن قرار صدّق فيه قرار اتهام بحق عياش فيما يتعلق بالاعتداءات التي استهدفت حماده، حاوي، والمر في 1 تشرين الأول 2004 و21 حزيران 2005 و12 تموز 2005 على التوالي. وبتصديق قرار الاتهام هذا، تُفتتح قضية جديدة أمام المحكمة.
وتُسنَد المحكمة في القرار تهم إلى عياش على الشكل التالي:
مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي، واستطرادًا من تهمة المؤامرة بهدف ارتكاب عمل إرهابي، تهمة جمعية الأشرار، وارتكاب أعمال إرهابية، وقتل السادة غازي أبو كروم وجورج حاوي وخالد مورا عمدًا، ومحاولة قتل السيّدين الياس المر، ومروان حماده، وسبعة عشر شخصًا آخر عمدًا.
وقد أصدر قاضي الإجراءات التمهيدية مذكرة توقيف موجهة إلى السلطات اللبنانية لتنفيذها ومذكرة توقيف دولية بحق السيد سليم جميل عياش.
وطلب القاضي فرانسين اليوم رفع السرية عن القرار الذي صدّق فيه قرار الاتهام، وعن قرار الاتهام نفسه، ومذكرتي التوقيف الصادرتين بحق السيد سليم جميل عياش، إضافة إلى قراره المتعلق بطلب المدعي العام المتعلق بتلازم القضايا. وتلك المستندات متاحة الآن على الموقع الإلكتروني للمحكمة.
ويعني تصديق قرار الاتهام أن قاضي الإجراءات التمهيدية توصّل إلى اقتناع، استنادًا إلى المواد المؤيدة، بأن المدعي العام قدّم ما يكفي من الأدلة الأولية لملاحقة السيد سليم جميل عياش وبأن ثمة أسبابًا تدعو للشروع في إجراءات المحاكمة. وهذا ليس حكمًا بالإدانة، فالسيد عياش يُعتبر بريئًا إلى أن تثبت إدانته بدون أي شك معقول خلال المحاكمة.
وقد أحيل قرار الاتهام ومذكرة التوقيف إلى السلطات اللبنانية التي يقع على عاتقها واجب البحث عن المتهم وتوقيفه ونقله إلى عهدة المحكمة.
قرارات اتهام أمام المحكمة الخاصة بلبنان
مرحلة ما قبل تقديم قرار الاتهام: التحقيق
بالنسبة إلى الجرائم التي تدخل ضمن اختصاص المحكمة، يكون المدعي العام مسؤولاً عن إجراء التحقيقات اللازمة قبل تقديم قرار الاتهام.
وكقاعدة عامة، يُجرى التحقيق بصورة سرية. وليكون أساس الإثبات الذي يرتكز عليه قرار الاتهام والمحاكمة متينًا وجديرًا بالثقة، يقوم المدعي العام بجمع الأدلة، ويجري تحقيقات ميدانية ومقابلات مع الشهود، ويستدعي المشتبه بهم ويستجوبهم، كما يتخذ التدابير الضرورية لضمان سلامة الشهود المحتملين.
ويعاون المدعي العام محققون وخبراء في مجال الأدلة الجنائية ومحللون ومحامون من ذوي الخبرة في بيئات التحقيق الصعبة. والتحقيق في الاعتداءات الإرهابية عملية معقدة تستغرق الكثير من الوقت بسبب كم المعلومات التي ينبغي جمعها وتحليلها وتنوعها. ويستلزم هذا النوع من التحقيقات اتِّباع نهج متعدد التخصصات يجمع ما بين التحقيقات التقنية، وعلم الأدلة الجنائية، ووسائل التحقيق التي تُستخدم في غالب الأحيان، ومنها المقابلات التي تُجرى مع الشهود المحتملين.
ويستعين المحققون بمختبرات في أنحاء العالم كافة لإجراء مجموعة من الفحوص الجنائية المستقلة. ويتعاون خبراء قسم التحقيقات التابع لمكتب المدعي العام تعاونًا وثيقًا مع المحامين العاملين في قسم الادعاء لضمان جمع كل الأدلة المتوافرة ذات الصلة بالقضية كي تنظر فيها المحكمة.
وتُنفَّذ أنشطة التحقيق وفقًا لأعلى المعايير المهنية الدولية.
