دار السيد مقتدى الصدر ومكتبه تقوم في الزقاق الموازي لدار السيد الإمام السيستاني، والدخول حر وبلا إجراءات. وفي الصحن الداخلي للدار التي تشبه باقي الدور، قاعة كبيرة مع شرفة دائرية علقت على جدرانها لافتات كبيرة كتب عليها "موكب شهداء شباب النعمانية يجدد البيعة لمكتب سماحة السيد محمد الصدر"، وقد رسمت صورة للشهيد السيد محمد الصدر الأول وسط شمس مشرقة، في اشارة الى التواصل والترابط بين الصدر الأول والصدر الثاني والد السيد مقتدى الصدر، ذلك ان الشرعية التي يعمل بموجبها في هذه الدار، شرعية تاريخية ومتواصلة. وفي لافتة أخرى نقرأ "عشيرة آل جويبر في بغداد والبصرة وميسان وذي قار تجدد عهد ولائها الى مكتب سماحة السيد الشهيد محمد الصدر وتحت طاعة السيد مقتدى الصدر". والكلام مدروس بعناية كون "الولاء مرتبط بالسيد الشهيد محمد الصدر، من دون تحديد أي من الشهيدين، والطاعة للسيد مقتدى".
خلية نحل حقيقية في الداخل، عشرات الداخلين والخارجين، والكل يحمل سؤالاً أو استفساراً، وفي زاوية ضيقة جلس السيد رياض النوري وهو في الثلاثين من عمره وأمامه طاولة صغيرة (طبلية) يضع عليها أوراق السائلين وتحميه من السائلين المتزاحمين. جلسنا الى جانبه، وبعد حديث جانبي دار الحوار مع النوري باعتباره الناطق باسم مقتدى الصدر ويده اليمنى "الفعلية" علماً ان السيد مقتدى الصدر يتجنب الصحافة وهو يعد لصلاة الجمعة التي يحتشد فيها عشرات الألوف.
إجابات السيد رياض النوري تتسم في ظاهرها بالبساطة لكنها في عمقها تدل على وعي مدروس للسقف الذي يمكن التحرك تحته في ظل الوضع الصعب الذي تعيشه النجف. أكثر من ذلك عندما ردّ على سؤال حول الأخذ بولاية مرشد الثورة الإيرانية السيد آية الله علي خامنئي، قال إن ولاية خامنئي ليست نافذة على العراقيين، ثم أوضح كلامه الشفوي بكلام خطي جاء فيه "هذا أمره راجع الى أعلم الأحياء فهو الذي يقرر ذلك". وأعلم الأحياء في نظره هو السيد كاظم الحائري. أما في شأن العلاقة بالأميركيين والموقف منهم فإن القائل بعدم فصل الدين عن السياسة وان التسييس هو للرقي بالمجتمع "لا يعرف ما يدور وراءهم ولا يعرف نواياهم".
ما هو موقفكم الآن من مسألة التمييز بين "الحوزة الناطقة" و"الحوزة التقليدية"؟
ـ طبعاً الرسول (ص) كان مبلغاً من قبل الله سبحانه وتعالى وكان هذا التبليغ إلهياً، أي ان الدعوة لا بد ان تكون لجميع الناس ولجميع الطوائف سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة. طبعاً الحوزة الناطقة هي الناطقة بصوت الرسول (ص) وصوت الأئمة (ع). فإنّهم (ع) لم يجلسوا في الدور حتى تأتيهم الناس وتسألهم. لا بالعكس المفروض ان رجال الدين أو الحوزة الناطقة هم الذين يسعون الى الناس ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، وكذلك تبليغ الأحكام الشرعية مثال السيد الشهيد (قدس الله نفسه)، الى آية الله محمد باقر الصدر الذي قال: الحوزة كالأم، هناك أُمّ أحياناً تقدم الطعام لأولادها من دون ان تجعل معه مقبلات، وهناك أُمّ أخرى تقدم مع المقبلات الطعام لأولادها.
من الأفضل في نظرك ان تجعل له مقبلات؟
ـ طبعاً، أكيد ان الأفضل هي الأم التي تقدم مقبلات حتى ترغّبهم في الطعام والأكل. كذلك الحوزة الناطقة التي لا تجلس في محلها وإنما تخرج الى الشارع وتتصدى في الشارع وتعايش هموم الآخرين وتشعر بما في دواخلهم. أما الحوزة الأخرى فهي التي فيها هم جالسون في أماكن، ينتظرون ان يأتيهم السائلون ما يسألهم الله. فنحن لا نكتفي بذلك، نحن أيضاً ترانا فاتحين هذا المكان أي الحوزة التقليدية، من يسألنا ويأتي أهلاً وسهلاً، ومن لا يسأل نحن نبلغه بالأحكام الشرعية هذه.
