ساعة النجف لا تقدم ولا تؤخر. عندما تكون الساعة في بغداد الواحدة بعد الظهر، تكون في النجف ظهراً.
الساعة كما يقول أحد الشيوخ المعممين "لا يقدمها ولا يؤخرها سوى ربك، وليس صدام حسين أو غيره". لكن شيخاً آخر يذهب أبعد من هذا التفسير فيقول "الأمر ليس سوى اعلان برفض السلطة المقبورة. انها مقاومة سلبية".
النجف التي تبدو أزقتها وشوارعها ومبانيها وكأنها لم تدخل الزمن، ما زالت تعيش على وقع الخوف من ذكريات أربعين عاماً من القمع الفكري والاجتماعي، والاهمال السياسي والاقتصادي من جهة، والقلق من الحاضر وصولاً الى المستقبل، متساوية بذلك مع بغداد وباقي المدن العراقية من جهة أخرى. واذا كانت "الكربلائية" صفة ملازمة لشيعة العراق، فإن الحزن أصبح مساراً ومظهراً من الحياة اليومية في مرحلة ما بعد صدام حسين، فمجالس العزاء تكاد لا تنتهي، واللافتات السوداء المنتشرة في كل مكان هي لوائح بأسماء من قتلوا وفقدوا خلال أربعة عقود. حتى إن هناك لافتات تضم عشرات الأسماء من عائلة واحدة. ولعل العزاء الذي أقامه السيد محمد بحر العلوم يشكل مثالاً، فقد كان عزاء لأكثر من عشرين من أخوته وأبناء عمومته من العلماء والمثقفين والكادرات.
والخوف لم يخرج من لاوعي العراقيين، فكيف تحديداً بالنجفيين والكربلائيين؟! ماذا لو عاد صدام أوما يشبهه في سلطويته وسطوته؟!
يقول سيد ونحن واقفين أمام منزل السيد الإمام السيستاني "لقد تعبتم من الوقوف هنا لنصف ساعة أو أكثر. قبل اليوم، وفي هذا الزقاق الضيق، كنت مثل غيري وانا أدخل الزقاق أقرأ الفاتحة، خوفاً من أن تكون ساعتي قد اقتربت فرجال المخابرات كانوا منتشرين ومتغلغلين بين الناس يحصون أنفاسهم ويعدون أسماءهم، وكم من الأخوة الطلاب افتقدناهم في اليوم التالي ولم نجد جواباً لغيابهم سوى النظرات الشرسة والساخرة من هؤلاء الرجال بلا قلوب. يا استاذ هل تعلم أن روكان التكريتي كان مثل المفوض السياسي على النجف، اشارة منه تقدم ساعة انسان الى الموت أو تؤخرها؟!".
اليوم، الطلاب يتوافدون بالعشرات، ويدخلون دار السيستاني والمراجع الآخرين طلباً للعلم والتبحر في الفقه. لكن حسب "سيد" من أهل دار السيستاني، وآخر من دار الشيخ محمد الخاقاني "يلزمنا ويلزمهم الكثير، لا شيء متوافر حتى الآن، كان النظام البائد يراقب كل سطر يخرج من النجف، وكان يحرمنا من طباعة وتوزيع كتب الفقه، وكان يمنع بناء البيوت للطلاب ويبني الفنادق لتشجيع السياحة طمعاً بالمال وفي الوقت نفسه يغرق المدينة بالاهمال، حتى اذا جاء السائحون والزائرون، تذمروا من الأوساخ وامتنعوا عن الاحتكاك بالناس، فتتحول النجف الى أسير في قفص زجاجي يتفرج عليها القادمون ولا يلمسونها أو يلامسوها". ويقول الشيخ الخاقاني: "كان لمحاولة النظام السابق تهميش النجف الأثر الفعال في تقليص الحركة العلمية".
ولا يذهب النجفيون في انفتاحهم الى درجة الكلام عن استعادتها للحياة اذ يقولون: "لا يمكن الحديث عن استعادة النجف لحيويتها العلمية السابقة الا اننا نرجو ذلك". ويتابع سادة وطلاب واساتذة التقيناهم في مختلف الدور وفي الصحن الشريف "عودة النجف الى حياتها، يلزمها الأمن والاستقرار، وهذا ليس متوافراً في كل العراق، وهنا لدينا خصوصياتنا ومشاكلنا الأخرى. صحيح أن الأميركيين خارج النجف بنحو عشرين كلم أو أكثر، الا أن حضورهم غير المرئي قائم في وعي النجفيين مثلهم مثل باقي العراقيين".
