الشيخ محمد الشيخ سلمان الخاقاني، يمثل كما يقول عارفوه، تراثاً علمياً قائماً على انتمائه الى عائلة خرّجت عدداً كبيراً من العلماء، ووالده كان عالماً وأديباً ووجيهاً في الوقت نفسه، والشيخ الخاقاني، كوالده وباقي أفراد عائلته، يتعامل بمرونة كاملة في علاقاته مع الجميع، سواء في الحوزة أو في جنوب العراق أو في خوزستان في إيران، وذلك في اطار امتدادات العائلة والإرث العلمي الغني. وينتمي الى المدرسة الاخيارية بين المدرستين الفقهيتين علماً ان الثانية هي المدرسة الأصولية. وعلى الرغم من ان المدرسة الأولى لا تقول بالاجتهاد، فإن ذلك لم يمنع وجود مجتهدين فيها.
الشيخ الخاقاني، لا يخرج عن تواضعه فيقول انه أحد طلاب مدرسة النجف العلمية، على الرغم من انه استقبلنا في مركز يضم جامعة ومدرسة تابعة لعائلته ووالده، وذلك قبالة منزل آية الله السيد محمد سعيد الحكيم. وفي الحوار الذي أجريناه معه، خرج الشيخ الخاقاني الذي درس على يدي المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ صادق الجعفري وغيرهما ويعمل مع السيد السيستاني، عن التحفظ الذي يسود الخطاب لدى المشايخ فجاء كلامه عن النجف الأوضح، مما يشكل شهادة غنية بالنظر الى الالتزام الوطني والفكري فيها.
مولانا، بداية، تبدو النجف وكأنها استعادت حيويتها وحياتها، هل يعني ذلك ان النجف ستستعيد دورها أيضاً من قم؟
ـ ما من شك ان النجف في العهد المُباد السابق، عانت الكثير من الاضطهاد ومن شلل الحركة العلمية فيها، خصوصاً بعد وفاة الإمام المرحوم آية الله السيد الخوئي. كان للتسلّط عليها، ومحاولة السلطة تهميشها الأثر الفعّال في تقليص الحركة العلمية في مدينة النجف، وكانت لذلك أساليب عدة. الآن وقد أُطيح النظام لا نستطيع ان نقول ان النجف استعادت حيويّتها العلمية السابقة التي كانت قائمة قبل مجيء النظام الى السلطة. إلاّ انها ترجو ان تستعيد ذلك النشاط لأن البلد يعيش الآن في فوضى عارمة وهو يكاد ان يكون كالشظية المنطلقة من قنبلة منفجرة لا تهتدي الى موقعها إنّما يقودها اللاّاختيار في اتخاذ الموقع الذي تستقر فيه. النجف في عمومها سواء في مدرستها العلمية أو في عموم شارعها، حينما وجدت نفسها منفلتة من ذلك الزمام لا تكاد تستقر على رأي الآن، ولا نستطيع ان نقول إنها استطاعت ان تعود الى سالف عهدها العلمي لأن عودة الحركة العلمية والنشاط الثقافي في النجف يحتاج الى استقرار ويحتاج الى هدوء ويحتاج الى بناء علاقات جديدة تستند على أسس قوية. فهي الآن ربما تكون إن صحّ التعبير في دور نشوء ونرجو ان تستعيد ذلك المجد المتألق. وذلك لا يعني ان النجف قد انتهت إبان الحكم المباد، بل النجف بقيت مستمرة ونشطة وإن كانت نسبة النشاط أو نسبة الاستقرار ليست بالدرجة العادية كما كانت إلا انه بقيت على كل حال تصارع الظروف القاسية وتقف بوجه التيارات في رفضها لسيطرة الحكام وتمرّدها على محاولات التهميش التي أرادها النظام لأنه أحسّ ان صوت النجف، صوت مدرسة النجف الاجتهادية، يشكل خطراً على نظامها.
