8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ماكرومانيا!..


فاز مانويل ماكرون، في الجولة الثالثة، من دون منافسة تُذكر. أصبح الرئيس الذي يملك أغلبية برلمانية مُطلقة. لم يتحمّس الرئيس ماكرون للحصول على أكثر مما حصل، لأنه يعرف أن الأغلبية المُطلقة، تعني المسؤولية المُطلقة، فكيف إذا حمله تسونامي نيابي بعد الشعبي.. إنها الطريق نحو هيمنة لا يقبلها الشعب الفرنسي ولا يتحمّلها طويلاً. الفرنسيون شعب مسيّس، قال كلمته بأنه لا يريد رئيساً عادياً وحصل عليه، فلماذا المبالغة؟ الطريق إلى ذلك، وجود معارضة قادرة على الاعتراض وإبلاغه بأي انحراف غير مقبول. المساءلة البرلمانية مهمّة جداً، لأنها بسرعة تتحوّل عبر الإعلام إلى صوت مسموع، وليس صوتاً يضيع في البرية، فيرتفع منسوب أحادية الرئيس التي تقود إلى الرفض الشعبي المباشر.
لا شك أن مانويل ماكرون رجل شجاع لا يتوقف عن العمل، لكنه أيضاً رجل محظوظ جداً، بعيداً عن “الآلة” التي دفعته إلى الأمام. من البداية لو فاز
“الجمهوري” آلان جوبيه، ولم يتنافس المسترئسون وأولهم مانويل فالس على ضرب الرئيس فرانسوا هولاند بالسكاكين الطويلة، لما تقدم مانويل ماكرون إلى الأمام بهذه السرعة وهذه الثقة، ولو قَبِلَ فرانسوا فييون الانسحاب بعد “فضائحه”، لكانت نسبة نجاحه قد انخفضت. كل هذا صحيح. لكن لا يمكن التعامل مع ماكرون ومحاسبته كما عندما بدأ “مسيرته” نحو الرئاسة، ولا عندما انتُخب. الحساب والمحاسبة مع رئيس الجمهورية ماكرون الذي يملك الأغلبية المطلقة أمران آخران لهما قواعدهما وحساباتهما وبطبيعة الحال شروطهما.
الرئيس ماكرون سيعمل كثيراً، وبشروط قاسية في ساحة مفتوحة أمامه. صحيح أن كتلته ضخمة جداً تعتمد من جهة على الأغلبية المُطلقة، ومن جهة أخرى على 360 ألف ملتزم بتيّاره “إلى الأمام”، لكن 75 في المئة منهم تنقصهم الخبرة، ومنهم من لم يعرف الحزبية والعمل السياسي سواء في البرلمان أو الحكومة. وهذا كله يُشكّل نقطة ضعف، والرئيس يُدرك ذلك ولهذا فرض على نواب كتلته وهم 308 نواب، المشاركة في “ندوة” للتعلم على أصول وشروط العمل النيابي. بعضهم يرى أن هؤلاء النواب كما الوزراء سيتعلمون بسرعة لأن معظمهم من الشباب المتحمّس والطموح.
مانويل ماكرون “المحظوظ”، سيعمل في “ساحة من الأنقاض”. “الحزب الاشتراكي” الذي بالكاد حصل على كتلة برلمانية من 30 نائباً، انتهى عملياً. لم يعد “الترميم” حلاً لقيامه. ما تبقى من الحزب بحاجة لإعادة ولادة جديدة. انتهى زمن التيّارات و”الفيلة” (القيادات التاريخية).. من الآن وحتى يقوم حزب جديد من الاشتراكي القديم ستكون المعارضة موزّعة على:
“اليمين الجمهوري”، الذي “ناضل” فرنسوا باروان حتى لا ينتهي كل شيء كما الاشتراكي. في جميع الأحوال هذا “اليمين الجمهوري” بحاجة لإعادة بناء حقيقية وعلى قواعد جديدة. ربما نشاطه المعارض (كتلته مشكّلة من 130 نائباً) المدروس والمقنع من الممكن أن يُسّهل عودته إلى الحياة خلال السنوات المقبلة.
أمّا المتطرّفون، من اليمين واليسار، فإن أصواتهم لا تكفي. “الجبهة الوطنية” التي لها لأول مرة ثمانية نواب، ستعيش على وقع أزمة داخلية بين مارين لوبن وابنة شقيقتها “النجم الصاعد” في هذا اليمين. لذلك سيكون صوت هذا اليمين موزّعاً بين الصراعات الداخلية والصراع مع الخارج، مما سيُضعفه مهما علت حدّته.
بدوره فإن اليسار المتطرّف بقيادة جان لوك ميلانشون الذي لأول مرة حصل على كتلة برلمانية من 16 نائباً (علماً أن الكتلة تتطلب 15 نائباً) قد حدد استراتيجيته التي يُراد منها رفع رصيده مستقبلاً، بالقول وكأنه “جنرال” يخوض الحرب: “لن نسلّم متراً واحداً من حقوقنا الاجتماعية بدون مقاومة”.
لا شك أن في شعار ميلانشون تكمن المواجهة الكبرى للرئيس ماكرون، الذي وعد بالقيام بإصلاحات حقيقية وعميقة. السؤال: إلى أي مدى سيذهب الرئيس في تنفيذ إصلاحاته التي إن نفذها كما في برنامجه الانتخابي، فمعنى ذلك أن فرنسا مُقبلة على مواجهة حقيقية مع النقابات العمالية؟
حتى الآن لا يمكن اختراق “برنامج العمل” الذي سينفذه ماكرون، لأنه فرض منذ انتخابه “جداراً حديدياً” غير مسموح حتى التفكير بمحاولة اختراقه على كل مساعديه ووزرائه، “الصمت” هو الأساس في العمل مع الرئيس ماكرون. الذي وإن كان “محظوظاً”، فإنه لا يمكنه المغامرة والذهاب بعيداً في طروحاته اليمينية التي تبدو يسارية، لأنه من الأساس خرج من قلب اليمين في عالم المصارف. أيضاً إذا كان ماكرون محظوظاً، لأن لا أحد ينافسه على الصعيد الأوروبي، خصوصاً أن المستشارة الألمانية انجيلا ميركل “رجل أوروبا القوي” تدعمه ولا تواجهه، فإنه مثل الآخرين في العالم عليه أن يواجه خطر “الإرهاب الداعشي” الذي لا يرحم ولا يعرف حدوداً ولا سقفاً لإرهابه.
حتى الآن تسونامي “الماكرومانيا” أعطى الكثير لإيمانويل ماكرون. من الآن وحتى انتهاء ولايته الرئاسية أمامه الكثير من العمل ليصبح الرئيس “غير العادي” المؤهل لولاية رئاسية ثانية، أو ليكون مجرّد “جسر” ليعبر التغيير الكبير عليه وليس معه!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00