القلق سيد الموقف
والواقع أن النجف ما زالت تعيش على وقع صدمة اغتيال السيد عبد المجيد الخوئي في الصحن الشريف. ومن الطبيعي ان تشكل هذه "الحادثة" حالة خاصة، واذا ما أضيف اليها التنافس والتزاحم الى درجة الصراع الحار بين قوى متعددة، فان القلق يبدو سيد الموقف. فماذا لو تطورت الأمور، ووصلت الى اشتباكات ولو محدودة. في بدايات النجف الأولى بعد الاحتلال، جاءت العشائر وفكت الحصار عن منازل المراجع الأربعة وهي: الامام السيد السيستاني، وآية الله محمد سعيد الحكيم وآية الله بشير النجفي وآية الله اسحاق فياض ولا شيء يمنع حصول شيء من هذا القبيل اليوم أو غداً، خاصة وان قوى كثيرة منها بقايا النظام البائد تريد ذلك. ويقول شيخ عالم له مكانته: "ظاهرة مقتدى الصدر ما كانت لتقع لولا وجود اغراب والسلاح. نعم يوجد حالياً الخوف من مواجهة مسلحة، والقلق من الاحتكام الى السلاح. لذلك يجب انتظار قيام الدولة، لسحب السلاح ومنع الاحتكام اليه". وفي شوارع النجف ألصقت مناشير كثيرة موقعة من "المرجع الديني السيد محمد سعيد الطبطبائي الحكيم" تقول: "الحذر، الحذر من العنف والتطرف الذي قد يجير للعداء والصدام بما لا تحمد عقباه ولا نجني منه غير الضرر والمآسي التي أجهدتنا وأنهكتنا". والمنشور الأخير موقع بتاريخ 16/صفر/1424.
واذا كان رياض النوري اليد اليمنى للسيد مقتدى الصدر يقلل من عملية اغتيال السيد الخوئي لانه وجماعته هم المتهمون بالعملية ويعتبر ان ما وقع له، جناه على نفسه، وانه هو يعرف تكليفه وما اذا كان فعله صحيحاً أم لا، فهو مسؤول أمام الله"، فان الآخرين لا يقولون قوله. فالسيد رضا السيستاني ابن الامام السيستاني قال لنا: "لا مشكلة تحت عنوان مقتدى الصدر". لكنه يضيف بعد الحاح: "تعرفون قدسية الصحن الشريف ومن يمارس هذا الفعل لا يمكن ان يكون محسوباً على التشيع. انهم اشرار!".
ويذهب أبو رياض المهندس الناطق باسم حزب الدعوة الى القول: "اغتيال السيد الخوئي كان ظلما وليس في محله، لانه لم يرتكب جرماً يستحق عليه القتل"!
والسيد عبد المجيد الخوئي، ليس مجرد سيد فهو ابن الامام الخوئي الراحل وهو الذي كان يدير ارثه. واذا كان البعض يرى انه استعجل المجيء الى النجف لكي يزرع باكراً"، فان البعض الآخر يرى في اغتياله "الشجرة التي تخفي غابة الصراع على النفوذ في الحوزة". وفي الكلام الذي يدور، يفضل النجفيون اغفال اسماء، لانهم لا يريدون "المشاركة مباشرة في اذكاء النار وانما اطفاؤها، ولا زيادة الحساسيات وانما تخفيفها". ويفضل العديد من "النجفيين" الحديث عن القوى الناشطة فيشيرون على سبيل المثال الى الصدريين سواء المنتمين منهم الى الشهيد الصدر الأول أو الثاني، أو المنضوين حالياً تحت "طاعة السيد مقتدى الصدر". ولا شك في أن الأخير، يضم في مجموعته "شباب النجف الشرسين الذين يرون انهم على حق والآخرين على ضلال". وهم كما يقول السيد رياض النوري "يجسدون الحوزة الناطقة وهي الحوزة التي تسعى الى الناس ليأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر وتبليغ الأحكام الشرعية". وهي تأخذ "بشرع الإمام الصدر الثاني وتلتزم السيد الحائري".
