في عام 1989 سقط جدار برلين، وسقط بعده الستار الحديدي السوفييتي وبردت في الأفق ملامح مرحلة جديدة من أبرز عناوينها: إنهيار الإيديولوجيا التوتاليتارية وانتصار الليبرالية التي تمثلها بشكل أو بآخر الولايات المتحدة. وبين هذه التفاصيل صدر كتاب فوكوياما "نهاية التاريخ" تتويجاً لهذا الانتصار.
في هذه المناخات، هبت انتفاضة تياننمين الشبابية في بكين وقامت بتظاهرات تطالب بالحرية والديمقراطية والتغيير متأثرة بالبريسترويكا الليبرالية الروسية. عشرات ألوف الشباب ركبوا أحلامهم الكبيرة وتحدوا النظام التوتاليتاري لكن لم يتأخر النظام الصيني عن قمعهم فأفلت الدبابات والمجنزرات عليهم لتسحقهم وتُلصق أشلاء الألوف منهم بالحديد والمعدن. فالنظام كشّر عن أنيابه: الديمقراطية ممنوعة لأنها غريبة عن شعبنا وآتية من الغرب لا تناسب تقاليدنا وتاريخنا. قُمعت الانتفاضة بمجزرة همجية لا تليق سوى بجرائم ماو تسي تونغ وستالين. انكسرت البيريسترويكا.
اليوم، كأن التاريخ يتكرر في هونغ كونغ: لكن في ظروفٍ أخرى مختلفة: فالصين صارت قوة اقتصادية عظمى في العالم، في ثنائية هجينة: النظام توتاليتاري والاقتصاد ليبرالي.
اندلعت في هونغ كونغ، المستعمرة الانكليزية التي سُلّمت إلى الصين من خلال اتفاقٍ بين بريطانيا والصين. استعادت هذه الأخيرة قطعةً من أرضها عام 1997.
والكل يعرف أن هونغ كونغ عاشت تحت الاستعمار الانكليزي حالة مديدة من التعددية السياسية والديمقراطية الأوروبية. بمعنىً آخر شعبٌ واحدٌ، علمٌ واحدٌ، بنظامين: ديكتاتوري ومدني.
موجة الاحتجاجات المليونية انفجرت بسبب إعلان المراجع الإدارية فيها تسليم المطلوبين للعدالة في الصين. هكذا بدأت احتجاجٌ على القرار الذي يمسُّ خصوصية هونغ كونغ. لكن مع تنامي هذه الظاهرة والتظاهرات، طور المحتجون مطالبهم من مسألة قانونية قضائية إلى أُخرى متعلقة بكل القيم والبُنى السائدة في هذا البلد من خمسة بنود.
الصين هددت بالتدخل ولإرهاب الجموع استقدمت الدبابات والمُصفحات وأُلوف الجنود وعسكرت على بُعد عدة كيلومترات من موقع التظاهرات. لكنها مع هذا التزمت الصبر والانتظار. ومع تقدم الأيام بدأت المخاوف والتساؤلات: هل تُحضّر السلطة الشيوعية عملية شبيهة بمجزرة تياننمين؟ فالنظام بات أمام خيارين: إما التراجع ويكون ذلك سابقة خطيرة متخوفاً من أن يكون أيُّ تراجع خطوة طليعية تنشر العدوى الثورية في الصين مما قد يؤدي ذلك حتى إلى تغيير النظام كما حدث في الاتحاد السوفييتي. لكن هناك عاملين لجما حتى الآن النظام الصيني من التدخل: إذا تكررت ملحمة بكين 1989، فالصين التي باتت القوة الاقتصادية العظمى وكان لهونغ كونغ دورٌ أساسي في ازدهارها ومن ناحيةٍ أخرى قد تؤدي هذه الأزمة إذا تفاقمت بالقمع إلى هروب الرساميل الوطنية والأجنبية منها. فالمسألة اليوم أكثر تعقيداً في هونغ كونغ منها في بكين. فهذه العوامل الاقتصادية إلا أن هونغ كونغ لن تعود أبداً إلى الصين إلا في 2047. فالقمع الوحشي والضرر الذي قد يُلحق بهونغ كونغ قد يؤديان إلى انهيار البورصة التي تموّل كل المشاريع الكبرى خصوصاً وأن كثيرين من الطبقة الأوليغارشية الحاكمة يستثمرون فيها. حتى كتابة هذه السطور، برز حدثٌ مهم. أعلنت رئيسة السلطة التنفيذية في هونغ كونغ، كاري لام سحب مشروع قانون تسليم المطلوبين للصين الذي تسبب بثلاثة أشهر من الاحتجاجات التي تحولت أخيراً إلى العنف وتحطيم المحال والمؤسسات وإحراق الدوائر على طريقة القمصان الصفر في باريس.
لكن يبدو أن موقف السلطة التنفيذية جاء متأخراً: وقد رد الناشط البارز في هونغ كونغ، جوشوا وونغ (تم توقيفه في الاسبوع الماضي): أن خطوة هذه السلطة غير كافية وجاءت متأخرة.
الوضع مفتوح حتى الآن على كل الاحتمالات، وهنا يحتم علينا السؤال الأساسي: إلى أين انتفاضة هونغ كونغ؟
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.