ما هو الفارق الآن، هل توجد منافسة إذا صحّ التعبير بين النجف وقم؟
ـ كثيراً ما يُطرح هذا السؤال الآن. أنا لا أدري ما هي الأغراض وكأن هذا السؤال ليس عادياً أو انه مرسوم. هل هي محاولة لدق اسفين بين حوزة قم أو مدرسة قم العلمية ومدرسة النجف العلمية.. كثيراً ما يُسأل هذا السؤال! المسألة طبيعية في نظري. المدرسة العلمية أينما وُجِدت لا تخرج عن إطارها العلمي الاجتهادي الفقهي، سواء وُجِدت في النجف أو وُجِدت في مدينة قم أو في أي بقعة من بقاع الأرض الشيعية أو الإسلامية؛ لأن الحركة العلمية لا تعرف الحدود ولا تعرف الحواجز إنما هي حركة علم وحركة ثقافة، ولكن يمكن ان نقول ان النجف تتميّز بخاصة قد لا تتوفّر في غيرها من الحوزات العلمية المنتشرة في بقاع الأرض. فمثلاً إيران فيها حوزة قم وفيها حوزات كثيرة أخرى، لعله في كل محافظة من محافظات إيران توجد حوزة ويوجد بحوث خارج والبحث الخارج هو البحث القمّة في اعطاء شهادة الاجتهاد من المرجع. في كل هذه الأماكن توجد حوزات وهي علامة مشرقة وصحية وجيّدة انه في كل الأماكن توجد حركة علمية، إلاّ ان النجف تتميّز سابقاً ولاحقاً بخاصية قد لا توجد في أي جامعة إسلامية سواء كانت تتبع المنهج الحوزوي وهو دراسة الحلقات أو تنتهج منهج الأكاديمية. النجف مدينة عربية وعندما تنصهر القوميات أو الألسن الأعجمية في بؤرة عربية وفي مصهر عربي يكون هناك تحول في تفكير غير العربي وتحول في الفهم للنص العربي باعتبار الشريعة الإسلامية عربية المصادر. القرآن، السنّة، الحديث، تحتاج الى حسّ عربي قد لا يتوفّر عند غير العربي. فحينها ينصهر هذا القادم من أفغانستان أو من إيران أو من الهند ينصهر في هذه البوتقة العربيةو ربما يصبح عنده إحساس بالكلمة العربية، وما من شك ان الكلمة العربية تعطي معنى أوسع كلما ازداد الإحساس بها والغوص في مجاهل اللغة ومعرفتها. هذا الانصهار يبلور هذا المعنى، معنى الإحساس بالكلمة العربية، وما من شك ان استنباط الحكم الشرعي من الأدلة التفصيلية التي هي الكتاب والسنّة يستدعي فهم القرآن فهماً عربياً، يستدعي فهم الحديث فهماً عربياً حتى يستطيع المجتهد ان يقول أو يحكم من هذا المنظار، منظار الأخذ بالكتاب والسنّة.
وبفهم كتاب السنّة أن يعطي حكماً فقهياً أقرب الى الواقع لأنه أقرب الى الفهم. هذا المعنى وهو الانصهار في البوتقة العربية غير متيسّر في المجتمعات الأخرى، في قمّ أو في غيرها. ربما الآن بعد هجرة الكثير من أبناء النجف أو الدارسين في مدرسة النجف سابقاً، ربما تولد هذا الشيء لأنه وُجِدت طبقات من الدارسين كانوا يعيشون في النجف أو هم عرب أساساً، ولذا فإن الذي يزور قمّ الآن يجد ان هناك خطّين في الفهم الخطّ الفارسي المحض، والخطّ العربي أو الذي تربّى في أحضان البوتقة العربية النجفية. وأعتقد أني غير مجانب للواقع في الحقيقة وان هذا شيء فيه كثير من الموضوعية، فهو الذي يميّز مدرسة النجف. أما من حيث الدوافع والغايات فهي واحدة سواء كانت في قم أو في غيرها، وهو الوصول الى مرتبة الاجتهاد.
