8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

عواصف الخريف الداعشية والبطالة اقترعت لليمين المعتدل!

كما استيقظ العالم على خطر داعش عليه، استيقظ الفرنسيون على خطر اليمين المتطرف على فرنسا وأكثر. أثبتت الجبهة الوطنية عبر انتخابات المناطق، أن مسيرتها الى الامام. أصبحت الجبهة تملك ثلاثين بالمئة من الفرنسيين. الويل لفرنسا ومن فيها ومن حولها من هذا الخطر المشتعل بنار الحقد والعنصرية.
انتخابات المجالس المحلية للمناطق، ليست انتخابات فرنسية مهمة. عادة تمر من دون ضجيج. فجأة تحولت هذه الانتخابات الى حدث فرنسي أولاً، وحدث أوروبي وعالمي ثانياً. اليسار يتحكم بالمجالس المحلية منذ عقود. في فرنسا ذات النظام الشديد المركزية، لا تعني هذه المجالس، إلا اهتمام شرائح محدودة بوسائل النقل والتنمية الاقتصادية والمدارس الثانوية المحلية. مع إعلان النتائج وتقدم الجبهة الوطنية في سبع مناطق والتأكد من حصولها على ثلاث مناطق في الدورة الثانية، ارتفع السؤال ماذا بعد؟

الأساس في هذا السؤال، أن الانتخابات الرئاسية الفرنسية بعد 18 شهراً، أي أن الفترة ضيقة جداً ويوجد احتمال كبير لتكرار تشكل الخريطة السياسية على ثلاث قوى بالتساوي تقريباً أي: اليسار واليمين الجمهوري واليمين المتطرف، فإن لا شيء يحول دون أن تكون الانتخابات الرئاسية المقبلة بين ماري لوبن زعيمة اليمين المتطرف وأحد مرشحي اليمين الجمهوري أو فرنسوا هولند. قبل اليوم وقعت الواقعة وواجه جاك شيراك مرشح اليمين المتطرف جان ماري لوبن وفاز الأول لأن جبهة عريضة للدفاع عن الجمهورية تشكلت بسرعة إذ انضم اليسار الى اليمين الجمهوري، فربح جاك شيراك. حالياً تبدو الصورة مختلفة جدًّا في انتخابات المناطق. لا يريد نيكولا ساركوزي أن يسحب مرشحيه لمصلحة اليسار. ساركوزي يريد تجربة مفاعيل النار المشتعلة، لكي تصل فرنسا الى الخيار بينه وبين ماري لوبن ليفوز هو كما يعتقد. تماماً كما يحدث اليوم في سوريا حيث يوضع العالم بين خيار داعش أو بقاء الأسد. ما كان استثناء أصبح قاعدة. تكاد أيام الدفاع عن الجمهورية أن تكون فعلاً ماضياً، رغم أن اليمين المتطرف ممثلاً بالمرشحة ماري لوبن، يجسد ايديولوجية مضادة للقيم الجمهورية، واقتراحاته ديماغوجية وخطرة.
يجب العثور على علاج ينقذ فرنسا ومعها محيطها الأوروبي من هذا الخطر القائم قبل دخولها حملة الانتخابات الرئاسية في أيار 2017، وإلا الويل لأوروبا إذا فاز اليمين الفرنسي المتطرف، لأن هذا الفوز في بلد مثل فرنسا التي عرفت البيتانية نسبة الى الماريشال بيتان، يشبه الفيروس الذي ينتشر بسرعة الصوت خصوصاً عند الجار الألماني.
البداية تكون في دراسة عميقة للأسباب والعثور بسرعة على الحلول المنتجة. ولا شك أن الأسباب فرنسية بحتة ولكن أيضاً بحكم سقوط الحدود وانتشار عوالم الاتصال: عواصف الخريف التي ضربت فرنسا حملت الأصوات الى طاحونة الجبهة الوطنية. المشكلة أن العواصف لم تكن بفعل فرنسي، وإنما بفعل خارجي متداخل مع مشاكل فرنسية قديمة. فرنسا كانت وما زالت تعاني مشكلة المهاجرين ومعظمهم من المسلمين والعرب وذلك لأسباب تاريخية، وفي صلب هذه المشكلة عدم حصول تعايش بين المهاجرين والفرنسيين، ما أقام مجتمعات الغيتو المزروعة بالأحقاد والإحباط. عواصف الخريف حملت موجات من اللاجئين خصوصاً من سوريا والعراق، ضخمت المشكلة القائمة خصوصاً وانها امتزجت بوباء البطالة الذي لم يستطع اليمين الجمهوري واليسار معاً معالجته.
عمليات 13 نوفمبر الإرهابية شكلت بيضة القبان في تثبيت معادلة الخوف، إذ بلورت حملة مفتوحة ضد الجالية العربية الإسلامية، والمهاجرين القدامى والجدد، وتضخيم الخطر من انتشار الإسلام وتحويل المجتمع الفرنسي ومعه الأوروبي الى مجتمعين منفصلين ومتناحرين غنيين بكل شروط الحرب الأهلية.
العامل الذاتي لعب دوراً في اجتياح مفاعيل عواصف الخريف. الأحزاب اليمينية الجمهورية واليسارية التي تحكم فرنسا بالتداول الديموقراطي منذ نصف قرن وأكثر، أهملت خطر اليمين المتطرف، واعتبرته دائماً استثناء داخل المجتمع الفرنسي لا يمكن أن يتحول الى جزء ثابت منه. أهمل التعامل معه، فاخترق في يوميات البطالة وانخفاض مستوى المعيشة هذا المجتمع. الأسوأ من كل هذا أن اليمين الجمهوري عمد في رده على صعود اليمين المتطرف برفضه سحب لوائحه حيث يمكن لليسار الفوز الى إسقاط الأساس وهو إنقاذ الجمهورية من أجل اسقاط الفرع أي اليسار.
تقدم اليمين المتطرف في فرنسا، يَعني العالم وخصوصاً منطقة الشرق الأوسط وتحديداً سوريا. اليمين المتطرف حليف للرئيس بشار الأسد، يقف معه ويريد إعادة علاقات فرنسا وعبر التعاون معه بسرعة. حتى ولو لم تفز مرشحة هذا اليمين ماري لوبن بالرئاسة فإنه، لا يمكن تجاهل صوتها السياسي. أصبح هذا الصوت قوياً وموجوداً بقوة. ماري لوبن لا تلتزم بالأسد مجاناً، وإنما لاعتقادها أن انتصار الأسد يوقف موجات اللاجئين السوريين الى فرنسا ومعها أوروبا، مع العلم أن من هرب من النظام والحرب لن يرجع الى سوريا غداً.
فرنسا قادرة على مواجهة التحدي من خلال عملية إعادة بناء حقيقية وعميقة. العقدة الطارئة أن هذه العملية بحاجة الى دعم خارجي، منطلق من قلب العالمين العربي والإسلامي. عماد هذا الدعم الإسراع في ضرب داعش وعوامل الارهاب، ونشر دعوة شعبية ورسمية للجاليات العربية والإسلامية أن تعمل بسرعة على تدمير جدران الكراهية والغيتوات حتى لا تلتهمها نار عنصرية اليمين المتطرف!
أسعد حيدر

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00