ويمثِّل تعاون السلطات اللبنانية والدول الأخرى عاملاً مهمًا في التحقيقات. ويجوز للمدعي العام أن يطلب من إحدى الدول ضبط أدلة أو توقيف مشتبه به أو منع فراره.
ويمكن للمدعي العام أن يجتمع بقاضي الإجراءات التمهيدية في مرحلة التحقيقات لمساعدة قاضي الإجراءات التمهيدية على ضمان التحضير الفعال والسريع للقضية.
ويجوز للمدعي العام أيضًا أن يطلب من قاضي الإجراءات التمهيدية إصدار مذكرات تفتيش، وضبط أدلة، واستدعاء مشتبه بهم، وإصدار تصاريح مرور، عند الاقتضاء.
كم من الوقت يستغرق التحقيق السابق لتقديم قرار الاتهام؟
التحقيقات في الاعتداءات الإرهابية المماثلة لتلك الداخلة ضمن اختصاص المحكمة هي تحقيقات معقدة تقترن بكم هائل من المعلومات ويمكن أن تستغرق عدة سنوات. فيجب على المحققين جمع الأدلة وتحليلها وإجراء مقابلات مع الشهود المحتملين لتحديد ما حصل ومعرفة هوية الفاعلين المزعومين. ولا يوجد إطار زمني محدد لاستكمال أي تحقيق من التحقيقات.
مرحلة تقديم قرار الاتهام
ما هو قرار الاتهام؟
قرار الاتهام مستند رسمي تُحدد فيه التهم الموجهة إلى شخص يزعم المدعي العام أنه مسؤول عن ارتكاب الجريمة. ويتضمن قرار الاتهام معلومات مثل اسم المتهم وتفاصيل متعلقة به، وشرحًا لوقائع القضية، وسردًا للجرائم التي يُزعم أن المتهم ارتكبها، ومرفقًا يحتوي على أسماء المتضررين والضحايا. وتجدر الإشارة إلى أن التحقيق وإصدار قرار الاتهام يمثِّلان معًا المرحلة الأولى من المراحل الخمس لأي قضية أمام المحكمة الخاصة بلبنان. وبعد مرحلة التحقيق وإصدار قرار الاتهام، تأتي المرحلة التمهيدية، ومرحلة المحاكمة، ومرحلة الاستئناف، ومرحلة تنفيذ العقوبة حين ينطبق ذلك.
ما هي أنواع الجرائم التي يمكن أن يصدر قرار اتهام بشأنها في المحكمة الخاصة بلبنان؟
يمكن إصدار قرار اتهام بشأن أي جريمة من الجرائم الداخلة ضمن اختصاص المحكمة. والمحكمة مختصة بالنظر في اعتداءات وقعت في لبنان خلال فترة زمنية محدَّدة. ويرد في المادة 1 من النظام الأساسي أن للمحكمة اختصاصًا على الأشخاص المسؤولين عن اعتداء 14 شباط/فبراير 2005 الذي أودى بحياة 22 شخصًا، منهم رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، وأدى إلى إصابة أكثر من 220 شخصًا آخر بجروح. وللمحكمة اختصاص أيضًا على الأشخاص المسؤولين عن اعتداءات أخرى وقعت في لبنان بين 1 تشرين الأول/أكتوبر 2004 و12 كانون الأول/ديسمبر 2005 (أو في أي تاريخ لاحق تتفق عليه الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة ويوافق عليه مجلس الأمن)، إذا تبيَّن أن هذه الاعتداءات مرتبطة باعتداء 14 شباط/فبراير 2005.
وبعبارة أدق، المحكمة الخاصة بلبنان مختصة بالنظر في بعض الجرائم المحدَّدة في المادة 2 من نظامها الأساسي، ومنها مثلاً الجرائم والجنح التي تُرتكب ضد حياة الأشخاص وسلامتهم الشخصية، والأعمال الإرهابية والتآمر.
وتشمل أشكال المسؤولية الممكنة ارتكاب جريمة أو المشاركة فيها أو التدخل فيها أو تنظيمها أو توجيه الآخرين لارتكابها ومسؤولية الرئيس عن أفعال المرؤوسين [المادتان 2 و3]. وبالنسبة إلى الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة الضمني (مثل التحقير أو عرقلة سير العدالة أو الإدلاء بشهادة زور)، يجوز للقاضي الناظر في قضايا التحقير، الذي يعيِّنه رئيس المحكمة استنادًا إلى قائمة معدَّة مسبقًا تتضمن أسماء القضاة، أن يدعو المدعي العام إلى إجراء التحقيق اللازم والشروع في الإجراءات، أو أن يعيِّن صديقًا للمحكمة لهذا الغرض.
