21 أيلول 2019 | 00:00

كتب بول شاوول

ماذا فعلتم بالجامعة اللبنانية الوطنية؟

ماذا فعلتم بالجامعة اللبنانية الوطنية؟

قضية شهادة الدكتوراة التي يتأبطها رئيس الجامعة فؤاد أيوب كأنها باتت من القصص البوليسية والخيال العلمي، وأفلام الرعب. عندما اجرى عماد محمد الحسيني، وهو طبيب شرعي ومثقف بارز تحقيقاً بمستندات الشهادة، دقيقاً ومزوداً الوثائق والمرجعيات والادلة، وتوصل ببحثه الى اعتبار شهادة دكتوراة رئيس الجامعة مزورة. وفي موازاة ذلك تم اكتشاف ان رئيس الجامعة لا يتمتع حتى برتبة استاذ ولا شهادة وبدلاً من أن تعالج هذه المسألة بالطرق الاكاديمية والعلمية والموضوعية من قبل المسؤولين فقد تمت محاكمة عماد الحسيني بتهمة القدح والذم وسجن 14 يوماً وخرج بكفالة مالية وتطور الامر عندما تبنى الدكتور عصام خليفة أحد كبار المناضلين في الجامعة اللبنانية ليكمل كاستاذ في رابطة الاساتذة وهو مؤرخ بارز يتمتع بقدرات وثقافة اختصاصية وبحثية عميقة جعلته من كبار المؤرخيين اللبنانيين والعرب الجدد، هذا المناضل استدعي بدوره الى التحقيق في عدة مراكز من قبل المباحث الجنائية و"جرائم المعلومات" ثم النيابة العامة، على امتداد 25 جلسة متوالية خضع فيها للتحقيق لأنه وهو المتابع لقضايا الجامعة ولبنان ارتكب جرماً لانه وافق على ما جاء في تحقيقات الحسيني... هذا يدل على ان الرئيس أيوب مسنودٌ جيداً من جهات نافذة في القضاء والسياسة والامن فبدلاً من ان تراجع القضية بحسب معطياتها وطبيعتها ويتم التعامل معها على هذا الاساس فقد رفع رئيس الجامعة دعوى قدح وذم على عصام خليفة ولم يحلها الى المطبوعات بل الى تلك المحاكم التي لا نعرف حتى الان ما علاقتها بقضية ترتبط بالجامعة اللبنانية المفترض انها تتمتع باستقلالية منذ نشوئها.  

اذاً مسألة اتهام بتزوير تتحول قضية جزائية على من اكتشفها وليس على من ارتكبها وهذا لم يحدث بأي جامعة في العالم سوى بجامعتنا الوطنية التي نعرف جيداً اوضاعها من الداخل وان بعض فروعها تهيمن عليها أطراف ميليشيوية وسياسية وطائفية. لكن الامر لم يتوقف هنا لا عند عماد الحسيني ولا عند عصام خليفة، فقد فجّر رئيس الجامعة قضية غرائبية غير مسبوقة اذ لجأ الى قاضي الامور المستعجلة للحصول على قرارٍ يلزم 45 مؤسسة اعلامية شطب وحذف مقالات تناولت القضية ومنع تعرض... أي شطب كل الوثائق والمقالات والسجالات التي صدرت في الصحف ووسائل الاعلام.

اذاً نقل المعركة من القضاء الجنائي ضد خليفة والحسيني الى الصحافة اللبنانية برمتها، وهذا ما لم يتجرأ عليه أحد أو يخطر ببال أي انسان حتى في بلاد الماو ماو كأنه بذلك يصوب على حرية الاعلام وقدسيتها (والمعروف ان في الجامعة كلية أعلام. فهل هو درس اعلاميٌ ومهنيٌ واخلاقيٌ للطلاب) ويسعى الى تسفيه 45 وسيلة اعلام.  وهذه المبادرة ليست سوى نهج بعض السياسيين الذين يحاولون الغاء محكمة المطبوعات لتحل محلها محاكم التفتيش سواء الجنائية أو الامنية. واحتجاجاً على خطوة أيوب عقد ممثلو وسائل الاعلام ونخبة من اساتذة الجامعة اللبنانية العريقين اجتماعاً في مبنى جريدة النهار تداولوا فيه هذا الاعتداء السافر على حرياتهم وناقشوا طلب رئيس الجامعة والخطوات الواجبة لمواجهة هذا التعسف في استعمال الحق، واستغلال موقع اكاديمي عريق للتعمية على الحقائق وقد تم اجماعٌ بين المجتمعين على المطالبة بعزل رئيس الجامعة مؤكدين كما ورد في بيانهم "ان المرجع الوحيد للمؤسسات الاعلامية هو محكمة المطبوعات وليس القضاء المستعجل" واعتبر المجتمعون ان طلبه القضائي هذا هو ضرب من التطاول على القانون نفسه وعلى حرية الاعلام داعين المرجعيات السياسية والحكومة الى عزله، بعد كل التهم، بتزوير شهادة الدكتورة والشوائب التي رافقت مسيرته الجامعية، والتعدي غير المسبوق على الاعلام".  

لكن اين هي الحركة الطلابية اليوم في الجامعة اللبنانية التي كانت بمستوياتها الاكاديمية والتربوية والثقافية وخصوصاً الابداعية.  الجامعة التي تخرج منها ما بين نهاية الخمسينات وحتى اندلاع الحرب، كبار الكتاب والشعراء والتربويين والعلماء والمؤرخين والمفكرين... اين هم هؤلاء الطلاب ليدافعوا عن جامعتهم التي تحولت الى مصنع للمذهبية وللانغلاق تطمس فيها القيم التنويرية والمستويات العلمية.  فهل استوعب السياسيون دور الطلاب والحقوه بمصالحهم واهدافهم وعطلوا حتى ارادتهم للدفاع عن حقوقهم.  لكن وتوضيحاً لهذه المسألة ولأسبابها تناهى الينا ان رأيس الجامعة أصدر تعميماً يريد ان يطبق به المشروع الاشتراعي مادة 15 ومفاده ان على الاساتذة ان يطلبوا اذناً مسبقاً لنشر أو كتابة مقالاتهم او دراساتهم:  لكن نذكر هؤلاء بأن رئيس الجامعة الاسبق هذا العلامة الكبير عطل هذه المادة عام 1964. اذاً المسألة باتت أكبر من قضية تزوير شهادة بل الى مسالك وممارسات تكبل الاساتذة والطلاب وكأنها مجرد غيتوات لا تختلف عن الغتوات سواء المعلنة او غير المعلنة في لبنان اليوم.


يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

21 أيلول 2019 00:00