صحيح.. ولكن النقطة الخلافية هي علاقة الدين بالسياسة في قم، بسبب الثورة الإسلامية. في النجف توجد مدارس حالياً ومنها مدرسة الإمام الخوئي، لا تربط بين السياسة والدين.
ـ هناك جديد في هذه المسألة: هل رجل الدين هو رجل سياسة أم أن رجل الدين هو رجل الدين، وانه يفصل بين السياسة والدين؟ المسألة مبنية على قضية ولاية الفقيه أو عدم ولاية الفقيه، وهي مسألة اجتهادية يختلف حولها المجتهدون. هناك من يرى ان للفقيه جامع الشروط، جامع شروط الإفتاء، الولاية التكوينية، وهناك من المجتهدين من لا يرى ذلك، وانه ليست له هذه الولاية، فكلٌ يعمل من منظاره الاجتهادي في هذه المسألة. المرحوم السيد الخميني (الإمام الخميني) يرى ولاية الفقيه وقد وجد من منطلق اجتهاده ورؤيته ان للفقيه الولاية وأنه هو المسؤول سياسياً وتبنّى إنشاء دولة إسلامية على هذا الأساس، أما غيره من الذين لا يرون ولاية الفقيه ويقولون ان دور الفقيه يقتصر خلال غيبة الإمام على المسائل والقضايا الحسية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وان يترك السياسة للسياسيين، باعتبار ان إقامة دولة إسلامية لا تنعكس تصرفات رجالها أو أخطاؤهم على العقيدة أو الشريعة، شيء ليس في الإمكان ونحن نحتاج إذا أردنا ان نقيم دولة عدل يجب ان نبني هذا على حجر زاوية، الذي هو في هذا الموضوع الشخص الذي يستطيع ان يقيم دولة إسلامية كنموذج دولة الخلفاء الراشدين مثلاً، وهو أقرب الى العصمة أو الى ما شابه ذلك، وهذه مسألة اجتهادية. مدينة النجف، مدرسة النجف ما كانت تتبنى سابقاً هذه الفكرة، فكرة ولاية الفقيه ولذا كانت بمعزل عن السياسة تماماً. ومع ذلك تولّدت هذه الفكرة وأخذ بها بعض المراجع، وبنوا نشاطهم الديني على انه لا فصل بين السياسة والدين، وهي لا تخرج عن كونها مسألة اجتهادية. وما دام باب الاجتهاد مفتوحاً لدينا فمن حرية الانسان ومن حرية المجتهد ان يقول ما يراه. انه مخرج له عن مبدأ التكليف الشرعي بناء على ممارسته لدوره الاجتهادي المبني على قدرته باستنباط الأحكام الشرعية، وهو لا يقول شيئاً من دون دليل إنما الدليل الذي يؤدي الى اقتناعاته وهو قد يكون معذور عند الله حسب ما أدى به اجتهاده.
يُقال ان من أصل مسألتين تشغلان بال العراقيين، المسألة الأولى هي إمكان قيام جمهورية إسلامية في العراق. هل يمكن قيام جمهورية إسلامية في العراق، ولماذا؟
ـ الذي أعتقده حسب رؤيتي، ان إقامة جمهورية إسلامية على النمط الإيراني ليس من السهولة كما حدث في إيران، باعتبار ان هناك اختلافات موضوعية بين العراق وإيران، ومنها تعدّد الأقوام وتعدّد الديانات وتعدّد القوميات. ما جرى في إيران حسب الظاهر كان نتيجة استفتاء عام طُرح على الشعب وما اذا كان يرغب بإقامة دولة إسلامية أو غير إسلامية، والظّاهر ان الانتخاب والاستفتاء أديا الى الدولة الإسلامية. لا أدري إذا طُرِح مثل هذا الاستفتاء في العراق في ظل هذا الاختلاف في القوميات والديانات والعقائد، يمكن الوصول الى إقامة دولة إسلامية. هذا يجب ان ينبثق من إرادة الشعب، ولا أدري إذا كان ذلك يؤدي الى هذا الاختيار أولاً.