من الذي يمكن أن يصدر قرار اتهام بحقه؟
فيما يخص الجرائم الأساسية الداخلة في اختصاص المحكمة والمحدَّدة في المادتين 1 و2 من نظامها الأساسي، لا يجوز للمحكمة أن تحاكم إلا الأفراد (أي الأشخاص الطبيعيين)، مثلما هو الحال في غيرها من المحاكم والهيئات القضائية الجنائية الدولية والمختلطة. ولا تنظر المحكمة إلا في المسؤولية الجنائية الفردية عن تلك الجرائم، ولذلك لا يمكنها أن تحاكم جماعات أو منظمات أو دولاً أو كيانات أخرى [المادة 3 من النظام الأساسي].
ولكن بالنسبة إلى جرمَي التحقير وعرقلة سير العدالة اللذين يندرجان في اختصاص المحكمة الضمني، أعلنت هيئة الاستئناف أنه يمكن تقديم قرار اتهام بشأن أشخاص معنويين ومحاكمتهم وإصدار حكم بحقهم. ويجوز تحديد أكثر من جريمة واحدة وذكر اسم أكثر من شخص واحد في قرار الاتهام.
متى يقدِّم المدعي العام قرار الاتهام؟
عقب الانتهاء من التحقيق، يقدِّم المدعي العام قرار الاتهام إلى قاضي الإجراءات التمهيدية لتصديقه. ولا يقدِّم المدعي العام قرار الاتهام إلا عندما يقتنع بوجود أدلة كافية على ارتكاب الشخص المعني جريمة مشمولة باختصاص المحكمة. ويُقدَّم قرار الاتهام مرفقًا بمواد مؤيِّدة تُجمع في أثناء التحقيق [المادة 68 من القواعد].
ماذا يحصل بعد إيداع قرار الاتهام؟
بعد إيداع المدعي العام قرار الاتهام، ينظر قاضي الإجراءات التمهيدية في القرار [المادة 18 من النظام الأساسي، والمادة 68 من القواعد] ويفصل في وجود أو عدم وجود أدلة كافية بصورة أولية ضد المشتبه به أو المشتبه بهم [المادة 68 من القواعد]. وقد تستغرق هذه العملية أشهرًا عديدة.
وعبارة "Prima facie" هي عبارة باللغة اللاتينية تعني "في الظاهر" أو "لأول وهلة". وعمليًا، يُقال إنه تتوافر أدلة كافية بصورة أولية إذا ثبت وجود "قضية معقولة يمكن أن تشكل، في حال عدم المنازعة بشأنها، أساسًا كافيًا لإدانة المشتبه به بالتهمة أو التهم المحددة في قرار الاتهام".
كم من الوقت يحتاج قاضي الإجراءات التمهيدية للنظر في قرار الاتهام؟
لا تحدِّد قواعد الإجراءات والإثبات مهلة زمنية معيَّنة لينظر قاضي الإجراءات التمهيدية في قرار الاتهام ويفصل فيه. وعلى قاضي الإجراءات التمهيدية أن يعلِم المدعي العام بالتاريخ المحدد للنظر في قرار الاتهام [المادة 68 من القواعد].
ويتفاوت الوقت اللازم للنظر في قرار الاتهام حسب الخطوات التالية التي يمكن اتخاذها في الفترة الفاصلة بين تاريخ إيداع قرار الاتهام وتاريخ تصديقه:
• يجوز للمدعي العام تعديل قرار الاتهام أو سحبه [المادتان 71 و72 من القواعد]؛
• يجوز لقاضي الإجراءات التمهيدية أن يطلب من المدعي العام تقديم مواد إضافية لتأييد تهمة محددة أو التهم كلها، أو أن يأذن للمدعي العام بذلك [المادة 68 من القواعد]؛
• يجوز لقاضي الإجراءات التمهيدية أن يصدِّق تهمة واحدة أو أكثر أو أن يردّها. وتبعًا لذلك، يُعدّ المدعي العام قرار اتهام معدلاً أو جديدًا ويودعه [المادة 68 من القواعد]؛
• يجوز لقاضي الإجراءات التمهيدية أن يحيل إلى غرفة الاستئناف مسائل أولية [المادة 68 من القواعد] تتعلق بتفسير الاتفاق بين الأمم المتحدة ولبنان، والنظام الأساسي وقواعد الإجراءات والإثبات فيما يخص القانون الواجب التطبيق [المادة 68 من القواعد]. وتفصل غرفة الاستئناف في هذه المسائل بعد جلسة علنية. ويقدِّم المدعي العام ورئيس مكتب الدفاع في تلك الجلسة حججهما بشأن المسائل المحالة إلى غرفة الاستئناف [المادة 176 مكرر من القواعد]. وتقتصر المسائل التي يمكن لقاضي الإجراءات التمهيدية طرحها عملاً بالمادة 68 من القواعد على مسائل قانونية مجردة لا تتعلق بالوقائع. ولذلك، فإن محتوى قرار الاتهام، بما فيه هوية المشتبه به أو المشتبه بهم، والمزاعم المتعلقة بالوقائع، والتهم المحدَّدة وأي مواد ثبوتية تبقى سرية طوال هذه العملية ولا يُكشف عنها لغرفة الاستئناف ولا لرئيس مكتب الدفاع.
