يتعمّق الفصام في النظام الإيراني، بعد الانتخابات التشريعية وكأنّه على موعد مفصلي لا مفرّ من استحقاقاته وتردّداته. المرشد آية الله علي خامنئي يظهر منذ نتائج الانتخابات وفوز غريمه الرئيس هاشمي رفسنجاني بالتكليف الشعبي، وكأنّه لم يبتلع كأس النتائج التي أطاحت كل مخططاته لتوريث ولايته لأحد رجاله وأبرزهم مصباح يزدي.
المرشد خامنئي الذي يعرف أكثر من غيره بكثير، أنّ الانقلاب العسكري ممنوع في إيران، سواء كان مباشراً أو غير مباشر، ولذلك فإنّ موقع الحرس الثوري في الإمساك بمفاصل النظام يبقى ملزماً بالتحرّك تحت عمامة النظام، وأنّ قلب التحالفات أيضاً داخل مجلس الخبراء أصبح مستحيلاً بعد تثبيت النتائج، فإنّه يبحث عن حلّ يُبعد فيه غريمه رفسنجاني عن توجيهه الضربة القاضية له، خصوصاً أنّ الاختبار الأوّل سيكون قريباً لدى انتخاب رئيس جديد لـمجلس الخبراء خلفاً لمحمد يزدي الذي سقط شعبياً في الانتخابات رغم أنّ المرشد كان قد اختاره رئيساً للمجلس السابق وهو الذي لا يمثّل شيئاً ليعمّق من غرس الخنجر في ظهر توأمه السابق رفسنجاني.
المرشد خامنئي يعمل منذ أن أصبح مرضه علنياً، عندما دخل المستشفى وعُولج بسرعة، وكأنّه باقٍ في الولاية إلى الأبد، وفي الوقت نفسه يعمل لخلافته وكأنّه سيموت غداً، لكن بسبب تراجع قواه قياساً إلى ما كان عليه في فترتَي رئاسة محمد خاتمي وأحمدي نجاد، فإنّه عمد إلى استرجاع الخطاب الثوري وضرورة نشره وتعميقه، خصوصاً في الحوزات، وهو الذي يعلم أنّ الحرب ضدّ الاعتدال في زمن الاتفاق النووي لم تعد مُنتجة، كما حصل يوم جرى احتلال السفارة الأميركية في طهران في بدايات الثورة لضرب الجناح المعتدل فيها لمصلحة المتشدّدين ممّا أنتج الحصار والمقاطعة الأميركية والغربية ضدّ إيران.
أمام هذا المأزق، فإنّ أوساطاً عديدة في طهران ترى أنّ المرشد يبحث عن السبل الكفيلة لتوجيه ضربة قاسية إلى الثنائي رفسنجاني روحاني وثالثهما محمد خاتمي، لقطع الطريق أمامهم في صياغة مرحلة خلافته لمصلحة مرشح معتدل يكون على مثال حسن روحاني، إن لم يكن هو نفسه في حال تعذّر انتخاب رفسنجاني. وفي محاولة لقطع الطريق على صدام غير مأمون العواقب، يتم التفاهم مع المراجع على اختيار آية الله شاهرودي رئيساً لـمجلس الخبراء حالياً ليشكّل بذلك مرحلة انتقالية مأمونة.
المرشد خامنئي يستثمر كل ما يملكه، وأبرز ذلك طموح الشيخ صادق لاريجاني رئيس القضاء لخلافته لصياغة مضبطة اتهامية ضدّ رفسنجاني أو على الأقل ضدّ مؤيّديه تحت عنوان أنّ لائحته كانت اللائحة الانكليزية، علماً أنّ حسن روحاني كان الثاني فيها.
روحاني الذي انتقل من الدفاع إلى الهجوم والتصعيد، عمد بسرعة إلى تطويق صادق لاريجاني بوضعه في قلب قضية إعدام الملياردير باباك زنجاني. فقد تساءل روحاني في خطاب شعبي في مدينة يزد: مَن كان يحمي زنجاني ومَن أتاح له كل هذه المساحة ليفعل ما فعله؟ وبإذن مَن استطاع بيع النفط؟ إنّ الإعدام لن يحلّ أي مشكلة. روحاني يريد بهذا أن يفتح ملف الفساد الذي للعديد من كبار قادة الحرس والسياسيين أصابع فيه، وفي الوقت نفسه وضع صادق لاريجاني الذي سارع إلى تصديق حكم الاعدام بعد فرض الصمت على المحاكمة موضع اتهام خصوصاً أنّه ليس للرئيس روحاني سلطة على رئيس القضاء لاريجاني.
من الواضح أنّ عطلة عيد النوروز التي تدخل إيران عادة في كوما طويلة، لن تحول دون استمرار حرب السكاكين الطويلة داخل إيران العميقة. لذلك فإن الفصام الداخلي في كفّة، والفصام في الوضع السياسي في كفّة أخرى. قرار الرئيس فلاديمير بوتين سحب القوات الروسية من سوريا، هزّ العالم وأثار ألف سؤال وسؤال في كل مواقع القرار، عدا إيران. فقد لوحظ أنّ إعلان بوتين لم يرد أبداً في الوكالة الإيرانية الرسمية ايرنا، ولا في تصريحات المسؤولين رغم خطورته. التصريح اليتيم بعد 24 ساعة جاء من جواد ظريف وزير الخارجية في إجابته عن سؤال خلال احدى محاضراته أو لقاءاته في استراليا، وكان تعليقه حيادياً إلى حد كبير.
هذا الصمت الرسمي في إيران على القرار الروسي رافقه تصعيد غير مسبوق في التشديد على عمق العلاقة بالرئيس بشار الأسد ونظامه. فقد اعتبر علي ولايتي مستشار المرشد للشؤون الخارجية انّ سوريا تعتبر العمود الفقري لمحور المقاومة وانضمام روسيا إلى هذا المحور يعدّ تطوّراً أساسياً.
لكن في الوقت الذي يرسل فيه محور روحاني - رفسنجاني إشارات ورسائل ضمنية حول ضرورة الحوار لحلّ المشكلات في المنطقة لتحقيق الأمن والاستقرار فيها، فإنّ رئيس أركان الجيش اللواء فيروز آبادي الوثيق الصلة بالمرشد خامنئي يعلن انّ الإصرار على رحيل بشار هو مطلب الصهاينة، ومَن يأخذ به صهيوني. بهذا التصريح جعل من ملايين العرب صهاينة، وأغرق بذلك كل الخُطب عن تحرير فلسطين فيه.
قرار القيصر بالانسحاب ليس مجرّد حجر لتحريك الأحداث بل هو قرار لصياغة الحل السياسي انطلاقاً من التوافق مع الرئيس باراك اوباما على أن يكتمل تنفيذه مع الرئيس الأميركي القادم. إيران بكل مشاكلها وسط هذا التغيير الكبير، وكانت حتى نزول القيصر في سوريا اللاعب الكبير، أصبحت باحثة عن موقع لها في الحل وهي تخوض داخلياً حروب السكاكين الطويلة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.