وعندما يطلبون منكم فتاوى شرعية، على أي أساس تستندون لإصدار هذه الفتاوى؟
ـ طبعاً هناك فقيه وهو السيد الشهيد (قدس) الذي كان مجتهداً في حينه وأرجعنا الآن الى مرجع آخر وهو قال من بعدي على الإطلاق السيد كاظم الحائري. السيد كاظم الحائري الآن قال: يجوز البقاء على تقليد السيد. وعندما نجيب الآخرين، نجيب ضمن فتاوى السيد الشهيد (قدس)، وفي المستجدات التي لم تكن في رسالة السيد الشهيد نرجع للسيد كاظم الحائري.
أنتم لا تفتون في الأمور الشرعية التي تتجاوز الفتاوى التي قالها المرجع؟
ـ طبعاً الفتوى لا بد ان تصدر عن مجتهد جامع للشرائط وهو الحاسم الشرعي أو الممتد. هذا الحاكم الشرعي هو الأعلم على الإطلاق وهو السيد الشهيد محمد الصدر ونفتي ضمن فتاواه ورسالته عملية المكوّنة من خمسة أجزاء. فأي سؤال يُعرض علينا نجيب عليه من هذه الرسالة العملية. لو كانت هناك أسئلة غير موجودة نرجع بها الى السيد الكاظم الحائري الأعلم على الإطلاق في الوقت الحاضر ونفتي برأيه، لا برأينا. وكل ما هناك نكون ناقلين للفتوى.
بالنسبة للوضع العام، أنتم تتميّزون أيضاً بكونكم مع الناس تأخذون بالعمل السياسي وتتابعون الوضع السياسي في البلاد. فما هو موقفكم من الوضع في العراق؟
ـ نحن نعلم أن الدين لا يفترق عن السياسة. الدين هو السياسة ولا فصل بينهما وكلّ ما هنالك ان الحكام الذين كانوا في السابق هم الذين أجبروا الشيعة على ان يتنحوا عن السياسة ويكون عملهم دينياً بحتاً وإلاّ لا فصل بينهما. الدين هو السياسة وكذلك السياسة هي الدين. فالآن نحن نمارس هذه الأعمال، نمارس صلاة الجمعة. صلاة الجمعة شعيرة دينية إلاّ ان منبرها منبر سياسي. ما هي السياسة؟ السياسة هي معالجة مشاكل المجتمع والتسييس هو للرقيّ بالمجتمع الى أفضل المستويات.
الآن مشاكل المجتمع العراقي هي غياب السلطة والاحتلال، فما هو رأيكم في تشكيل السلطة؟
ـ في الوقت الحاضر نحن لا نرغب بذلك لأن هناك محاذير كبيرة جداً. أمّا في المستقبل فإن شاء الله تعالى إذا عُرِضت على السيد حفظه الله يكون الوجوب وجوباً عينياً.
ماذا عن العلاقة بالأميركيين والموقف منهم؟
ـ الآن قلت لك، لا نعرف ما يدور وراءهم ولا نعرف نواياهم. الآن نحن نترقب كالواقف على التل ينظر ماذا ستؤول اليه الأمور وعندها لكل حادث حديث.
هل النجف يجب ان تعود عاصمة للمذهب الشيعي وتستعيد دورها من قمّ الذي فقدته بسبب نظام صدام ووجود الإمام الخميني؟
ـ أنا لم أفهم السؤال.
الكلام الآن أن النجف يجب أن تستعيد دورها كعاصمة للعلم وكعاصمة للمذهب الشيعي بعد أن كان هذا الوضع خلال العشرين سنة الماضية لمصلحة قم؟
ـ هذا الكلام ليس صحيحاً، لأن الحوزة هي التي تتمثل بالمرجعية، والمرجعية إذا كانت هناك مرجعية فيها الأعلم على الإطلاق لدى كل المجتمعات، فعندئذٍ تكون الحوزة في ذلك المكان. والحمد لله النجف كان فيها أعاظم العلماء الى وقت قريب. السيد الشهيد محمد الصدر كان أعلم الفقهاء في النجف لكنه لا يستطيع أن يُمارس دوراً فعلياً بصورة مطلقة. إذا بقينا من الأحياء إن شاء الله تعالى وجاء الحاكم الشرعي الفعلي وهو السيد كاظم الحائري الى هذا المكان، (فعندها) نستطيع ذلك (بفضل) الأول بالوكالة.
يقال أن الكثير من المراجع والعلماء في قم يرغبون بالمجيء الى النجف لاستعادة حريتهم؟
ـ أهلاً وسهلاً بهم، نحن لا نمنع أحداً ما دام العراق بلد الحرية وبلد الأئمة (ع)، ونحن لا نطرد أحداً ولا نقف في وجه أحد. أهلاً وسهلاً على كل حال ما دام فيهم الخير.