أساساً كفكرة، يمكن ان يرحب بها أي إنسان يجد نفسه محاصراً بأفكار غربية ومحاصراً بتوجهات سياسية خارجية ويشعر بأنه يحتاج إلى حماية لعقيدته، وأن الحماية تأتي من وجود نظام يأخذ بالإسلام. ممكن لكن هذا طموح.
مولانا، المسألة الثانية المطروحة بسبب الأحداث، هي ان الشيعة وهم الأغلبية في العراق قد ظلموا من قبل النظام والمجتمع وأبعدوا عن السلطة، واليوم وقد استعادوا حضورهم ووجودهم في طريقهم لظلم الأخوة السنة. ما هو رأيكم في ذلك؟
ـ مسألة ان الشيعة ظلموا، الإجابة عليها في السؤال أما عن الأسباب والدواعي لهذا الظلم فان هذا الظلم حصيلة التفرقة الطائفية التي خلقها الشيعة أنفسهم أو السنة، أي هل هذا ظلم داخلي أم أنه جاء من الخارج الذي اعتقده أنه لو ترك الشيعة لأنفسهم والسنة لأنفسهم لما كانت هناك خلافات طائفية، إنما جاء استغلال وجود هذه التفرقة العقائدية من قبل فئات سياسية على قاعدة فرق تسد. عندما جاء الإنكليز كانوا يطمحون إلى أن يجدوا من الشيعة مناصرين لهم، باعتبار أن الدولة العثمانية كانت دولة سنية وهي دولة حنفية وكانت تمارس دوراً إرهابياً، ودوراً طائفياً شديداً ضد التشيع، كما هو في الظاهر. لكن الحقيقة أن الدولة العثمانية لم تكن في ذلك الوعي إنما كانت تدافع عن نفسها وعن الخلافة، وكانت تتخبط بسياستها. أرادت أن تترجم القرآن الكريم. ترجمة القرآن الكريم إلى اللغة التركية مسألة لا يقررها السنة أو الشيعة، المسألة إنما كانت خلافة إسلامية أولاً.
نعلم أنه لا يجوز إستبدال لغة القرآن بلغة أخرى يفقد خاصته. لما جاء الإنكليز تصوروا أن الشيعة سيقفون إلى جانبهم ويناصرون الإنكليز ضد الأتراك، لكنهم فوجئوا بأن الشيعة أي العلماء الشيعة، وقفوا إلى جانب الأتراك لأن هناك قاسماً مشتركاً بينهم وبين الأتراك: الشيعة مسلمون والأتراك مسلمون ولا يمكن أن يصدق مسلم على مسلم كافراً. هذه القضية لم يتركها الإنكليز عندما تمت سيطرتهم على المنطقة، أرادوا أن يوجدوا في العراق ويدقوا أسفنا للتفرقة وجاؤوا بأشخاص من تركيا، أغلبهم أتراك، نور السعيد وغيرهم وزرعوهم في العراق، وهذه قضية معروفة ومسلم بها وموثقة تاريخياً. فالنزاع ليس نزاعاً دينياً سياسيا، ليس نزاعاً دينياً شيعياً أو سنياً، إنما هو نزاع سياسي تلبس لبوس السنية ولبوس الشيعية. ولا شك أنه ساعد على إقامته الكثير من الجهلة وحتى من أصحاب العلم، ولا يكفي الإنسان أن يكون عالماً لتنتزع منه صفة الجهل. الجهل في التصرف هو جهل.
لكن اليوم الخطر في كل ذلك أن يحدث نوع من الحرب الأهلية؟
ـ إسمح لي، النزاع في الحقيقة هو نزاع سياسي، خلق طائفتين متناحرتين في كثير من الأحيان بدوافع سياسية ولأغراض سياسية. صدام حسين لما جاء إلى الحكم كان ينحو هذا المنحى. صدام حسين ليس سنياً ولا مسلماً ولكنه وجد أن إقامة نظام يجب أن يكون على هذه القاعدة وهذا الأساس.
