8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أرقام قياسية في عدد التحركات الاحتجاجية

ماذا بقي من الدولة بعد عام على تولي حكومة ميقاتي مقاليد البلاد؟ لا شيء طبعاً سوى هياكل لا حول ولا قوة لها.
إنها حقيقة نراها في كل مرافق الدولة وأجهزتها وإداراتها ومؤسساتها العامة. إنه فعل تخريب انتجه انقلاب القمصان السود ليرتد سواداً على كل البلاد ولم يسلم منه الحجر ولا البشر.
لقد تعودت قوى 8 آذار في الفترة التي تلت استشهاد الرئيس رفيق الحريري على تعطيل الحكومات المتعاقبة، على اعتبار أنها معارضة، إلا أن ثقافة التعطيل بقيت أبرز أدبياتها بعد انقلابها على حكومة الرئيس سعد الحريري، وها هي خلال سنة تعطل نفسها بنفسها، لأنها لا تفقه سوى لغة التعطيل والتخريب على حساب لبنان وشعبه.
وإذا كان هذا التعطيل ضرب كل مشاريع البنية التحتية ومشاريع الخدمات التي كان مخططاً لها إبان حكومات الرئيس السنيورة والرئيس الحريري، إلا أن الطامة الكبرى هي ما انتجه أداؤها من مشكلات اقتصادية واجتماعية عميقة لن يتمكن الاقتصاد الوطني وفرقاء الانتاج، أي الدولة وأرباب العمل والعمال، من تجاوزها على المدى المتوسط.
فبتاريخ لبنان لم تنظم الهيئات الاقتصادية اللبنانية لقاءين اقتصاديين في أقل من ستة أشهر لإطلاق صرخات تحذيرية من تفاقم أوضاع القطاعات الاقتصادية كافة ووجود خطر كبير من انزلاق الاقتصاد الوطني نحو الدخول في الركود أو الانهيار.
وفي اللقاء الأخير، الذي عقد في فينيسيا بمشاركة أكثر من الف رجل أعمال من مختلف القطاعات والمناطق، تحدثت فيه قيادات الهيئات بصوت واحد محملة الحكومة مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية على المستويات كافة، معتبرة أن التجاذبات داخل الحكومة وعدم تمكنها من إنجاز ملفات أساسية مثل التعيينات الإدارية، أو تنفيذ خطة الكهرباء، ومعالجة الأوضاع المعيشية، كان لها أثر كبير في وصول البلاد الى الوضع السيئ وإعطاء صورة سلبية عن لبنان في الخارج.
وحذرت قيادات الهيئات من أن استمرار الانقسام السياسي والأحداث الأمنية والصراع على الحصص والصفقات، من شأنه ضرب ما تبقّى من منعة اقتصادية للبنان والوصول الى مرحلة الانهيار مع ما يستتبع ذلك من إقفال مؤسسات وصرف عمال.
لم يجد كل هذا الكلام والصرخات آذاناً صاغية لدى الحكومة الميقاتية التي أتحفت البلد بمشروع موازنة من شأنه على حد قول أصحاب العمل والعمال الانقضاض على تبقى من اقتصاد.
إزاء ذلك أعدّت الهيئات الاقتصادية مذكرة ضمنتها ملاحظاتها على المشروع، وسلمتها الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وأكدت له تحفظها الشديد على التعديلات الضريبية الواردة في المشروع والتي تصل الى 57 بنداً، وهذا يضرب الاستقرار التشريعي والضريبي وكذلك صورة لبنان كمكان جاذب للاستثمار، كما أكدت أن الموازنة تسير في الاتجاه الخاطئ، إذ إن الإنفاق العام مقدر له أن يرتفع 16 في المئة بدلاً من أن تتقشف الدولة على غرار العملاء الاقتصاديين الآخرين.
واعتبرت ورقة الهيئات أن التعديلات الضريبية المقترحة أتت خارج أي رؤية اقتصادية أو اجتماعية، أو إنمائية، إذ لا خلفية لها إلا تصعيد العبء الضريبي بشكل عشوائي من دون تبصر لنتائجه، ويرتقب أن يكون لمفاعيلها تأثير مدمر وقمعي على الإقتصاد الوطني، في وقت يحتاج فيه الاقتصاد اللبناني الى تحفيز نتيجة إنعدام النمو وتدهور البنية الحاضنة للاقتصاد.
موقف العمال لم يكن أقل حدة من الهيئات الاقتصادية، فقد أعلن الاتحاد العمالي العام رفضه القاطع لمشروع موازنة لا سيما زيادة الأعباء الضريبية الجائرة والرسوم الباهظة.
هذا بالنسبة الى الموازنة، أما بالنسبة الى الأوضاع المعيشية، فإنه رغم المعاناة الكبيرة التي عاشها العمال للحصول على زيادة غلاء المعيشة، جراء التجاذبات داخل الحكومة، خصوصاً الدور السلبي لوزير العمل شربل نحاس الذي عطّل على مدى أشهر كل التفاهمات التي حصلت حينها حول هذا الملف خصوصاً الاتفاق التاريخي الذي جرى في قصر بعبدا بين أصحاب العمل والعمال. فقد أتت هذه الزيادة من دون أي رائحة أو طعم، إذ أفرغت من قيمتها قبل وصولها الى جيب المواطن، جراء التسيب الحاصل في الأسواق والغلاء الفاحش.
هذا الوضع االمتفاقم، فجّر غضب الناس في كل المناطق والعاملين في مختلف القطاعات، الذي ترجم تحركات ميدانية من اعتصامات وتظاهرات وقطع طرق قامت بها نقابات على اختلافها ولم تسلم منها أي منطقة، ويمكن القول في هذا الإطار إن الحكومة الميقاتية دخلت موسوعة غينيس للأرقام القياسية التي سجلتها خلال عام من تسلمها السلطة على مستوى الاضرابات والتظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد.
هذا الوضع السيء والمتفاقم، أحرج قيادة الاتحاد العمالي العام (التي تعد من الحلفاء الطبيعيين لهذه الحكومة، كونهما ينتسبان الى فريق 8 آذار) وأخرجها عن صمتها، ولم تجد بداً من إعلان التحرك في وجه الحكومة في مطلع أيار الماضي، داعية الى اضراب عام احتجاجاً على سؤ أداء الحكومة وفشلها الذريع في إدارة الملفات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية.
لكن بعد ذلك كله وبعد سنة على توليها مقاليد الحكم، ماذا كانت النتيجة؟ لا تندهي ما في حدا، فالتعطيل مستمر واستنزاف الدولة مستمر، وضرب الاقتصاد يتقدم على قدم وساق، فيما الحكومة ومن فيها في خبر كان لا يعنيهم سوى تحقيق مصالحهم الضيقة، أو مصالح القوى الاقليمية التي ترعاهم. اما الآن فقد أدخلت هذه الحكومة البلاد في مرحلة جديدة، هي مرحلة الانتخابات، ومعها بات كل قرار أو إجراء أو تعيين أو مشروع يخضع لعامل واحد هو خدمة المعركة الانتخابية.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00