وإذا اقتنع قاضي الإجراءات التمهيدية بوجود أدلة كافية بصورة أولية ضد المشتبه به، وجب عليه تصديق قرار الاتهام. وفي حال عدم اقتناعه بوجود أدلة كافية بصورة أولية، يجب عليه ردّ قرار الاتهام. وعلى قاضي الإجراءات التمهيدية أن يعلّل قراره.
ماذا يعني "تصديق" قرار الاتهام؟
عندما يُقال إن قرار الاتهام "مصدَّق"، هذا يعني أن قاضي الإجراءات التمهيدية استنتج أن المواد المؤيِّدة التي قدَّمها المدعي العام تثبت وجود قضية معقولة يمكن أن تكون أساسًا كافيًا للقول بأن المشتبه به أو المشتبه بهم مسؤولون عن ارتكاب الجريمة.
وبعد تصديق قرار الاتهام، يكون قاضي الإجراءات التمهيدية مسؤولاً عن التحضير للمحاكمة. فينسّق التواصل بين الادعاء والدفاع ويتخذ كل التدابير اللازمة للتحضير لمحاكمة عادلة وسريعة. ويتحقق قاضي الإجراءات التمهيدية من أن الإجراءات التمهيدية تُقام من دون أي تأخير وتتسم بالعدالة. وفي ظروف استثنائية، يتولى قاضي الإجراءات التمهيدية جمع الأدلة التي يتعذر على مقدمي الطلب جمعها، شرط أن تقضي مصلحة العدالة بذلك [المادة 92 من القواعد].
وتكون الإجراءات التمهيدية علنية مع بعض الاستثناءات (ومنها إصدار مذكرات توقيف ومذكرات تفتيش ودعوات حضور) [المادة 96 من القواعد].
وبعد استكمال المرحلة التمهيدية، يجب على قاضي الإجراءات التمهيدية أن يقدِّم إلى غرفة الدرجة الأولى ملفًا يتضمن تقريرًا مفصلاً وكل المستندات الأخرى ذات الصلة بالقضية (مثل الأدلة، والمحاضر، وجميع المستندات التي أودعها الفريقان والمتضررون المشاركون في الإجراءات، وكل القرارات التي اتَّخذَها، والاقتراحات المتعلقة بالشهود الذين يستدعيهم المدعي العام والشهود الذين يريد المتضررون المشاركون في الإجراءات أن يدلوا بشهادتهم، ونقاط الاتفاق ونقاط الخلاف بين الادعاء والدفاع). [المادة 95 من القواعد]. وتصبح غرفة الدرجة الأولى عند تسلُّمها هذا الملف الجهة الناظرة رسميًا في القضية ويمكن عندئذ الشروع في إجراءات المحاكمة [المادة 95 من القواعد].
ماذا يحصل إذا تم ردّ قرار الاتهام (أو جزء منه)؟
إذا ردّ قاضي الإجراءات التمهيدية تهمة أو أكثر في قرار الاتهام، جاز للمدعي العام إيداع قرار اتهام جديد أو معدل مرفقًا بمواد مؤيِّدة جديدة أو إضافية من أجل تصديقه [المادة 68 من القواعد].
ولا يُعلن قرار الاتهام إذا ردّه قاضي الإجراءات التمهيدية.
