8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

حزب العمل في "غرفة العناية الفائقة"

الأزمة و"الحرب" لخلافة الرئيس ياسر عرفات، ليست أحادية، فإسرائيل تعيش أيضاً أزمة حقيقة و"حرباً" قاسية لخلافة أرييل شارون، لكن في ظروف وحالات مختلفة وقوى سياسية بعيدة عن مثيلاتها الفلسطينية.
وتقول مصادر متقاطعة غربية وعربية إن ارييل شارون ضعف وهو يزداد ضعفاً يوماً بعد يوم، لكن المشكلة الكبيرة أن لا بديل منه حالياً في اليمين الإسرائيلي، واليسار ممثلاً في حزب العمل يبدو خارج دائرة هذه "الحرب"، لأنه فقد قواه وقيادته، لكونه عملياً في "غرفة العناية الفائقة" حتى إشعار آخر. وتجري تطورات الأزمة والحرب معاً في إسرائيل على وقع أزمة اقتصادية، بدأت مفاعيلها تتجسد في استشراء البطالة التي تعمل الحكومة الإسرائيلية على حلها عبر التخلص من العمالة الوافدة، وانخفاض الاستثمارات الأجنبية انخفاضاً ضخماً، وتراجع النمو وإصابة السياسة بالشلل، الى جانب فشل شارون في توفير الأمن للإسرائيليين كما وعدهم، لا بل إن وتيرة العمليات تصاعدت ونوعيتها تطورت وعمقها الجغرافي امتد رغم جدار الفصل العنصري.
وتدور الأزمة الإسرائيلية كما تلاحظ المصادر نفسها على خلفية أزمة أخلاقية بدأت آثارها تخرج من أعماق المجتمع الإسرائيلي لتظهر على سطح صفوة هذا المجتمع كما حصل مع إعلان الطيارين الإسرائيليين رفضهم المشاركة في قصف أهداف فلسطينية محددة لأنها تؤدي الى قتل المدنيين. أما المظهر الآخر لهذه الأزمة، فهو يجري حالياً داخل حزب العمل نفسه، إذ أصبح هذا الحزب الذي حكم إسرائيل على مدار أربعة عقود، وكأنه خارج دائرة الخيارات. وتسجل المصادر أن "صرخة" ابراهام بورغ رئيس الكنيست السابق والمرشح لرئاسة حزب العمل، والتي تمثلت أساساً في مقاله "انتهاء الثورة الصهيونية" هي إعلان غضب في مواجهة خراب حزب العمل، وهي محاولة جادة لتحريض الحزب على استعادة دوره أو على الأقل لعب دور في إخراج إسرائيل من أزمتها.
وتعيد المصادر الغربية والعربية أصول الأزمة المزدوجة لإسرائيل ولحزب العمل الى ايهود باراك الذي يحاول الآن استعادة موقعه في ظل غياب كامل لقيادة بديلة داخل الحزب، فهو عندما فرض صيغة بعد محادثات كامب دايفيد وبدعم من الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون أن ليس لإسرائيل شريك بعد سقوط كامب دايفيد نتيجة لموقف ياسر عرفات، أرسى قواعد الأزمة، علماً أنه خاض كامب دايفيد في إطار قاعدة "إما أن تقبلوا كل شروطي أو لستم شركاء" أي كل شيء أو لا شيء.
أما ارييل شارون الذي كان حتى انتخابه يمثل اليمين المتطرف، فإذا به بعد تسلمه السلطة يصبح على يسار هذا اليمين فإنه يدرك جيداً أن لا بديل منه داخل الليكود، فقد اختفى منافسوه ولم يعد هناك سوى أقطاب اليمين الأشد تطرفاً الذي لا يستطيع الإمساك بالسلطة، ونتيجة لهذا الوضع ولفشله الأمني فإنه يتبع قاعدة صاغها بنفسه، "إذا لم تنفع القوة، فيجب استخدام المزيد من القوة".
وترى المصادر نفسها أن توجيه الطيران لضرب هدف معزول في سوريا، كان أكبر من "رسالة" لأن شارون يريد ويعمل من أجل لعب دور في تهميش سوريا، وبخاصة في عملية احتواء الدور السوري في لبنان وفلسطين والعراق معاً، وتضيف هذه المصادر أن شارون الذي لا يرغب بقيام دولة فلسطينية يعرف أن إسرائيل مضطرة في النهاية لتقديم هذا "التنازل"، ولذلك فإن الدولة الفلسطينية يمكن أن "تتنازل" حسب ارييل شارون ومعسكره عن نحو خمسين في المئة من الضفة والقطاع، ولأن مسألة ديمومتها سياسياً وأمنياً واقتصادياً ليست مضمونة، فإنه من الأفضل العمل لضمها للأردن وإقامة دولة واحدة.
وتنهي المصادر المتقاطعة كلامها عن الأزمتين الفلسطينية والإسرائيلية المتفاوتتين في درجة العمق والخطورة، بالتأكيد أن المشكلة الكبرى هي الولايات المتحدة الأميركية. ذلك أن أي تغيير بسيط في موقفها من شأنه تغيير الوضع لأن شارون سيفقد حكماً شبكة الأمان التي تحميه من السقوط على الأرض رغم كل لعبه فوق النار. والخطير في ذلك أن الأمل بتغيير الموقف الأميركي على يد بوش مفقود، ولذلك يجب انتظار الانتخابات الرئاسية المقبلة لمعرفة ما إذا كانت هناك فرصة حقيقية لانتخاب رئيس ديموقراطي يعيد جزءاً من التوازن للموقف الأميركي في الشرق الأوسط.
ولكن هذا لا يمنع من أن تؤدي الأزمة الإسرائيلية القائمة واستمرار الانتفاضة المسلحة الى تعميق الأزمة السياسية والاقتصادية والأخلاقية التي يمكن أن تنتج كلها تغيراً في مجرى الرأي العام الإسرائيلي باتجاه خيار إحياء الحل السياسي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00