فشل وزير العمل شربل نحاس، كعادته، في حسن ادارة الحوار الاجتماعي بين اطراف الانتاج حول الاجور، إذ انفض اجتماع لجنة المؤشر أمس على خلاف كما بدأ، لكن هذه المرة وبشكل غير معهود بين فريقي الانتاج من جهة، أي اصحاب العمل والعمال، وبين الوزير نفسه من جهة ثانية.
لقد تحول دور وزير العمل من وسيط نزيه وراع للتوافق الى محرض ومعطل وناصب للافخاخ، وهذه سابقة تسجل للوزير نفسه. ففيما اصر في اجتماع للجنة المؤشر على طرح مشروعه مجددا والدخول في تحليل الارقام، أعلن ممثلو اصحاب العمل والعمال في اللجنة تمسكهما بالاتفاق الموقع بينهما. وعلى هذا الاساس لم يعد أمام الجميع سوى انتظار جلسة مجلس الوزراء الاثنين المقبل لرؤية الطريق الذي سيسلكه ملف الاجور، مع تأكيد عدة مصادر متابعة للملف ان المجلس سيقر اتفاق بعبدا بين الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام بعد وضعه في اطار قانوني.
من جهتها، أعلنت الهيئات الاقتصادية في اجتماع أمس برئاسة رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان محمد شقير تمسكها بالاتفاق الرضائي الموقع في قصر بعبدا في 21 كانون الاول الماضي بين الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام، معتبرة ان هذا الاتفاق انجازا تاريخيا بين شركاء الانتاج ينبغي تحصينه والحفاظ عليه. وقررت استيداع وزير العمل هذا الاتفاق واعتباره بمثابة امانة لديه لنقلها الى مجلس الوزراء.
وفي هذا السياق، قالت مصادر معنية بملف الاجور الى المستقبل رغم كل الضوضاء التي افتعلها وزير العمل داخل لجنة المؤشر وخارجها لا سيما اصراره على مشروعه في مقابل عرقلته المتعمدة لاتفاق بعبدا، الا ان التفاهم الذي حصل عشية زيارة الوفد الاقتصادي المشترك الى الرابية بين الرئيس نبيه بري والرئيس نجيب ميقاتي ورئيس التكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون حول السير باتفاق بعبدا لا يزال ساري المفعول.
واشارت المصادر الى ان هذا التوجه تم التعبير عنه في اجتماع لجنة الاقتصاد والتجارة والصناعة النيابية بحضور نواب من كل الكتل السياسية، إذ أكدت اللجنة بالاجماع تبني الاتفاق. كما ان الرئيس ميقاتي اكد لبعض الاطراف المشاركة في حوار الاجور الالتزام بالتفاهم، وان هذا الوضع يسري ايضا على عون الذي اعطى توجيهات واضحة في هذا ا لاطار، حتى للوزير نحاس.
إذا بقي نحاس وحيدا في المعركة الخاسرة التي زج بها تياره وقوى الثامن من آذار، بعدما أخذ الجميع خيارا مختلفا، ولم يبق الا حديدان بالميدان، لذلك يعمل جاهدا لايجاد مخرج يحفظ له ماء الوجه.
وهنا فسرت مصادر شاركت في اجتماع لجنة المؤشر اول من أمس دور وزير العمل التحريضي الذي مارسه داخل الاجتماع للتفريق بين الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام، على انه يهدف لضرب الاتفاق بين الطرفين والعودة الى نقطة الصفر من أجل تعويم موقفه، أو على الاقل للتخفيف من حدة خسارة فريقه السياسي خصوصا على المستوى الشعبي، بعدما اتخذ موقفا مواجها للعمال واصحاب العمل في آن.
واشارت المصادر الى ان كل المجتمعين استغربوا الدور التخريبي الذي لعبه وزير العمل خلال الاجتماع، في حين انه كان من المفترض ان يقوم بتقريب وجهات النظر بين فريقي الانتاج والتوفيق بينها، وقال كما ظهر هذا الدور ايضا من خلال فرقة الزجالة التي زج بها في الاجتماع من مستشارين وغير ذلك لدعم رأيه.
اجتماع اللجنة
بعد انتهاء الإجتماع اللجنة، قال نحاس أنه ينطلق في مقاربته لتصحيح الأجور من أمرين ثابتين، الأول أن هناك اتفاقاً بين أرباب العمل والاتحاد العمالي العام، وثانياً من وجهة القانون اللبناني حيث هناك حقوق للأجراء وللعمال وواجب على الحكومة، ودورياً، ان تنظر في نسبة غلاء المعيشة وأن تستخلص رقماً للحدّ الأدنى للأجور، وهذا يكرّسه القانون، معلنا انه سوف نحيل اللازم على مجلس الوزراء، فالدولة مسؤولة عن تنفيذ القانون اي الحد الادنى وتحديد غلاء المعيشة وكيفية تطبيقهما، وغير ذلك غير معنية به.