واذا كان بعض خصومهم يشبهونهم بـ" الطالبان الأفغان"، وهو اتهام فيه مغالاة في الخصومة السياسية، فان اطرافاً أخرى على خلاف معهم ترى "ان العديد من الحلقات الملتفة حول السيد مقتدى الصدر لها تاريخها في النظام القديم تحت اشراف وادارة روكان التكريتي، وعلى الرغم من ذلك ما زالوا يتحركون حوله ويرمون الزيت على النار للثأر لسقوط النظام، وان حلقات أخرى لها مصالحها في ضرب الأطراف بعضها ببعض لكي تبقى قوية تلعب على وتر التصلب لدى الصدر. ويتساءل البعض من أهل دار السيستاني عن "شباب لا علم لهم فكيف بالأعلمية في شؤون وشجون الناس حتى ولو اعتمدوا على رسالة الشهيد الصدر الأول والصدر الثاني"! ويختم السيد الكشميري وهو صهر الامام السيستاني وممثله في اوروبا الكلام بقوله: "ماكو مجال للمقارنة بين السماء والأرض. الحوزة التقليدية هي الحوزة الرئيسية وممثلة بوجود المراجع وعلى رأسهم الامام السيستاني والعلماء".
والمشكلة ان السيد مقتدى الصدر وبعيداً عن طموحه الكبير لوضع يده على الحوزة في النجف وادارتها، والتي تحيطه بخصومات علنية، على خصومة حادة مع السيد آية الله محمد باقر الحكيم زعيم المجلس الأعلى للثورة الاسلامية. فقد سبق للسيد الحكيم أن هاجم والده الشهيد الصدر الثاني واتهمه بأنه "صنيعة للنظام الصدامي". وقد وقعت مواجهات حادة في قم نتيجة لهذه الاتهامات، خاصة بعد اغتيال السيد الصدر. ولذلك فان رياض النوري يقول رداً على سؤال حول الرغبة باللقاء مع السيد الحكيم وهو عائد من منفى قسري استمر ثلاثة عقود: "لم يزرنا السيد. ونحن نرغب بلقاء كل من يدعو الى الوحدة، ولكن بشرط أن يكون ضمن المنهج الصحيح. دون ذلك لا لقاءات". والجواب بالنفي واضح على الرغم من كل المبالغة في التخفيف من الرفض.
وخطورة هذا العداء انه ينعكس سلباً على علاقات عائلتين علميتين عريقتين في النجف هما: آل الحكيم وآل الصدر، وهذا يمكن استثماره في لحظة معينة في صدامات لا تحمد عقباها. ومما يعزز هذه المخاوف أن السلاح منتشر بين جماعة الصدر ومن الطبيعي أن يكون بين أيدي جماعة الحكيم خاصة وان "لواء بدر" وان كان لا يحمل سلاحاً ثقيلاً الا أنه يمتلك مجموعات ملتزمة ومدربة وجاهزة.
"عاصمة" الحوزات
اذا كانت الخلافات تعصف بالاطراف النجفية، وتهدد أمن واستقرار النجف، فان امراً لا خلاف عليه بين الجميع وهو ان النجف يجب ان تستعيد مكانتها ودورها واشعاعها العلمي. والجميع يعترف بأن قم أخذت مكانة النجف، لأن الجمهورية الاسلامية في ايران وضعت كل امكاناتها في خدمة عملية اغناء الحوزة وتغطية حاجاتها من مبانٍ وحريات علمية وكتب فقهية.
السيد رضا السيستاني يرى أنه لا يوجد تنافس بين النجف وقم، مضيفاً أن "التعددية هي في سبيل الاغناء، واستعادة النجف لإشعاعها، وهذا لا يسحب شيئاً من قم. فلكل من المدينتين والحوزتين مكانتها ودورها". بدوره ينفي رمضان النوري "صحة الكلام عن استعادة النجف لدورها من قم". أما السبب فهو في رأيه "أن الحوزة هي التي تتمثل بالمرجعية، واذا كانت بالحوزة المرجعية الاعلم، فان الدور يصبح في ذلك المكان". وبهذا التعريف فان الاجماع على المرجعية يصبح أساساً لمكانة الحوزة وأولويتها على باقي الحوزات.
والخلاف حول استرجاع النجف لمكانتها كما يرى الشيخ الوكيل أمين عام حركة الوفاق الاسلامي "لا يعني استرجاع سلطة من قم. وليس كل من يسكن النجف أو سيسكنها مخالفاً للجمهورية الاسلامية في ايران. هناك مؤيد وهناك مخالف لدى علماء الدين، وبصرف النظر عن مسألة الخروج عن هيمنة ولاية الفقيه، ان تكون النجف وكربلاء محطتين مهمتين للحوزة العلمية الدينية".