ما هو موقفكم كمرجعية ناطقة من ولاية الفقيه؟
ـ نحن الآن نعتقد بأن ولاية الفقيه هي للأعلم كما أشار السيد الشهيد (قدس) ومتى حضر هذا الأعلم سيكون هو الولي.
وإذا لم يكن الأعلم؟
ـ لا بد أن يكون هناك أعلم في كل وقت وهذا الأعلم يكون ولياً.
المبدأ مربوط حالياً بالنظام في إيران وليس بالأعلم؟
ـ هم مطلعون على ما في داخل إيران لكن لم يطلعوا ما في داخل العراق وخصوصاً في الوقت السابق عندما كان هناك في عهد السيد الشهيد تعتيم إعلامي. في حينه لم يروا ما نعاني، فكيف تكون ولايته نافذة علينا ولا نستطيع أن نطبقها وعندها تكون الولاية للسيد الشهيد الذي كان يرى نفسه هو الولي ويعترف بتلك الولاية.
ولاية السيد خامنئي نافذة عليكم؟
ـ في الوقت الحاضر كلا باعتبار أن هناك الكثير من الأمور لم يطلعوا عليها. (وقد أضاف الى ذلك كتابة: هذا أمره راجع الى أعلم الأحياء فهو الذي يقرر ذلك).
بالنسبة للجمهورية الإسلامية هل تعتقدون بوجوب قيام جمهورية إسلامية في العراق؟
ـ نأمل ذلك.
تأملون، لكن هل تعملون لذلك؟
ـ إذا أراد الله شيئاً يكون.
ولكن الله تعالى يقول أيضاً أعقل وتوكل، فهل تعقلون وتتوكلون؟
ـ إن شاء الله تعالى، نحن لا نقف عند حد والدليل على ذلك أننا نسعى وإن شاء الله تعالى الخير يأتي.
هل تسعون الى ذلك مع باقي الاتجاهات والتنظيمات؟
ـ نحن لا نسعى الى الكرسي ولكن نسعى الى تثقيف المجتمع وحل مشاكل المجتمع فإن جاءت السلطة فلا نمنعها أما سعينا اليها فكلا.
ما هي علاقتكم بباقي القوى والمنظمات؟
ـ الآن لا نتدخل مع أحد ولا ندعم أحداً لأن هذه الأحزاب لا نعرف نواياها حقيقة، فإن شاء الله تعالى في المستقبل القريب لعلنا نعرف نوايا البعض. فهذه النوايا إذا كانت حسنة وضمن التدين وضمن الشريعة الدينية فأهلاً بهم وسهلاً.
هل تصالحتم مع السيد محمد باقر الحكيم؟
ـ لم نره حقيقة.
لم يزركم؟
ـ لم يزرنا.
ولا ترغبون في لقائه؟
ـ نحن نرغب بكل من يدعو الى الوحدة ولكن بشرط أن يكون ضمن المنهج الصحيح. دون ذلك لا لقاءات.
هل تعتبرون أن مجيء السيد الخوئي الى النجف كان ضمن المنهج الصحيح؟
ـ هو أعرف بتكليفه، نحن لا نملي على أحد بأن هذا صحيح أو هذا خطأ، هو يعرف تكليفه. هل إن الذي فعله كان صحيحاً أو لا؟ هو مسؤول أمام الله.
ولكن يبدو أنه دفع ثمن هذا الرأي.
ـ هذا ما جناه لا أقل ولا أكثر.
هذا ما جناه عليه من؟
ـ هو نفسه، قلت لك إنه أعرف بتكليفه فحصل ما حصل.
معنى ذلك أنه أخطأ بمعرفة تكليفه؟
ـ الله العالم، قد يكون مخطئ وقد لا يكون مخطئ، هذا لا نقرره نحن.
هل لأنه جاء على دبابة أميركية كان مخطئاً بذلك؟
ـ لم نره حقيقة ولما توفي رحمه الله لم نره. ولم يحب أن يلتقي بنا أصلاً.
كيف تنظمون العمل في الحوزة الآن؟
ـ ضمن الضوابط، وهذه الضوابط إن شاء الله تعالى أن يكون هناك مسؤول عن كل شيء. هناك مسؤول عن الأموال، هناك مسؤول عن الإستفتاء، هناك مسؤول عن رد السرقات.
وهل لديكم لجان لإدارة شؤون البلدية، أم تتركون هذه المهمة للآخرين؟
ـ لا طبعاً سعينا الى ذلك والحمد لله حصلت نتائج كبيرة وجيدة مثل إعادة الكهرباء والماء وغيرها وكذلك المستشفيات.
تشاركون في العمل اليومي لإعادة تأهيل البنى التنظيمية؟
ـ طبعاً طبعاً هذا هو واجب الحوزة.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.