8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

"الموقعة" الانتخابية الحامية في البحرين: المعارضة تتوقع الفوز والملك حارس التوازن

صباح اليوم السبت، موعد "الموقعة" الانتخابية التشريعية والبلدية في البحرين. ويتواجه في هذه "الموقعة" كما يقول البحرانيون عن هذه الانتخابات الحامية ديموقراطياً والهادئة في مسارها وحملاتها وشعاراتها، 207 مرشحين بينهم 18 امرأة يتنافسون على أربعين مقعداً هي مجموع أعضاء المجلس النيابي. وقد طغت الانتخابات التشريعية على البلدية، بحيث تبدو حملة الثانية مغمورة لجهة مرشحيها وشعاراتها أو كأنها الرديف الطبيعي للنيابية رغم ان نتائجها لن تكون متماثلة من حيث فوز المعارضة أو الموالاة بالمقاعد.
وهذه الدورة الانتخابية هي الثالثة في حياة البحرين السياسية، حيث كانت الأولى عام 1975 وجرى بعدها حلّ البرلمان، إلى أن حلّت الدورة الثانية عام 2002. ويبدو الفارق كبيراً بين الدورات الثلاث، ففي حين كانت التجربة الديموقراطية الأولى "يتيمة" لم تكتمل ولم تزدهر، فإن الثانية التي جرت في عهد الملك حمد بن عيسى آل خليفة فتحت صفحة جديدة لكنها بقيت ناقصة مع مقاطعة المعارضة لها بكافة ميولها وتلاوينها.
تجربة جديدة
الانتخابات الحالية مختلفة كثيراً، وهي كما تُجمع أوساط الموالاة والمعارضة، تشكّل تجربة جديدة مهمّة جداً لكنها ستبقى خاضعة للاختبار والمراقبة طوال ولاية البرلمان الجديد وهي أربع سنوات. ذلك أن المعارضة تشارك بقوة وهي تؤكد انها ستفوز بالأغلبية بنسبة لا تقل عن 21 نائباً وتصل إلى 25 نائباً في أقصى تقدير. ولا تبدو الحكومة خائفة من هذا التحوّل السياسي الذي يأتي فعلاً نتيجة لمسار ديموقراطي متوازن، إذ ان آليات السلطة التشريعية مضبوطة لمصلحة توازن مدروس بقوّة على أساس الأخذ في الاعتبار التركيبة المذهبية الدقيقة للبلاد، والمناخ الاقليمي الصعب والخطير بالنظر إلى "حالة العرقنة" وتداعياتها المحتملة.
وكانت المعارضة قد قاطعات الانتخابات عام 2002، وهي تضم أربع جمعيات (بدلاً من الأحزاب) تغطي مختلف الاتجاهات من إسلامية وقومية وليبرالية، بسبب مطالبتها بتعديل الدستور، وإعطاء البرلمان صلاحيات أوسع. واستناداً إلى أحد مثقفيها البارزين رأت هذه "الجمعيات" بعد تجربة السنوات الأربع ودراسة وافية راجعت فيها الموقف السلبي السابق، ان تطوير الحياة البرلمانية يحتاج إلى وقت وأنه لا بد من المشاركة من الداخل للوصول إلى هذه النتيجة"، ولا شك ان نجاح المعارضة في الحصول على الأغلبية في البرلمان الجديد سيفتح أمامها أبواباً كثيرة نحو آفاق التغيير والإصلاح.
خريطة قوى المعارضة
وحول رؤية المعارضة لدورها في البرلمان لجديد يقول الشيخ علي سلمان رئيس "جمعية الوفاق الوطني الإسلامي"، وهي أقوى الجمعيات: "نحن نوجّه بمشاركتنا رسالة إيجابية إلى الحكومة وهي اننا نشارك من أجل دفع الإصلاح إلى الأمام(..) وإذا وجدنا التعاون سنكون أكثر إيجابية، وإذا وجدنا تعطيلاً فإننا سنحاسبه". ويشدّد الشيخ سلمان على "ان هذه المشاركة لكي لا يظل أكثر من 40 في المئة من الشعب تحت خط الفقر بينما يستأثر عشرة بالمئة بنحو 80 في المئة من الثروات".
ويبدو جلياً ان هذه المعارضة المتعدّدة الاتجاهات والتي نمت في ظل انفتاح واقعي ومدروس من الملك "تعرف حدود المساحة" التي يمكنها التحرّك فيها، ولذلك يقول الشيخ علي سلمان بشجاعة وشفافية "نحن معارضة تعرف حدودها"، وهذه المعرفة هي التي سمحت للمعارضة بخوض الانتخابات بقوة هادئة.
ومن المهم جداً متابعة "الخريطة السياسية" للجمعيات لمعرفة توجّه البرلمان الجديد، وهي على النحو التالي:
* جمعية الوفاق الوطني الإسلامي التي يرأسها الشيخ علي سلمان وهي تمثل وسط الشيعة، وتبدو الجمعية واثقة من حصولها على 17 مقعداً في البرلمان الجديد.
* جمعية العمل الوطني الديموقراطي (وعد) وهي منبثقة من "الجبهة الشعبية لتحرير البحرين" سابقاً، ويرأسها عبدالرحمن النعيمي وهي تمثل اليسار القومي والليبرالي.