اما الشيخ الخاقاني، وهو الأوضح في طرحه، فانه لا يتوانى عن القول بوجود أو رؤية "خطة لدق إسفين بين النجف وقم. في كل مكان توجد حوزات وهي علامة مشرقة وصحية وجيدة". وبعد هذه الانطلاقة الاتهامية، يعود الشيخ الخاقاني ليضع النقاط على الحروف موضحاً أهمية عودة النجف لمكانتها ودورها: "النجف تتميز بأنها مدينة عربية وعندما تنصهر القوميات والألسن الأعجمية في بؤرة عربية وفي معهد عربي، يكون هناك وضوح في التفكير لدى غير العربي". ويضيف الخاقاني محدداً الفارق مع قم فيقول: "في النجف يتم الانصهار في الكلمة العربية والاحساس بها، وهو انصهار غير متيسر في قم أو غيرها". ويختم الخاقاني رأيه فيقول: "من يزور قم يجد أنه يوجد هناك خطان في الفهم: الخط الفارسي المحض، والخط العربي او الذي تربى في احضان البوتقة العربية النجفية".
الديموقراطية تبقى مهددة بشبح إقامة جمهورية اسلامية على قاعدة ولاية الفقيه. فكلما ظهرت صورة معمم او عالم على شاشة التلفزيون في العالم، خرجت الأصوات محذرة من نظام العمائم والمد الشيعي الاصولي الذي يجتاح العراق، وخطورة تحول جنوب العراق الى "جسر" لايران في المنطقة، وبدلاً من أن تكون الأخيرة محاصرة بين فكي الكماشة الأميركية بين افغانستان والعراق، تصبح هي الخطر المقلق للغرب قبل العراقيين.
ويختصر الشيخ الوكيل الامين العام لحركة الوفاق الاسلامي الوضع بشكل واضح قائلاً إن التوجه الفكري والسياسي لكل الحركات الاسلامية التي تعمل في العراق هو اقامة نظام ديموقراطي يعتمد الاسلام مصدر تشريع اساسي للسلطة، ويضيف الشيخ الوكيل الذي تأخذ حركته بولاية الفقيه الراحل آية الله الشيرازي: "الجميع يعتقدون ان المرحلة تقتضي حكومة ديموقراطية تعتمد التوجهات الدينية والقومية والسياسية".
أما رضا السيستاني فانه يرى ان "الظروف في العراق مختلفه عن ايران"، ويضيف: "اذكر ان السيد عبد الاعلى السيزواري الذي توفي بعد الامام الخوئي، وهو أحد المراجع الاجلاء الذين يأخذون بولاية الفقيه قال: عندما تكون الأمور مهيأة يمكن تطبيقها، والظروف في العراق غير مهيأة".
بدوره فإن رياض النوري وهو اليد اليمنى للسيد مقتدى الصدر، يرى "ان الولاية هي لأعلم الاحياء". ويتابع السيد النوري كلامه في شأن الموقف من ولاية الفقيه واقامة جمهورية اسلامية فيقول: "في عهد السيد الشهيد (أي والده الصدر الثاني) لم يروا في ايران ما نعاني، فكيف تكون ولاية آية الله الخامنئي نافذة علينا ولا نستطيع أن نطبقها". وفي ما يتعلق بالجمهورية الاسلامية، يكتفي النوري بالاعلان عن "أمله بقيام مثل هذه الجمهورية في العراق" ويستدرك "نحن لا نسعى الى الكرسي، لكن اذا جاءت السلطة فلا نمنعها أمام سعينا اليها فكلاّ".
ويعترف الشيخ الخاقاني بداية "ان اقامة جمهورية اسلامية على النمط الايراني ليس من السهولة كما حدث في ايران، اذ توجد اختلافات موضوعية منها تعدد الديانات والقوميات والأقوام" أما ولاية الفقيه، فان الشيخ الخاقاني يعتبرها: "مسألة اجتهادية مفتوحة"، ويتابع "كلامه مستنداً الى الماضي وكأنه يجعل من هذا الاجتهاد وتطبيقه امراً صعباً، لا بل اذا أخذ بباطنه يصبح مستحيلاً لأن المسألة متعلقة بعودة الإمام الغائب. ويقول: "ان دور الفقيه يقتصر خلال غيبة الامام على المسائل الحسبية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وترك السياسة للسياسيين، باعتبار ان اقامة دولة اسلامية لا تنعكس تصرفات رجالها أو اخطاؤهم على العقيدة أو الشريعة. حجر الزاوية في هذه المسألة هو الشخص الذي يستطيع ان يقيم دولة اسلامية كنموذج دولة الخلفاء الراشدين مثلاً".
