وصلنا الى قطر للبحث عن موقعها بعد أن أخذته منها (الجزيرة)، فإذا بنا نجد (الجزيرة) في وسط "قطر". هذا ما قاله صحافي فرنسي مخضرم وهو يلاحق المؤتمرات المتسارعة المعقودة في الدوحة. وأضاف "لا شك أن لكل قاعدة استثناء، واستثناء القاعدة ان الجغرافيا تصنع سياسة الدول وتصيغ دورها، بارز هنا في قطر، ذلك ان الدور الذي تقوم به قطر يصيغ لها جغرافيا تتجاوز بكثير هامشية موقعها الطبيعي".
وخلال ثلاثة أيام في الدوحة، كان المسؤولون وعلى رأسهم أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، يتنقلون من افتتاح مؤتمر الى آخر. لكن افتتاح المدينة التعليمية التي أشرفت على تخطيطه وبنائه وافتتاحه الشيخة موزة بنت ناصر المسند حرم الأمير حمد، طغى على باقي المؤتمرات، ومنها لقاء وزراء الثقافة الخليجيين، وحكام البنوك المركزية ولجنة المرأة في اتحاد دول الخليج.. والتوقيع مع مديري الاونيسكو تويشير ماتسورا على قرار إنشاء صندوق دولي للتعليم في العراق، ساهمت قطر في تأسيسه بمبلغ 15 مليون دولار ولا شك أن هذه المدينة الجامعية، تشكّل الدليل الأول على هذا الدور الكبير المرسوم للإمارة بعناية ودقة. فقد تم التعاقد مع جامعة ويل كورنيل للطب، وجامعة تكساس (اي ام) للهندسة ومعهد الابحاث الاستراتيجية "اندكورب" وستمنح هذه الجامعات واخرى يتم الإعداد لها الشهادات الأميركية نفسها الممنوحة في الولايات المتحدة، ولتقدير حجم هذا المشروع العلمي الخيالي فإن كلفة جامعة كورنيل للطب تزيد على مليار دولار.
اما باقي المشروع فكلفته تزيد على مليارات عدة.
المدينة التعليمية التي حضرنا حفل افتتاحها من الفخامة الهندسية، والفنية بكل أسباب الراحة ووسائل العلم للطالب، لا تبرر كل هذه الكلفة، ولو قيل انه إذا لم تستطع ان تذهب الى الجبل، فلماذا لا تنقله الى عندك ما دامت الأموال والقدرات متوافرة، ذلك ان المدينة التي ستستقبل كما هو مخطط لها نحو أربعة آلاف طالب من كل أنحاء العالم وخاصة قطر والخليج، تبدو نقطة في بحر المشروع الأساسي واستناداً الى مختلف الخطب وخاصة كلمات الشيخة موزة حرم الأمير حمد آل ثاني، فإن "بناء مستقبل للأجيال العربية الناشئة، يتطلب سياسة جديدة، ورؤية مغايرة للماضي خاصة في ظل التحوّلات الهائلة والعميقة في عالم ما بعد 11 أيلول، وأولى خطوط هندسة هذا المستقبل، كما تساهم فيه قطر، هو العمل لنقل النبع العلمي الى هذه الأرض الواسعة والمتسعة لكل العلوم والجهود".. وكل هذا الجهد يتم ايضاً على أساس أن بناء المستقبل لم يعد محصوراً في إرسال البعثات التعليمية الى الخارج، واستكمالاً لكل هذه "الرؤية" فإن هندسة الجيل المقبل لن يتم في الجامعات فقط، بل سيبدأ في المدارس الابتدائية التي بنيت لها مواقعها داخل المدينة نفسها فليس أهم من العلم في الصغر لانه مثل النقش على الحجر وخاصة من كان على أساس برامج مهيأة بعناية لأفضل العقول الصغيرة والمتفوقة التي سيتم اختيارها بعناية، وهذه الصياغة التي تبدأ من الطفولة تأخذ بمبدأ أن التشكل الفكري والعلمي والسياسي ليس مقطوعاً عنها كما يرى مهندسو هذه الرؤية.
وإذا كان مفهوماً استقدام جامعة كورنيل للطب، فان التساؤل الآخر هو حول استقدام معهد الدراسات الاستراتيجية (ار.س) المرتبط بقوة بالبنتاغون. ولذلك يرى الكثيرون أن هذا المشروع هو حلقة قوية في سلسلة ارتباط قطر بالولايات المتحدة ومشاريعها المستقبلية فالخيار القطري واضح في هذا المجال لا بل أن أحد الحاضرين لافتتاح المدينة التعليمية رأى في ضخامتها مشروعاً يتجاوز الهدف التعليمي، ويمتد لخدمة الأميركيين وعائلاتهم في المنطقة وخاصة وان جامعة كورنيل للطب تؤمن جهازاً طبياً متقدماً من خلال المستشفى الملحق بها.
ويعترف القطريون مسؤولين وعاديين أن الامارة تشهد طفرة اقتصادية لا سابق لها. ويقول سياسي مخضرم ورجل أعمال جديد، أكبر دليل على المستقبل الاقتصادي الواعد، ان اللبنانيين بدأوا بالزحف اليها للعمل فيها، والامارة تسهل قدومهم واجازات عملهم. طبعاً يمكن اضافة النهضة العمرانية الهائلة المتمثلة بالابراج التي تنمو بسرعة في الصحراء الخالية. والاستعدادات لبناء متحف وطني، ومكتبة وطنية ومشاريع أخرى تبدأ من بناء مدينة اعلامية تؤمن الحرية على غرار الجزيرة لكل آت اليها لتصل الى اقامة ستديوات هوليودية بخدمات مجانية للقادمين للتصوير في هذه الطبيعة البكر.
حتى الآن، كل شيء معد من الحجر الى التكنولوجيا، يبقى وصول البشر، وعدد الواصلين للدخول في يوميات هذه المشاريع وخاصة المدينة الجامعة هو الذي سيؤكد مدى نجاح هذه الهندسة الجديدة في صياغة مجتمعاتنا المستقبلية.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.