ترى مصادر فرنسية مطلعة ان باريس خاضت المعركة في مجلس الأمن بأسلوب ناجح أدى الى استقطاب الدول الفقيرة المحتاجة لحفنة من ملايين الدولارات، في إشارة الى الدول الافريقية الثلاثة في مجلس الأمن، والدول المرتبطة بعجلة الاقتصاد الأميركي وهي المكسيك والتشيلي.
وتعترف المصادر الفرنسية بأنه ليس لدى فرنسا استراتيجية لتثمير تكتيكها الناجح ولا خطة في مواجهة دخول القوات الأميركية سلماً أو حرباً الى العراق وإقامة نظام جديد فيه، لكن المصادر إياها تؤكد انه لا يوجد خطر لإعادة تشكيل خريطة المنطقة "فالأميركيون مدركون لمخاطر الوقوع في رمال الشرق الأوسط المتحركة".
وتتابع المصادر الفرنسية ان فرنسا ليست في حرب ضد الولايات المتحدة الأميركية، فالفرنسيون كانوا وسيبقون حلفاء للأميركيين، وهذا ما قاله جان لوي رافاران رئيس الوزراء الفرنسي، وهذا ما سيقوله دومينيك دوفيلبان وزير الخارجية اليوم في مجلس الأمن لأعضاء المجلس، خصوصاً لنظيره الأميركي كولن باول.
وتشدد المصادر الفرنسية على ان باريس حققت ما تريده من المعركة الديبلوماسية التي خاضتها في مجلس الأمن بأقل الخسائر الممكنة إذ نجحت في استقطاب غالبية أعضاء المجلس فنزعت الشرعية عن قرار الحرب الأميركي على الرغم من انها لم تنجح في جعل الولايات المتحدة وشريكاها في الترويكا، بريطانيا واسبانيا، يعتمدون خيار الحل السياسي، وهو ترك المفتشين الدوليين يتابعون تفتيشهم لنزع سلاح الدمار الشامل العراقي ولو لفترة محدودة لا تتجاوز الأسابيع.
وعن اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس الأمن تعترف المصادر نفسها ان روسيا هي وراء هذا الاجتماع لكونها المتحمسة له لتأكيد استمرار نشاطها السياسي على الرغم من تصاعد هدير الطائرات والدبابات، لكن هذه المصادر تتابع ان الديبلوماسية الفرنسية تحمست أيضاً لعقد هذا الاجتماع لكي تقول على لسان دومينيك دوفيلبان حجم العواقب الوخيمة نتيجة للحرب، وهي تريد معرفة ما تريده الأسرة الدولية، لتحديد ما يمكن تقديمه في مرحلة لاحقة.
وتشير المصادر الفرنسية الى انه ليس صدفة توجيه الرئيس الأميركي إنذاره قبل 24 ساعة من اجتماع هيئة التفتيش والاستماع الى هانس بليكس، ففي الوقت الذي نراهن فيه على رقابة المفتشين لنزع سلاح الدمار الشامل العراقي، فإن الأميركيين يريدون الحل بالحرب، علماً ان مثل هذا الحل يمكن ان يفتح لأي دولة في العالم المجال لشن حرب على دولة مجاورة لها. وتضيف هذه المصادر ان ترك المفتشين يتابعون عملهم كان يمكن ان يشكل قاعدة عمل لمواجهة أزمات أخرى طالما ان هذا النظام فعال ومنتج.
ولا ترى باريس حسب المصادر الفرنسية عينها أي أمل بأن يلبي الرئيس صدام حسين دعوة الرئيس جورج بوش لمغادرة العراق "فصدام حسين ليس "بابا نويل" حتى يقدم هدايا لأحد تحت تهديد الحرب"، وإن كانت باريس مثلها مثل معظم دول العالم تتمنى هذا الحل الذي يمنع الحرب مثلما أدى انضمام الدول الأعضاء في مجلس الأمن إلى موقفها القائل بتجنيب استخدام الفيتو.
وتشدد باريس على انها مع نزع سلاح الدمار الشامل العراقي ومع زوال النظام العراقي، لكنها تختلف بالتأكيد مع الوسائل التي تعتمدها واشنطن لتحقيق ذلك. وأمام هذا الاتفاق في الأهداف دون الوسائل، فإن فرنسا لا يمكنها اتخاذ موقف منذ الآن ازاء بقاء القوات الأميركية في العراق.
وتنفي المصادر الفرنسية ان موقفها هذا يترك الباب مفتوحاً للتفاوض مع الأميركيين على دور الأمم المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب مقابل حصة فرنسية في عقود النفط وخطط إعادة بناء العراق. وترد المصادر على هذه الاتهامات بالتأكيد ان فرنسا كان يمكنها التفاوض باكراً مع الأميركيين وعدم خوض معركة معهم والسير في ركابهم مقابل المحافظة على موقعها على الخارطة النفطية العراقية. لكن باريس اختارت هذه المعركة رغم الثمن الباهظ الذي دفعته، لتعلقها الشديد بمبادئها ورؤيتها للسلام العالمي.
وأخيراً ترى المصادر الفرنسية ان آلة الحرب الأميركية لن تتوقف إلا لفترة قصيرة، إذ بعد العراق سيأتي دور كوريا الشمالية وايران لأنهما من "محور الشر"، ثم هايتي بحجة ان رئيسها لا يحترم الديموقراطية والتعددية، وقد تكون البداية من هايتي للتخفيف من الاتهام الموجه لواشنطن بالتركيز على الشرق الأوسط.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.