بدوره أعلن رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن أن موضوع تصحيح الأجور لا يزال عالقاً مع الأسف، وقال اعتبر وزير العمل ان الاتفاق الذي حصل بيننا وبين الهيئات الاقتصادية في بشأن الأجور، غير قانوني وهو غير ملتزم به، ولديه اقتراح آخر وقد استند فيه إلى موقف الاتحاد العمالي العام على اعتبار أن تصحيح الأجور منذ العام 1996 لم يُعالَج. واضاف طالبنا جميعاً بزيادة على كامل الأجور بنسبة 100%، وغلاء المعيشة بدأ منذ تموز 2011، إضافة الى التأكيد على أن الحق في بدل النقل ومنح التعليم هو حق أساسي، ولا أحد يستطيع لا مجلس النواب ولا مجلس الوزراء إلغاءه، نحن نطالب بإضافة الحقوق المكتسبة إلى الراتب، كما نطالب وزير العمل بأن يحمل هذا الأمر لإقناع الجهات الأخرى في الحكومة والاطراف المعنيين بهذا الاتفاق.
وختم غصن حتى التوصل الى حل لتصحيح الأجور يبقى الاتحاد العمالي متمسكاً بالاتفاق مع الهيئات الاقتصادية.
أما ممثل الهيئات الاقتصادية في اجتماع لجنة المؤشر رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس فقال الهيئات قررت صباح اليوم (أمس) التمسّك بالاتفاق مع الاتحاد ونحن متمسكون بالاتفاق وبنصّه وحذافيره، وهو مبني على اعتبارين، الأول مبدئي بأن لبنان يفتقد الى ثقافة الحوار ونحن نرى بأنه أسلوب ناجح يجب تعميمه، والموضوع الثاني هو صرف اقتصادي اجتماعي حيث هناك نسبة تضخم مرتفعة ونمو بطيء. واضاف توصلنا مع الاتحاد العمالي العام الى خلطة سحرية، وأودعنا وزير العمل الاتفاق لكي يُجرِي المقتضى القانوني، ونحن تحت القانون وفي كل دول العالم القانون في خدمة الناس، ونعوّل على الحكومة ومجلس النواب إيجاد الصيغة الملائمة من اجل اصدار الاتفاق الذي توصلنا اليه.
وعبر عميد الصناعيين جاك الصراف عن دهشته من موقف وزير العمل، وقال المسؤولية التي كانت مطلوبة من الوزير وهي أن يجمعنا جميعاً ويجعل المجتمع الإنتاجي يفكر في تحسين الإنتاج والمحافظة على مؤسساته وعماله. فالمهمة كانت معطاة له من موقعه كوزير عمل ومن مهامه ان يجمعنا ويرعى اتفاقنا مع الاتحاد ويباركه وإحالته على مجلس الوزراء، لكنه بقي متشبثاً بأفكاره الشخصية، مما أوصل البحث الى انسداد في الطرح الإجتماعي، وهو مدرك مسبقاً أن هذا الإتفاق سيبقى ونحن سنمضي به.
موقف الهيئات
وعقدت الهيئات الاقتصادية اجتماعا طارئا أمس في مقر غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان برئاسة شقير وبحضور ممثلي الهيئات الاقتصادية في لجنة المؤشر، حيث استمعت الى شروحاتهم حول نتائج المناقشات التي جرت في اجتماع اللجنة الذي عقد امس في مكتب وزير العمل حول موضوع تصحيح الاجور.
وأعلنت الهيئات الاقتصادية في بيان بعد الاجتماع التأكيد على الموقف الذي اتخذه ممثلو الهيئات في لجنة المؤشر.
واكدت تمسكها بالاتفاق الرضائي الموقع في قصر بعبدا في 21 كانون الاول الماضي بين الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام، معتبرة ان هذا الاتفاق انجا تاريخي بين شركاء الانتاج ينبغي تحصينه والحفاظ عليه.
وقررت كذلك استيداع وزير العمل هذا الاتفاق واعتباره بمثابة امانة لديه لنقلها الى مجلس الوزراء.
ودعت مجلس الوزراء الى اقرار الاتفاق الرضائي بالصيغة القانونية في اول جلسة يعقدها المجلس خلال الاسبوع المقبل تلبية لحاجات العمال الملحة.
وإذ رحبت الهيئات الاقتصادية بالمواكبة النيابية لموضوع تصحيح الاجور، أعلنت تأييد التوصية التي اتخذتها لجنة الاقتصاد والتجارة والصناعة النيابية بوضع مشروع معجل مكرر لقوننة بدلات النقل حسب الصيغة التي كان معمولا بها سابقا.
واشارت الى انها تركت اجتماعاتها مفتوحة لمواكبة كل التطورات.
من جهته، اعتبر رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان مارون الخولي ان قرار تصحيح الاجور يتحمل مسؤوليته رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحده، الذي جعل من قضية تصحيح الاجور مادة للتجاذب السياسي بين الاطراف وفي الصالونات السياسية والاجتماعية طيلة اشهر مما انعكس سلبا على مصالح العمال الذين دفعوا ثمن هذه الفوضى المبرمجة من قبل فريق رئيس الحكومة لأهداف اصبحت معروفة منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي.
واضاف الخولي ان ملف تصحيح الاجور بحاجة فقط الى قرار جدي من مجلس الوزراء اسوة بعشرات وبكل المراسيم السابقة في هذا الشأن والتي لم تشهد مثل هذه الجولات والصولات التي لا تليق بأي حكومة في العالم.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.