هل يصبح قرار الاتهام علنيًا حين يُصدَّق؟
ينظر قاضي الإجراءات التمهيدية في قرار الاتهام بصورة سرية. وينبغي ألا تُعلن هوية المتهم إلا بعد تصديق قرار الاتهام [المادة 73 من القواعد]. ولذلك، لا يكون قرار الاتهام علنيًا وقت إيداعه لغرض تصديقه.
وفي العادة، يُعلن قرار الاتهام عندما يصدِّقه قاضي الإجراءات التمهيدية [المادة 73 من القواعد]. ولكن في ظروف استثنائية، يجوز لقاضي الإجراءات التمهيدية، وفقًا لما تقتضيه مصلحة العدالة، أن يطلب عدم إعلان قرار الاتهام للعموم إلى أن يتَّخِذ قرارًا بإعلانه [المادة 74 من القواعد]. والممارسة المتَّبعة في بعض القضايا أمام محاكم دولية أخرى هي إبقاء قرار الاتهام مختومًا ليتسنى للمحكمة تبليغ قرار الاتهام ومذكرة توقيف إلى المتهم. فذلك يضمن إعلام المتهم بالتهم الموجهة إليه قبل إعلام الجمهور العام بها، ويحد من احتمال فرار المتهم.
وعند تصديق قرار الاتهام، يكون للمتهمين المذكورين بالاسم في قرار الاتهام الحق في الحصول على وسائل حماية مختلفة. ويجوز لقاضي الإجراءات التمهيدية أن يصدر دعوة حضور للمتهم أو مذكرة توقيف بحقه [المادة 68 من القواعد]. وينبغي أن تتعاون المحكمة والسلطات الوطنية لمحاولة إعلام المتهم بالتهم الموجهة إليه (وللسلطات اللبنانية التزام بالتعاون مع المحكمة).
ويمكن إصدار مذكرة توقيف بالتزامن مع تصديق قرار الاتهام. ويُعد إبقاء قرار الاتهام مختومًا في بادئ الأمر عاملاً يعزز حظوظ تنفيذ مذكرة التوقيف. وقرار الاتهام المختوم هو قرار اتهام غير معلن للعموم.
وتبدأ الإجراءات التمهيدية بعد المثول الأول للمتهم وإجابته عن التهم، أو بعد صدور قرار بمحاكمة المتهم غيابيًا. وفي هذه المرحلة، يكون قاضي الإجراءات التمهيدية مسؤولاً عن التحضير للمحاكمة. ويواصل الادعاء ما استهله من تحقيقات ويبدأ الدفاع بتحقيقاته. ويفصل قاضي الإجراءات التمهيدية أيضًا في أي طلبات يقدِّمها المتضررون للمشاركة في إجراءات المحكمة.
هل يمكن تعديل قرار الاتهام؟
يمكن للمدعي العام أن يعدِّل قرار الاتهام في أي وقت قبل تصديقه، وذلك بدون إذن من قاضي الإجراءات التمهيدية. فيمكنه مثلاً أن يدرج في قرار الاتهام أسماء مشتبه بهم إضافيين أو تهمًا إضافية [المادة 71 من القواعد].
وبعد تصديق قرار الاتهام، لا يجوز للمدعي العام تعديله إلا بإذن من قاضي الإجراءات التمهيدية، وذلك شرط ألا تكون القضية قد أُحيلت إلى غرفة الدرجة الأولى [المادة 71 من القواعد].
وبعد إحالة القضية إلى غرفة الدرجة الأولى، تستمع غرفة الدرجة الأولى إلى المدعي العام والدفاع قبل أن تقرر السماح أو عدم السماح للمدعي العام بتعديل قرار الاتهام [المادة 71 من القواعد].
ما هي الفترة الفاصلة بين تصديق قرار الاتهام والشروع في المحاكمة؟
لا تنص قواعد الإجراءات والإثبات على موعد محدَّد للشروع في المحاكمة.
ومن مسؤوليات قاضي الإجراءات التمهيدية أن يضمن عدم حصول تأخير غير مبرر في الإجراءات خلال المرحلة التمهيدية [المادة 89 من القواعد]. ووفقًا للمادة 90 من القواعد، يمكن تقديم عدد من الدفوع الأولية بعد التصديق وقبل المحاكمة، مما قد يؤثر على موعد بدء المحاكمة. وقد يتمحور هذا النوع من الدفوع حول عدم اختصاص المحكمة، أو زعم وجود عيوب شكلية في قرار الاتهام، أو طلب الفصل بين التهم أو إجراء محاكمات منفصلة، أو الاعتراض على رفض طلب تعيين محام عملاً بالمادة 59 من القواعد.
