"نفكر حقاً في الهجرة، وإقامة مشاريع في دول أخرى تحترم المستثمر، لأن لبنان لم يعد يطاق".
جملة ترددت مرات في شارع عفيف الطيبي، الذي يئن تحت وطأة انكماش الحركة التجارية انكماشاً حاداً، بفعل الأزمة السياسية التي يشهدها لبنان، والتخييم في وسط بيروت، على نحو يدفع اللبنانيين إلى الامتناع عن الإنفاق الاستهلاكي، لغير الأمور الضرورية الأساسية. وقد تأثرت بذلك حركة شارع عفيف الطيبي التي انخفضت أكثر من 80%، كما أجمع تجار الشارع، لا سيما رئيس جمعية الشارع مصطفى سنو، الذي قال لـ"المستقبل": "الآن طموح معظم المؤسسات في السوق الهجرة إلى الخارج، لإنشاء أعمال جديدة، لأن وضع البلد لم يعد يحتمل".
وأضاف: "الواضح أنه في ضوء التصاريح التي نسمعها، والتي تهدد بالتصعيد، ستستمر البلاد كما هي الآن، وفي هذا الوضع لا يمكن أن تكون هناك أعمال في لبنان".
وأشار إلى إمكان إقفال مؤسسات بالجملة وصرف عمال في شارع عفيف الطيبي، "إذا لم تعالج الأزمة السياسية في البلاد، من الآن حتى كانون الثاني (يناير) المقبل، لا سيما أن المؤسسات التجارية تنتظرها التزامات كثيرة نهاية كل عام، حيال المصارف التي لا ترحم أحداً، مع المستحقات الأخرى من رسوم وضرائب واشتراكات ضمان".
وكشف سنو أن كثيراً من التجار بدأوا بفتح مؤسسات في الخارج، وتوقع أن تزداد هذه الحركة في المرحلة المقبلة.
وقال: "لدينا أكثر من 100 مؤسسة تجارية في السوق، تعتمد على هذا الشهر في أكثر من 25% من مبيعها، ومع تراجع الحركة على هذا النحو، تتلقى المؤسسات ضربة قوية، ستكون لها آثار سيئة تستمر طويلاً"، وأشار إلى أن حركة البيع في السوق تتركز على ملابس الأطفال.
وأكد أن المؤسسات التجارية، كغيرها من مؤسسات الأعمال، استنفدت مؤنتها خلال المدة الماضية لا سيما في حرب تموز (يوليو)، "وهي الآن تقاتل باللحم الحي، ولم يعد لديها شيء كي تجتاز هذه المرحلة".
وأكد سنو تضامن جمعية تجار شارع عفيف الطيبي، مع النداء الذي أعلنته هيئات الاقتصاد، وشدد على ضرورة تحسين الجو فسحاً في المجال أمام الناس لتمضية الأعياد في جو الفرح والهدوء.
ودعا إلى وقف الحملات الإعلامية والتجاذب السياسي، والخروج من الشارع، "لأن ذلك هو السبب الوحيد لتردي وضع الاقتصاد في لبنان". وقال: "مطلوب اليوم التهدئة والعودة إلى طاولة الحوار وإنتاج حل سياسي يخرج البلاد من دوامة الصراع". وأمل أن يستمع الساسة جيداً إلى نداء هيئات الاقتصاد، ويعوا خطورة ما يحدث، رأفة بالبلاد والعباد.
ومن خلال المشاهدة المباشرة في جولة داخل السوق، لوحظت ندرة المتسوقين، وخلو المحال التجارية إلا من اصحابها، الذين يقضون وقتهم، إما على أبواب محالهم ، أو يجلسون وراء مكاتبهم.
وقال محمود سنو صاحب شركة "لاروزا" لتجارة الملابس: "الوضع سيئ جداً، ففي الصيف أعدنا بضائعنا إلى المستودعات، لعدم تمكننا من بيعها بسبب حرب تموز، والآن نحضر أنفسنا لوضع الملابس الشتوية في المستودعات، بعد خسارة موسم الأعياد. لكن المفارقة أن مستودعاتنا لم تعد تتسع للمزيد، لذلك سنفتش عن مستودعات جديدة تفي بالغرض".
وأوضح سنو: "أن حركة التجارة عادت إلى طبيعتها بعد حرب تموز، وكنا نأمل خيراً، لكن منذ استقالة الوزراء مروراً باغتيال الوزير بيار الجميل ووصولاً إلى التظاهر والتخييم في وسط بيروت، تراجعت الحركة تراجعاً مثيراً فوصلنا الآن إلى حالة جمود شبه تام".
وأضاف: "إذا بقيت الحال كما هي الآن، فسنعمل لتحصيل ديوننا من الأسواق ونذهب إلى الخارج".
وأشار إلى أن اللبنانيين من المناطق الأخرى يخافون القدوم إلى بيروت، بسبب التظاهر والأحداث الدائرة الآن، وخفض هذا نسبة بيع البضائع بالجملة لدينا، وهي بضائع تشتهر بها سوق عفيف الطيبي".
وأكد أحمد ميناوي، صاحب محال بيع الملابس الداخلية والبياضات، أن الوضع سيئ جداً، وأن نسبة البيع في محله انخفضت أكثر من 80%.
وقال: "لا يمكننا الاستمرار في هذا الوضع، لأن التشنج السياسي، يؤثر في كل صعيد لا سيما حركة الاقتصاد والتجارة، وأتوقع حدوث انهيار اقتصادي إذا استمرت الأمور على ما هي".
وأكد ميناوي: "أن كل شيء يرجع إلى طبيعته، إذا حلت الأزمة السياسية".
وقال أحمد مقشر، صاحب شركة "مقشرتكس" لبيع الملابس والأقمشة: "وضع السوق اليوم مختلف تماماً عما كان في مثل هذه الأيام، من حركة كثيفة تتصل حتى ساعات متأخرة من الليل".
وفيما أشار إلى تراجع الحركة بنسبة كبيرة، وصلت إلى نحو 75%، أوضح مقشر: "بعد حرب تموز تحركت الأسواق على نحو لم نعهده في السابق، لكن مع تأزم الوضع السياسي اختلف كل شيء، وبدأت مسيرة تراجعنا".
ولفت إلى أن هناك تردداً لدى تجار الشارع في شراء بضائع الموسم المقبل من الخارج، بسبب الخوف من تدهور الوضع السياسي والأمني في البلاد، وينذر هذا بنقص هذه البضائع في الصيف، إذا تحسن الوضع. وقال: "الآن هناك نقص كثير في البضائع في الأسواق، لعدم طلبها الصيف الماضي، بسبب حرب تموز".
وأكد مقشر أن التجار لم يعودوا قادرين على التحمل أكثر، وحذر من حدوث حالات إفلاس مطلع العام المقبل.
وقال: "هذا التحذير جاد. فأنا، إذا وجدت الآن فرصة في الخارج، فسأقفل شركتي وأهاجر". وأضاف يقول: "وضع البلد لم يعد يطاق، لقد شبعنا سياسة وليتركونا نعيش".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.