حتى ان آية الله السيد محمد باقر الحكيم العائد من ايران حيث كان يتبع له لواء بدر الذي قاتل الى جانب الحرس الثوري ضد الجيش العراقي خلال الحرب الايرانية ـ العراقية، يقول بعدما عاد الى النجف: "البعض يقول ان الشيعة يريدون الاستيلاء على السلطة، هذا غير صحيح على الرغم من اننا نمثل الأغلبية، كل العراقيين ضحوا بدمائهم ولا نريد حكومة قبلية. نريد دولة عصرية!" أما أبو رياض المهندس الناطق باسم حزب الدعوة القائم على فكر السيد الشهيد الصدر الأول فيقول: "نحن لا نريد نموذجاً معبراً عنه في الخارج، نحن نريد للعراقيين ان يشكلوا حكومتهم ونموذجهم بأنفسهم وفي سياقات الارادة العراقية المعبر عنها في صناديق الاقتراع وليس باستيراد نموذج من هنا أو هناك نحن لسنا مع استنساخ أي نموذج".
ويرفض "المهندس" الانتماء أو رفض ولاية الفقيه فيقول: "الشعب هو الذي يختار الحكومة التي يريدها، وهذا ليس موجوداً في زماننا السياسي".
وينهي الدكتور أحمد الجلبي رئيس المؤتمر الوطني هذا الرفض "للاستنساخ" بوضع اطار سياسي للعلاقات العراقية ـ الايرانية فيقول: "العراق لن يكون مقراً ولا ممراً للتآمر على ايران "وهناك أرضية للتفاهم على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل من الآخر".
ويعيد "سيد" من داخل النجف وخارجه، موقف المرجعية من اقامة جمهورية اسلامية الى كونها "لا تريد ان تتدخل في الصيغة السياسية للعراق، وانها تريد ان تترك لمختلف المشارب والحساسيات الالتقاء على مشروع وطني يحترم الاسلام كعقيدة وشريعة وثقافة، ولذلك كله ركزت المرجعية منذ البداية على عدم الدخول في السجال والدعوة الى الهدوء ولم تستفزها مواقف وممارسات انفعالية، وهذا التصرف كان له اثره لدى السيد محمد باقر الحكيم عندما عاد الى النجف ودعا الى حكومة ديموقراطية". ويختم "السيد" المطلع ايضاً على موقف طهران رأيه بالقول: "ان وضع الحكيم مسافة بينه وبين الشأن السياسي وقبوله بالعودة الى السباق الحوزوي، قد تم بموافقة ايرانية، وهو تم بنصيحة من المحافظين لأن خيارهم مراعاة خصوصيات العراق الوطنية".
ويؤطر مثقف عراقي معروف وعلى احتكاك بالنجف واجوائها هذا الموضوع فيقول: "هذا الموقف الذي يتراوح بين الرفض الكامل والتحفظ الشديد عن قيام جمهورية اسلامية وعدم الأخذ بولاية الفقيه، يعود الى جملة عوامل منها أن استعادة النجف لموقعها ودورها يعني أساساً تعدد المرجعيات، وولاية الفقيه تجعل من الولي الفقيه وولايته المطلقة قيداً مانعاً على ذلك. هذا هو الخلاف من الأساس. الى ذلك فان خصوصية العراق الدينية والمذهبية والعرقية تنفي هذا المبدأ ولو كان الشيعة أغلبية فإنهم ليسوا الشعب العراقي، اذ يوجد السنّة اضافة الى الأكراد الذين لهم زعاماتهم التقليدية والتاريخية والاجتماعية والسياسية وهم حكماً يرفضون بالمطلق مبدأ الولاية وبطبيعة الحال الجمهورية الاسلامية. وأخيراً فان الوطنية العراقية هي في أعلى درجاتها، الى جانب أن العراقيين مشتاقون الى الحرية بكل تفاصيلها وممارساتها خاصة السياسية منها، والديموقراطية ليست مجرد شعار حالياً في العراق وانما هي مطلب شعبي عام لا يمكن لأي طرف سياسي الخروج عنه أو الوقوف في وجهه".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.