وإذا صدَّق قاضي الإجراءات التمهيدية قرار الاتهام، جاز له أن يمنح صفة المتضررين المشاركين في الإجراءات للأشخاص الذين يدعون بأنهم متضررون من جريمة تدخل في اختصاص المحكمة [المادة 86 من القواعد]. وإذا مُنح هؤلاء الأشخاص صفة المتضررين المشاركين، جاز لهم تلقّي مستندات متعلقة بالقضية، أو استدعاء شهود، أو تقديم طلبات، وذلك تحت إشراف غرفة الدرجة الأولى [المادة 87 من القواعد].
ويحدد قاضي الإجراءات التمهيدية، بالتشاور مع الفريقين ورئيس قلم المحكمة والقاضي الذي يترأس غرفة الدرجة الأولى، ومع رئيس المحكمة عند الاقتضاء، موعدًا مؤقتًا لبدء المحاكمة، على أن يحصل ذلك قبل موعد بدء المحاكمة بأربعة أشهر على الأقل [المادة 91 من القواعد].
والفترة الفاصلة بين تصديق قرار الاتهام وبدء المحاكمة مهمة بصورة خاصة للدفاع لأن من حق الدفاع أن يحصل على ما يكفي من الوقت والموارد للتحضير للمحاكمة، واستهلال تحقيقاته، والاستعداد للطعن في الأدلة المقدَّمة في قضية الادعاء. وللمتهمين أيضًا الحق في أن يُحاكموا بدون تأخير غير مبرر.
مرحلة ما بعد تصديق قرار الاتهام
كيف يُبلَّغ المتهم التهم الموجهة إليه؟
يجب أن يُبلَّغ المتهم التهم الموجهة إليه تبليغًا رسميًا.
ولتحقيق ذلك، يُعدّ رئيس قلم المحكمة بلغة يفهمها المتهم نسخًا مصدقة من قرار الاتهام الذي يبيِّن تفاصيل التهم. ويوضَع ختم المحكمة على كل نسخة مصدقة من قرار الاتهام لتأكيد صحتها.
وتُسلَّم نسخة مصدقة من قرار الاتهام بصورة رسمية إلى سلطات الدولة التي يقيم المتهم في أراضيها (أو التي كانت آخر مكان معروف أقام فيه المتهم). وعلى السلطات الوطنية في لبنان (أو في أي دولة أخرى وافقت على التعاون مع المحكمة) أن تحاول تبليغ المتهم شخصيًا قرار الاتهام ودعوة الحضور أو مذكرة التوقيف، ومعلومات عن حقوق المتهم [المادتان 76 و79 من القواعد].
كيف يتم إحضار المتهم أمام المحكمة؟
يجوز لقاضي الإجراءات التمهيدية، بناءً على طلب المدعي العام، أن يصدر دعوة حضور للمتهم أو مذكرة توقيف بحقه لسبب واحد أو أكثر من الأسباب التالية:
• ضمان مثول الشخص المعني أمام المحكمة؛
• ضمان عدم قيام هذا الشخص بعرقلة التحقيقات أو الإجراءات القائمة أمام المحكمة أو تعريضها للخطر (عن طريق تعريض أي متضرر أو شاهد للخطر أو التهديد، على سبيل المثال)؛
• أو الحؤول دون إقدامه على تصرف إجرامي آخر. [المادة 79 من القواعد]
ماذا يحصل بعد إحضار المتهم أمام المحكمة؟
بعد تبلُّغ المتهم قرار الاتهام شخصيًا، يجب عليه المثول أمام المحكمة مثولاً أوليًا والإقرار بمسؤوليته أو نفيها.
ويمثِّل ذلك بداية المرحلة التمهيدية من الإجراءات. وفي هذه المرحلة، يقدِّم المدعي العام مواد إلى الدفاع ليتمكن المتهم من إعداد دفاعه. ولكن هذه المواد لا تصبح أدلةً إلا بعد أن يقدِّمها الادعاء وأن تقبلها غرفة الدرجة الأولى في مرحلة المحاكمة.
وقبل بدء المحاكمة، يمكن للدفاع إيداع عدد من الدفوع الأولية، منها دفوع تتمحور حول عدم اختصاص المحكمة أو زعم وجود عيوب شكلية في قرار الاتهام [المادة 90 من القواعد].