* جمعية التجمع القومي الديموقراطي ويرأسها رسول عبدالعلي الجشي.
* جمعية العمل الإسلامي ويرأسها محمد علي محفوظ.
ويقوم بين هذه الجمعيات "تحالف ضمني" يأمل الحصول على 21 مقعداً. لكن هذا التحالف لم يكتمل بسبب انشقاق "حركة حق" عن جمعية الوفاق برئاسة حسين مشيع وهي حركة متشدّدة. وتواجه هذه الجمعيات جمعية الأصالة السلفية، وجمعية "المنبر الوطني الإسلامي" وهي امتداد لحركة الاخوان المسلمين.
فوز أول امرأة
ولعل أبرز "إشراقات" هذه الانتخابات التشريعية أن المرأة تخوضها بقوة، علماً ان هذه التجربة هي الأولى من نوعها في منطقة الخليج العربي. وكانت امرأة فازت بالتزكية وستكون الأولى التي تدخل برلماناً خليجياً، وهي السيدة لطيفة القعود وهي مرشحة مستقلة عن مقعد جزيرة حوار، ويتوقع الجميع أن تفوز امرأة ثانية بمقعد آخر علماً ان المرشحة القوية السيدة منيرة فخرو (القائمة الوطنية للتغيير) تخوض معركة صعبة ضد عادل المعاودة المرشح القويّ أيضاً، وهي إما تفوز من الدورة الأولى أو تخوض دورة ثانية خاسرة بسبب توازنات المرشحين وتحالفاتهم. وفي كل الأحوال، فإن عدداً كبيراً من النوّاب السابقين سيفقدون مقاعدهم نتيجة لتراجع رصيدهم خلال أعمال ولاية المجلس المنحل.
وفي حين ترتفع شعارات كثيرة تمتد من "للوطن وبس"، يرى البحرانيون تشابهاً كبيراً بينهم وبين لبنان، فإن الشعارات الرسمية للحكومة تتمحور حول "اقتراع حرّ + مشاركة + اختيار سليم تساوي 4 أعوام قادمة من التطوّر"، أما الشعارات الأخرى للمعارضة فإنها لاتخلو من الجرأة التي تؤكد مدى الانفتاح الحاصل في الحياة السياسية البحرينية مثل: "إصدار قانون يحمي الوحدة الوطنية ويحرم التمييز الطائفي والعرقي في التوظيف" أو "التكريس القانوني لمبدأ المواطنية المتساوية الفعلية لكافة أبناء البحرين دون تفريق على أساس العائلة أو الدين أو الطائفة أو اللون، أو حتى المطالبة في بلد يشهد "فورة" هائلة في قطاع البناء بإصدار قانون يحمي أراضي الدولة ويعتبرها ملكاً للجميع وفتح تحقيق في كيفية توزيع الأراضي خلال 30 سنة الماضية.
مجلس الشورى والتوازن
طبعاً فوز المعارضة بالأغلبية في البرلمان لا يعني حصول "انقلاب دستوري كامل"، فالنظام في البحرين وإن كان نظاماً دستورياً، إلا أنه جرى ارساؤه على قاعدة من التوازن يراعي التركيبة المذهبية والسياسية في البلاد، حيث السلطة التشريعية تضمّ مجلس النواب المكوّن من 40 نائباً وإلى جانبه مجلس الشورى الذي يعين الملك أعضاءه الأربعين. ويجري اختيار أعضاء هذا المجلس من القوائم التي تتقدم بها الجمعيات والقبائل، وهو يختار منها الأعضاء الأربعين.
والملك حمد بن عيسى آل خليفة الذي يمسك بالتوازن، يراعي في اختياره هذا التركيبة السياسية والمذهبية، بمعنى أنه في حال فوز "جمعية الوفاق" بالأغلبية وانتخابها رئيساً شيعياً للمجلس، فإن الملك قد يعمد تحقيقاً لهذا التوازن إلى تغليب اللون السنّي على مجلس الشورى. والمعروف ان أي اقتراح يُقدم إلى مجلس النواب يعرض أيضاً على مجلس الشورى. ويحق للمجلس الثاني الرفض تحت بند الاشراف، وهنا يدعو الملك المجلس الوطني المكوّن من المجلسين إلى الانعقاد.
غير ان استخدام الملك لهذا الحق يظل استنسابياً أي يمكنه اعتماده بسرعة أو تأجيله إلى أجل غير محدد، مما يبقي القانون المختلف عليه معلقاً.
أياً تكن تعقيدات هذا النظام في البحرين، فإن هذه التجربة الانتخابية تبدو مهمة جداً، خصوصاً أن الاحتجاجات أو الاعتراضات على آلياتها لا تتناول شفافيتها، وإنما بعض المفاعيل السابقة عليها المتعلقة بعملية تجنيس نحو 17ألفاً، بعضهم من الذين لم يقيموا لفترة معقولة في البلاد وهم من جنسيات سورية واردنية وبنغالية، ولذلك من المهم متابعة وقائعها لأن المسار الديموقراطي كله في البحرين معلّق على نجاحها أو فشلها.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00