8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

النكبة السورية وفشل الإسلاميين

سوريا هي النكبة الثانية بعد نكبة فلسطين. مهما تطوّرت الحروب في سوريا وكيفما مضت، فإنّ سوريا التي نعرفها انتهت. أيضاً العراق الذي كان أصبح في خبر كان، واليمن لم يعد يأمل بأن يكون سعيداً، فقد انتهى. يمكن أن يُقال إنّ المؤامرة كانت أكبر منّا، لكن هذا لا يكفي ولا ينتج حلاً. البداية الاعتراف بالمسؤولية المباشِرة لشعوبنا وقوانا وأحزابنا وخصوصاً جيوشنا التي خُصِّصت لها الأموال بديلاً عن التنمية لتحرير فلسطين، فكان أن اغتصبت السلطة مراراً وتكراراً، ولم تترك سوى الدمار من الحجر إلى البشر.
حتى الربيع العربي، تحوّل إلى شتاء سيبيري لا يعرف أحد كيف سينتهي - بالتقسيم على مثال سايكس بيكو أو أسوأ، أم بتقسيم طائفي ومذهبي يتشكّل فوق بحار من الدماء والأحقاد؟ داعش أشعل الكثير من الحرائق. قبله رمت قوى حزبية داخلية وقوى خارجية أطماع بعضها خارجة من الثأر أو من طموحات متشكّلة من قوّتها ومن ضعفنا. حالياً عالمنا العربي مساحة مفتوحة لصراعات مكشوفة بين روسيا وأميركا وفرنسا وإيران وتركيا نحن فيها في موقع الدفاع.
لا يكفي الآن ومن أجل إبقاء جذوة الأمل مشتعلة، الاكتفاء بالسؤال لماذا وصلنا إلى هذه الحالة؟ السؤال الحقيقي والواقعي هو ما العمل؟
داعش لم يأتِ من فراغ. كان كامناً في مجتمعاتنا. في اللحظة التي أصبح فيها طلب السلطة يتم من تخوين الآخر وتهميشه وقمعه وإهماله، يُضاف إلى ذلك تجويع كل مَن لا يكون جزءاً من مافيا السلطة سواء بالبطالة أو في عدم البناء، والإبعاد. كل ذلك حوّل عالمنا العربي إلى أرض خصبة لزراعة الشوك وليس الورد. داعش لا يختصر الإسلاميين. داعش تغذّى من فشل الإسلاميين وأحزابهم، لذلك ليست اليوم كبش فداء كما يتساءل بعض المتنورين من الإسلاميين، وإنّما هي تدفع ثمن أخطائها وخطاياها.
في العراق الذي كان غنياً جداً وأصبح فقيراً بحاجة للقروض، الأمن غائب، والدولة مستباحة، والتصدّي للفساد شعار والبطالة هي السائدة. القوى الإسلامية الشيعية من حزبية ومن سياسيين جعلت العراقيين شيعة وسنّة يترحّمون على صدام حسين. بدل أن تعمل القوى الحزبية الشيعية على إعادة بناء العراق، التزمت وعملت على الثأر من السنّة، وكأنّهم مسؤولون عن سياسة صدام حسين. مشكلة الشيعة العراقيين الذين وطنيتهم كانت أكبر من مذهبيتهم أنهم استزلموا للمذهبية الإيرانية وأصبحوا خاضعين للجنرال قاسم سليماني. أمّا السنّة العراقيون فإنّهم جنحوا نحو التطرّف وانزلقوا بسرعة حتى ساد داعش بكل تطرّفه الخارج من مجاهل التاريخ. في قلب كل ذلك، انّ القوى الإسلامية شيعية كانت أم سنّية فشلت في إدارة شؤون الدولة العراقية لأنّها أرادت السلطة ولم تتثقف ولم تعمل من أجل الدولة وبنائها.
أمّا في سوريا، فإنّ التصحير الأسدي للحياة السياسية أنتج قوى سياسية إسلامية وغير إسلامية لم تحاول أصلاً صياغة برنامج سياسي ورؤيا اجتماعية واقتصادية تخوض على أساسه الثورة بحيث يستسهل الأسد طرح الخيار بينه وبين داعش خياراً وحيداً بين الموت ذبحاً بالسكين أو بالبراميل المتفجّرة حالياً، وغدا بين التخلّف الأسود أو الصمت وكأنّ سوريا ليست لهم ومنهم.
أمّا في لبنان المتنوّع، فإنّ عدم اختراق كرات النار لحدوده، إنّما يعود إلى إرادات خارجية وليس لتوافق بين قواه الداخلية. المأساة انه بدلاً من أن يحترق لبنان بالنار فإنّه يختنق بالفراغ. مهما قيل عن أسباب هذا الفراغ، فإنّ حزب الله وإيران حاضنته الشرعية، يتعاملون مع لبنان الحاضر من منطلق ما العمل في ظلّ التحوّلات والمتغيّرات القائمة والقادمة؟ حزب الله الذي كان حزباً واعداً، تحوّل إلى ميليشيا في خدمة السياسة المذهبية الإيرانية في سوريا واليمن. أيضاً حزب الله يعاني أمراضاً مشابهة لباقي القوى والأحزاب الإسلامية. لم يقدم الحزب حتى اليوم برنامجاً سياسياً - اقتصادياً يمكن البناء عليه بالاتفاق مع باقي القوى. اهتم الحزب بـشودرة المجتمع الشيعي أكثر بكثير من هذه المهمّة التاريخية.
إلى جانب ذلك، فإنّ محاولة الحزب اللعب في ملعب الكبار، قد استنزفه. مهما حرصت إيران على حمايته ودعمه فإنّ ربحه محدود وخسارته مفتوحة، خصوصاً إذا خسرت إيران أو تغيّرت. ما يحصل الآن أنّ واشنطن وموسكو المتفاهمة مع إسرائيل، قضمتا من نفوذ الآخرين. في العراق عاد الأميركيون بقوّة، خصوصاً إلى الجيش العراقي. عندما يتمسّك سليماني بالمالكي إلى درجة قهر العراقيين من الطبيعي أن يلجأ العراقيون إلى أحضان الأميركيين. أمّا في سوريا فإنّ موسكو قضمت من نفوذ إيران وشهيّتها مفتوحة.
القضاء على داعش قادم. القوى والأحزاب الإسلامية لن تستفيد من هذا الحل لأنّها أكدت أنّها بجهلها واكتفائها بشعار الإسلام هو الحل، ومن ثم تحوّلها إلى بندقية وانتحاريين في خدمة مشاريع الآخرين، قد فقدت طويلاً من حقوقها في العمل من أجل المستقبل، ما لم تقبل فعلياً بوجود الآخرين، وإسقاط المذهبية سواء كانت سنّية أو شيعية فعلاً لا قولاً.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00