من يحاصر من، الولايات المتحدة الأميركية أم الجمهورية الاسلامية في ايران؟
مصادر غربية وعربية وايرانية متقاطعة حاولت الرد على هذا السؤال في ضوء "التنازل" الايراني في الملف النووي، فاشارت اولاً الى أن "فك الاشتباك النووي" الذي نجحت "الترويكا الأوروبية" في تحقيقه مع الجمهورية الاسلامية كان ضرورياً لطهران لتجنب الاشتباك الأكبر الذي يسعى اليه "صقور" الادارة الأميركية، تحت عنوان ضرب الطرف الأخطر في "محور الشر" كما يطلق على ايران وكوريا الشمالية.
واعتبرت المصادر اياها أن تجربة العراق، وصمود الموقف الفرنسي الالماني في نزع الشرعية عن الحرب على العراق، ولد الثقة لدى القيادة الايرانية بطرفيها الاصلاحي والمحافظ بأنه أصبح من الممكن الاعتماد الى حد كبير على الموقف الأوروبي، وأن هذا الموقف بات أكثر قوة حالياً مع انضمام بريطانيا اليه بعدما كانت حليفاً شرساً لواشنطن في المواجهة مع الثنائي الفرنسي ـ الالماني. وبدورها فان الترويكا الأوروبية ولأسباب مختلفة ومتقاطعة، كان يهمها نجاح هذه المهمة، لأنه تكفيها مواجهة واحدة مع الادارة الأميركية، ولأن منطقة الشرق الأوسط ليست بحاجة الى أزمة جديدة تفتح الأبواب لمخاطر غير محسوبة.
ولذلك كله، أقدمت الترويكا الأوروبية على مبادرة غير مسبوقة في مسار الديبلوماسية الأوروبية الحديثة العهد، عبر توجه الوزراء دومينيك دوفيلبان ويوشكا فيشر وجاك سترو الى طهران، ليعطو الايرانيين ما يحبون من مظاهر التقدير تتعلق بموقعهم وأمنهم من جهة وضمانات بحقهم بالاستخدام السلمي للطاقة النووية الأطول عمراً والأقل كلفة من انتاج الطاقة بالغاز أو النفط، وليأخذوا ما هو مهم لهم ولها وهو اقفال الملف النووي.
ورأت المصادر المتقاطعة ان تصريحات طهران القائلة ان الاتفاق مؤقت، تمثل خطاباً موجه جزئياً الى الداخل لتهدئة المعارضين فيما الجزء الأساسي منه رسالة الى الخارج الأوروبي ومفادها ان المؤقت لن يتحول الى دائم الا بقدر ما يبقى الموقف الأوروبي بكل ضماناته دائماً لا يتراجع أمام الضغوط الأميركية. فطهران غير مقتنعة حتى أشعار آخر ان واشنطن مستعدة لاقفال الملف النووي.
وتقول مصادر ايرانية وعربية "ان الجمهورية الاسلامية تبدو على الخريطة واقعة بين فكي الكماشة الأميركية أي في افغانستان والعراق معاً، دون تناسي اسرائيل الاحتياط الاستراتيجي للقبضة الجديدة الأميركية في المنطقة الذي قد يستهدفها متى عز التدخل الأميركي المباشر. وتضيف هذه المصادر ما يحظى بموافقة مصدر عربي وان بتحفظ، وهو أن الوضع ميدانياً يختلف جداً عما هو مرسوم على الخرائط، فالولايات المتحدة التي تحاصر ايران مباشرة بعدما أصبحت جارة عسكرية لها على حدودها الواسعة، لم تعد ذلك "النسر العملاق" الذي كان يحلق في السابق في فضاء منطقة الشرق الأوسط لينقض على فريسته بسرعة ودون تردد ولا مخاوف. فهذا النسر ومنذ حرب افغانستان وبعدها العراق، لم يعد يحلق في المنطقة، ذلك أن قدميه غارقتان في وحول العراق وأفغانستان، وتطورات الوضع الميداني تؤكد ان غرقه سيزداد يومياً خاصة في العراق، حيث لا شيء يؤشر الى انتهاء التورط، لا بل تطوراته تؤكد أن الآتي أعظم وان الحريق يمتد يومياً ليصل الى الجنوب العراقي خاصة خلال أشهر الربيع المقبلة ومع الذكرى الأولى للاحتلال الأميركي.
وامام هذا الوضع الجديد، فان التداخل الجغرافي لايران مع افغانستان والعراق، يمكن طهران من أوراق ضغط جديدة، كون واشنطن باتت بحاجة لطهران سواء في افغانستان لضبط ايقاع ما كان يعرف بتحالف الشمال، وخاصة الشيعة الهزارة الذين ترسخت علاقاتها معهم بعد سقوط نظام طالبان عبر المساعدات الاقتصادية والاجتماعية وعمليات البناء والاغاثة، أو العراق حيث العمق الشيعي المضبوط حالياً يمكن ان يتحول الى قنبلة قاتلة اذا ما ساهمت في نزع صمام الأمان منها وهي قادرة على ذلك كما يعرف الأميركيون جيداً.
وازاء هذا التشابك العميق، فان المصادر الايرانية والغربية والعربية ترى ان طهران اختارت الاحتماء عبر التحالف مع الترويكا الأوروبية، فقدمت تنازلاً مهماً في الملف النووي، مع الاصرار على أن عدم انخراطها في الجانب العسكري من الملف اي انتاج القنبلة النووية يعفيها من الاتهام بالاستسلام أمام الضغوط الأميركية، وفي الوقت نفسه ما زالت تمسك باوراق كثيرة يمكنها من خلالها الوقوف في وجه واشنطن اذا اختارت الصدام.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.