رفعت العديد من بلديات فرنسا علم الأمم المتحدة على مبانيها، في مبادرة فريدة من نوعها "احتجاجاً على العمل العسكري الأميركي الاحادي". وأعلن رئيس بلدية مدينة ايفري، الذي قام بالمبادرة الأولى، أن "خروج الولايات المتحدة الأميركية عن إطار القانون الدولي يعرض مستقبل العالم والأمم المتحدة للخطر، كما أنه يُهدد بتراجع القانون الدولي لمصلحة سياسات الدول العظمى". وشدد رئيس البلدية غابريال امار على "ضرورة متابعة الاحتجاجات حتى تسود المبادئ ومثل العدالة والسلام الدولي من جديد".
وبعد الإعلان عن اكتشاف بقايا مواد سامة في محطة ليون للقطارات، سادت حالة من القلق الشديد الأوساط الفرنسية، على الرغم من أن وزارة الداخلية شددت على "عدم خطورة المادة واحتمال وجودها بسبب خلل في عملية النقل من أطراف أخرى وليس بهدف استعمالها في فرنسا". وقد سارعت وزارة الداخلية والسلطات الأمنية الى رفع درجة الاحتياطات الأمنية، فاستدعت 600 جندي إضافي لمراقبة المطارات ومحطات القطار.
وتجري محاولة فرنسية جادة وعلى مختلف المستويات للمحافظة على الهدوء بين الجاليات الدينية والعرقية المختلفة، بحيث لا تنعكس تطورات الحرب ضد العراق على السلام الأهلي بين هذه الجاليات.
وتركز الاهتمام على تجاوز يوم الجمعة بهدوء حيث تشكل صلاة الجمعة في مختلف الجوامع والمراكز الدينية الإسلامية، فرصة لتجمعات كبيرة للجاليات الإسلامية من مختلف الجنسيات الشرق أوسطية والافريقية.
وقد أصدر مسؤولو الأديان الثلاثة في فرنسا الكاردينال جان ماري لوستيجيه والدكتور دليل أبو بكر عميد جامع باريس، والحاخام الأكبر جوزيف سيتروك بياناً مشتركاً دعوا فيه الى "الهدوء والاحترام المتبادل بين الجميع في ظل الأوضاع الدولية الصعبة". كما شددوا على ضرورة المحافظة على العيش المشترك "وتجنيب فرنسا في ظل التوتر الدولي الحالي أي انعكاسات على المناخ الشعبي".
وفي مارسيليا حيث تتواجد أكبر الجاليات المسلمة خصوصاً من دول المغرب الغربي، أقيمت في الجوامع "صلاة ضد العدوان الأميركي على العراق". كما أكد أركان الأديان التوحيدية الثلاثة ومعهم راهب البوذيين في فرنسا، أنه لا يوجد دين يشرع الحرب، ولا توجد "صليبية شرعية". ودعا رئيس بلدية مارسيليا والوزير السابق جان كلود غودان "الى تجنب كل خلط يؤدي الى استثمار النزاع الدولي في تفجير العنصرية في المدينة".
وفي مساجد باريس ساد جو من "الحزن والإحباط بين المصلّين أمام الحرب والعجز العربي". وقال إمام جامع الدائرة الثامنة عشرة في خطبته "كيف يدعو مسؤول أقوى دولة في العالم الى الصلاة لكي تنتصر جيوشه في إزالة شعب ضعيف ومنهك".
وتابعت المؤسسات الكاثوليكية نشاطها ضد الحرب، وأصدر سكرتير إدارة التعليم الكاثوليكية جول مالارتر توجيهاً الى مدراء المدارس التي تهيمن على غالبية قطاع التعليم الخاص، الى فتح باب الحوار بين الطلاب من جهة والطلاب وأساتذتهم على "قاعدة" أن هذه الحرب تشكل فشلاً دراماتيكياً للإنسانية، وأن على مدارسنا الكاثوليكية ومؤسساتها أن تكون في الخط الأول لبناء وإعادة بناء السلام في النفوس والعقول".
وشددت وسائل الإعلام الفرنسية ولا سيما المرئية منها وفي مقابلات عدة على "الوعي المذهل" الذي ظهر بين الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم العشر سنوات. فقد قالت طفلة في الثامنة من عمرها: "بوش لا يهمه أرواح جنوده ولا العراقيين، ما يهمه النفط". وقال صبي في التاسعة من عمره "الحرب لا تفيد، إنهم لا يدركون أن أطفالاً كثيرين سيقتلون".
ورغم أن التظاهرات تقلصت في باريس، إلا أنها ما زالت مستمرة في المدن الأخرى وبخاصة ليون ثاني مدن فرنسا، علماً أنها مدينة محافظة جداً. فقد خرج طلابها بالمئات وهم يهتفون "ضد الحرب في العراق والموت في فلسطين، التضامن مع شعبي العراق وفلسطين".
وتجري استعدادات في باريس تمهيداً للتظاهرات الواسعة التي ستجري اليوم والتي ستبدأ من ساحة الجمهورية وتمتد حتى ساحة ناسيون. وقد أبدت مختلف قيادات الأحزاب خصوصاً اليسارية استعدادها للمشاركة في هذه التظاهرات.
ويأتي كل ذلك في وقت تابع الرئيس جاك شيراك مواجهته للموقف الأميركي في العراق مشدداً على ضرورة نزع الشرعية عن الخطة الأميركية للانفراد بخطة إعادة إعمار العراق.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.