ماذا يحصل إذا تعذَّر العثور على المتهم؟
إذا تعذَّر العثور على المتهم، جاز لغرفة الدرجة الأولى اتخاذ قرار بمحاكمته غيابيًا.
وبعد أن تُجرى "محاولات معقولة" لتحديد مكان وجود المتهم وتبليغه قرار الاتهام، يمكن لرئيس المحكمة، بعد التشاور مع قاضي الإجراءات التمهيدية، أن يقرر إعلان قرار الاتهام جزئيًا أو كليًا في محاولة لإعلام المتهم بضرورة المثول أمام المحكمة [المادة 76 من القواعد]. ويدعو الإعلان كل شخص لديه معلومات عن مكان وجود المتهم إلى تقديم تلك المعلومات إلى المحكمة [المادة 76 مكرر من القواعد].
وإذا لم يكن المتهم خاضعًا لسلطة المحكمة في غضون 30 يومًا تقويميًا اعتبارًا من تاريخ الإعلان المذكور، يطلب قاضي الإجراءات التمهيدية من غرفة الدرجة الأولى الشروع في إجراءات المحاكمة الغيابية، أي المحاكمة التي تُجرى في غياب المتهم.
وقبل بدء إجراءات المحاكمة الغيابية، تتشاور غرفة الدرجة الأولى مع رئيس المحكمة وتتأكد من تحقُّق شروط إجراء محاكمة غيابية، وهي شروط منصوص عليها في النظام الأساسي للمحكمة [المادة 22 من النظام الأساسي، والمادة 106 من القواعد].
وفي الحالات التي يتعذر فيها العثور على متهم يُزعم أنه في لبنان، يكون للسلطات اللبنانية التزام مستمر بالبحث عن المتهم وتوقيفه ونقله إلى عهدة المحكمة [المادة 15 من الاتفاق المبرم بين الأمم المتحدة ولبنان والمرفق بالقرار 1757 الصادر عن مجلس الأمن في الأمم المتحدة]. ويقدِّم النائب العام لدى محكمة التمييز في لبنان إلى رئيس المحكمة تقارير شهرية عن الجهود المبذولة للبحث عن المتهم وتوقيفه ونقله إلى عهدة المحكمة.
وإذا أُجريت محاكمة غيابية ثم حُدِّد مكان وجود المتهم في أثناء المحاكمة أو بعد صدور حكم إدانة بحقه، جاز للمتهم أن يطلب إجراء محاكمة جديدة [المادة 22 من النظام الأساسي، والمادة 109 من القواعد]. وثمة خيارات أخرى متاحة للمتهم، إذ يمكنه قبول الحكم و/أو العقوبة كتابةً، أو تقديم استئناف بشأن الاثنين؛ أو قبول حكم الإدانة وطلب عقد جلسة جديدة لتحديد العقوبة.
ما هي المحاكمة الغيابية؟
المحاكمة الغيابية هي محاكمة تُجرى من دون حضور المتهم.
ووفقًا للقانون اللبناني، يتيح النظام الأساسي وقواعد الإجراءات والإثبات في المحكمة الخاصة بلبنان إجراء محاكمات غيابية.
ويجيز النظام الأساسي إجراء محاكمة غيابية في الحالات التالية:
• عندما يتنازل المتهم صراحةً وخطيًا عن حقه في الحضور؛
• عندما لا يتم تسليم المتهم إلى المحكمة من قبل سلطات الدولة المعنية؛
• أو عندما يتوارى المتهم عن الأنظار أو يتعذر العثور عليه.
ولا تُعتبر الإجراءات محاكمةً غيابيةً عندما يكون المتهم غير حاضر شخصيًا في أثناء المحاكمة ولكنه:
• مثل شخصيًا مثولاً أوليًّا أمام المحكمة (من خلال نظام المؤتمرات المتلفزة على سبيل المثال)، وإن غاب لاحقًا ومثَّله محامٍ يحضر الإجراءات.
المتضررون أمام المحكمة الخاصة بلبنان
من هو المتضرّر؟
يُعتبر متضررًا أي شخص طبيعي عانى ضررًا جسديًا أو ماديًا أو معنويًا ناتجًا مباشرةً من جريمة تدخل في اختصاص المحكمة. ويجوز لأيّ متضرّر يندرج في هذه الفئة أن يقدّم طلبًا للمشاركة في الإجراءات بعد أن يصدّق قاضي الإجراءات التمهيدية على قرار اتهام.