في الوقت الحاضر وبالعودة إلى القليل في الوعي وتقديم مصلحة البلد، مصلحة العراق على المصالح الشخصية، يمكن تجنب هذه الفجوات، وعبور هذا المأزق إلى وحدة الكلمة. وأن هناك قاسماً مشتركاً بين الشيعة والسنة وهناك قاسماً مشتركاً بين المسلمين قاطبة الذين يقطنون في العراق وغيرهم من الديانات، لكنه يحتاج إلى القليل من الإخلاص، نحتاج إلى القليل من نكران الذات وحب "الأنا" وقليل من الوعي والفهم. لا أعتقد أن قضية اجتماع كلمة المسلمين شيعة وسنة ونبذ الطائفية مسألة معقدة بهذا الشكل.
ولكن اليوم في ظل التسيب الأمني الحاصل توجد مخاطر حقيقية..
ـ هذا شيء آخر. التسيب الأمني، يمكن أن تستغل كثير من العناصر، سواء العناصر التي لها ارتباط بالنظام السابق أو العناصر المغرضة التي لها ارتباطات خارجية، وحتى العناصر المرتبطة باسرائيل تريد أن يبقى العراق طائفياً، ممزقاً تنفجر فيه حرب أهلية. لبنان ماذا استفاد؟
مثال الاستقرار كان في لبنان ونظامه السياسي صحيح كان نظاماً طائفياً لكنه مقنع لأنه متوافق عليه ومرضٍ للناس.
النظام العراقي سيصبح مثل النظام اللبناني، بل سيدخل في الدستور توزيع السلطات والمناصب على الطوائف والقوميات؟
ـ هذه القضية لا أستطيع أن أجيب عنها حقيقة أنا من الناس الذين لا يحسنون الكلام في السياسة ولا يعرفون مداخل السياسة ومخارجها.
على الرغم من بعدكم عن السياسة، الكلام الذي دار حول موقف النجف وخاصة السيد السيستاني من الأميركيين، ما هي حقيقته؟
ـ ما من شك أن السيد السيستاني أنكر وجود الأميركيين ومن قاعدة فقهية ؟ المسلم أو المرجع المسلم لا يرضى أن يكون محتلاً أو أن يكون تحت طائلة الإرادة الأجنبية هذا شيء لا يمكن ان يكون وقد أصدر هو وغيره إشارات إلى عدم بث تصريحاته إلى هذا المعنى. أي يرفضون الحرب على العراق ليس اعتزازاً بصدام ولكن القضية أصبحت قضية شرعية بمعنى اللجوء إلى الكافر.
مسألة يقف أمامها أكثر من حاجز شرعي وديني والرضا بأن يكون البلد محتلاً من قبل الأميركيين أو من قبل التحالف هذه مسألة مرفوضة دينياً وليس من المنطق أساساً أو أصلاً التعامل معها أو الرضا بها. مسألة من بديهيات الرؤية الدينية أو الرؤية الشرعية.
الحكومة التي ستخرج بديلاً من هذا الاحتلال، ما هو الموقف منها؟
ـ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة. القوة يحتاجها الإنسان في المكافحة. السؤال عن وجود القوة. الان الوضع الداخلي يعني نحن كنا منزوعي القوة، يعني العلاقة مع الأميركيين أشبه بعلاقة مع صدام حسين، المسألة أنه عندما يكون الإنسان ليست له القدرة على المقاومة ما عليه الا التسليم لإرادة الله. نعم، إذا وجدت القدرة، القدرة بمعناها الدقيق، على المقاومة والمطاولة والكفاح، طبعاً يجب..
انتظار الفرصة المناسبة؟
ـ انتظار الفرصة كلا، ما من شك لا بد من عمل ولكنه حتى هذا العمل، لا تنسى أن دولة صدام انتزعت كل قدرات الفرد العراقي، والأميركيون لم يأتوا بإرادة عراقية أبداً. دخلوا البلد وكل الناس، حتى الجيش مجرد من سلاحه. المسألة هذه عملية، وأقول مجرد من سلاحه لأن مستوى التصريحات التي كان يطلقها صدام حسين أو جماعته، يعطيك الانطباع ان البلد يمتلك سلاحاً ويستطيع المواجهة، وقوة يستطيع أن يقاوم بها الأميركيين والتحالف والأمر لم يكن كذلك الشارع لم يكن يمتلك سلاحاً.
كونه يحمل بندقية أو عنده دبابة لا يعني أن هذا سلاح على المستوى المطلوب ومع ذلك تأتي التصريحات اننا سنلقنهم درساً، سنجعل بغداد مقبرة، مع العلم أنه لم نر سوى مسلوب السلاح ومسلوب الإرادة بأي شيء يقاوم الإنسان في العراق؟ عدة مواضع تركها صداميون أرادوا منها مقاومة الصرخة الداخلية والانتفاضة الداخلية. أما على الجبهات فقد جاء الأميركيون عبر المحيطات وكانت هناك جبهة خارجية خلف الحدود الكويتية، وأنت لا تجد سلاحاً دفاعياً على الحدود الكويتية. واجه الأميركيون والبريطانيون مقاومة بسيطة، مقاومة شعبية وليست أكثر من ذلك ليست مقاومة على مستوى قوة التصريحات، إذاً، الناس كانوا مجردين من السلاح، مغلوباً على أمرهم. من يقول كلمة وأقولها وأنا مسؤول عنها، لا يقولها وإن كانت في مصلحة النظام، لا يقول المرء الا ما يأذن بقوله النظام وإلا يحكم بالموت. أي ليست من حقك ان تقول شيئاً حتى في حق النظام. يجب أن تقول ببرنامجه أنت مبرمج. الإنسان في العراق كان مبرمجاً. ليس من حقك أن ترفع شعاراً من ذاتك حتى لو كان يخدم السلطة، يجب أن يكون الشعار منطلقاً من أقلامهم وهذه مأساة العراقيين. العراقيون عانوا الأمرين من جيرانهم، القريب منهم والبعيد. من الصحافة العربية والصحافة الأجنبية والشعوب العربية والحكام العرب وحكام غير العرب، كانوا لا يحسون، لا يعلمون ما يجري في العراق ولكنهم كانوا يغلقون أفواههم عن قول الحق. هذه هي المأساة العراقية.
كان الأطفال يموتون ليس بسبب الدواء، الدواء موجود، الغذاء موجود، ولكن بحجب الدواء وحجب الغذاء عنهم. أما الأشخاص الذين يتاجرون بدمائنا من أوروبيين أو عرب أو يكتبون في صحفهم يأتون إلى هنا ويقبضون ما يقبضون ثم يذهبون يتباكون على أطفال العراق وعلى نساء العراق. من الذي منع المياه الحلوة عن جنوب العراق وتركها تجري هدراً في صحراء البصرة؟ إنه النظام أتدري ماذا يعني تجفف أهوار الجنوب؟ موت شعب كامل وحرمانه من الماء النقي. تسيب الماء النقي وسط الماء المالح أو ماء البحر، وأصبح الناس يعيشون على ماء قذر. أي صحافة كتبت عن هذا؟ وأي إنسان حر تكلم؟ الشعب الآن لا يكاد يصدق أنه استطاع ان يتكلم، لا زال الخوف متجذراً في كل نفوس العراقيين.
حتى الذين كانوا يستفيدون من النظام كانوا يخشونه. أعلى رأس في هرم الحكم السابق في العراق كان يخشى من سلطة صدام. كانوا كالدمى يتحركون، وتحرك الدمية تحرك لا إرادي.
لذلك يحتاج العراق إلى مرحلة طويلة لكي ينهض؟ فعلاً مرحلة طويلة حتى يستطيع الإنسان الفرد العراقي أن يستعيد وعيه ويعرف ما يريد وما لا يريد، ما ينفع وما لا ينفع.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.