هل تترتّب أيّ خطورة عن المشاركة في الإجراءات؟
ترد في النظام الأساسي وفي قواعد الإجراءات والإثبات موادّ مهمّة لضمان الحماية والدعم الملائمين للمتضرّرين والشهود. ولهذا الغرض، أنشأ رئيس قلم المحكمة وحدةَ المتضرّرين والشهود. وهذه الوحدة مسؤولة عن اتخاذ تدابير خاصّة للشهود والمتضررين ولأي أشخاص آخرين معرّضين للخطر بسبب إدلاء هؤلاء الشهود بشهادتهم أو بسبب تواصلهم مع المحكمة، وترمي هذه التدابير إلى حماية أمنهم وسلامتهم الجسدية والنفسية، وصون كرامتهم، وخصوصيتهم.
ماذا يحلّ بطلب المشاركة بعد إيداعه؟
بعد تسلّم طلبات المشاركة، تقوم وحدة المتضررين المشاركين في الاجراءات بالتحقّق من أنها كاملة وتحيلها بعدئذٍ إلى قاضي الإجراءات التمهيدية الذي يمعن النظر في كلّ طلب مشاركة ويتّخذ قرارًا بشأنه.
هل يجب على المتضرر الذهاب إلى مقرّ المحكمة في هولندا إذا أذن له قاضي الإجراءات التمهيدية بالمشاركة في الإجراءات؟
كلا، فالمتضرّرون بصورة عامّة ليسوا مضطرين للسفر إلى مقرّ المحكمة لأنّهم يشاركون في الإجراءات من خلال ممثّليهم القانونيين. أما إذا رغب المتضرّرون في الذهاب إلى مقرّ المحكمة، فيُرجى منهم الاتصال بوحدة المتضررين المشاركين في الإجراءات للحصول على معلومات إضافية. وبإمكانهم أيضًا مشاهدة البث المباشر للجلسات على الموقع الإلكتروني للمحكمة.
ماذا يحدث إذا ردّ قاضي الإجراءات التمهيدية طلب أحد المتضرّرين المشاركة في الإجراءات؟
يجوز للمتضرّر الذي يردّ قاضي الإجراءات التمهيدية طلبه المشاركة في الإجراءات أن يستأنف قرار الردّ. وعندما يُرَدّ طلب المشاركة لأنّ المستندات المؤيّدة له غير كافية، يجوز للمتضرّر أن يقدّم مستندات مؤيّدة إضافية وأن يطلب من قاضي الإجراءات التمهيدية إعادة النظر في الطلب.
ما هي الأدوار التي يضطلع بها المتضرّر في مرحلة المحاكمة؟
بإمكان المتضرّرين المشاركين في الإجراءات أن يعرضوا "وجهات نظرهم وشواغلهم" في مرحلة المحاكمة، من خلال ممثّليهم القانونيين، باستخدام مجموعة متنوّعة من الوسائل. على سبيل المثال، يجوز للممثّلين القانونيين للمتضرّرين المشاركين في الإجراءات أن يقوموا بما يلي:
الإدلاء بتصريح تمهيدي في بداية المحاكمة أو نهايتها; واستدعاء الشهود للإدلاء بشهاداتهم; وتقديم أدلة أخرى; وإجراء استجواب واستجواب مضادّ للشهود الذين يستدعيهم الادّعاء و/أو جهة الدفاع;
والطلب من القضاة طرح أسئلة معيّنة على المتهمين; وتقديم الطلبات والمذكرات و/أو تقديم ملاحظات شفهية; البقاء على اطّلاع دائم على تقدّم الإجراءات;وعلى وجه الخصوص، الاطّلاع على كل المستندات التي يودعها الفريقان ويكشفان عنها في أثناء المحاكمة، وعلى ملف القضية في المرحلة التمهيدية، ما لم يقرّر قاضي الإجراءات التمهيدية أو الغرفة المختصّة خلاف ذلك خدمةً لمصلحة العدالة.
هل بإمكان المتضرّر أن يتوقّع الحصول على تعويض من المحكمة؟
لا تملك المحكمة صلاحية منح التعويضات للمتضرّرين. وإذا ثبت ذنب المتهم، بإمكان المحكمة أن تزوّد المتضرّرين بنسخة مصدّقة من الحكم، فيستخدمونها لطلب التعويض من خلال اللجوء إلى المحاكم الوطنية أو إلى هيئات مختصة أخرى.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.