إنها الحكومة الميقاتية صاحبة الأيدي السوداء على الاقتصاد والناس ومعيشتهم. وهذا ليس مجرد كلام نابع من خلفيات سياسية إنما حقيقة واضحة وضوح الشمس مؤكدة بمؤشرات اقتصادية ظهرت تباعاً منذ تسلمها مقاليد البلاد.
المواطن العادي بات يعرف جيداً هذه الحقائق من حياته اليومية والضائقة المعيشية التي تحيط به من كل حدب وصوب، كما رجل الأعمال يشعر جيداً بالمخاطر المحدقة بمؤسسته، والأخطر من ذلك أن هذا الوضع ليس محصوراً بفئة معينة أو قطاع محدد، إنما يطال الجميع، فالكل في مركب يسبح في بحر هائج، لكن هذا المركب أصابه الانفجار الجمعة الماضي وأحدث في هيكله ثقوباً كبيرة وتصدعات قوية، وهو الآن قاب قوسين أو أدنى من الغرق.
وزيرة المال السابقة ريا الحسن حملت الحكومة مسؤولية التدهور الاقتصادي الذي شهدته البلاد خلال الفترة الماضية، معتبرة أن التفجير الإرهابي الذي أودى بحياة رئيس شعبة المعلومات اللواء وسام الحسن شكل الضربة القاضية التي أوقعت الاقتصاد في الهاوية.
واعتبر رئيس اتحاد غرف التجارة والصناعة والزراعة في لبنان رئيس غرفة بيروت وجبل لبنان محمد شقير أنه اليوم لم يعد لدينا اقتصاد فكل القطاعات مشلولة، مبدياً خوفه الشديد على المؤسسات الخاصة التي باتت مهددة بمخاطر كبيرة لا يحمد عقباها، وكاشفاً عن تراجعات كبيرة في أداء القطاعات الاقتصادية، مشبهاً وضعها اليوم بما مرت به إبان حرب تموز.
ووصف رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس الوضع التجاري في بيروت بـالكئيب والحزين منذ الجمعة الماضي، وبعدما عرض واقع القطاع الصعب على المستويات كافة، سأل كيف يمكن للقطاع التجاري أن يبقى ويستمر؟
الرئيس السابق لجمعية المصارف فرانسوا باسيل اتهم الحكومة بالعجز، محملاً اياها مسؤولية تردي الوضع الاقتصادي. وقال لا يمكن بعد اليوم معالجة هذه الأوضاع بالطرق العادية، مطالباً بتأليف حكومة إنقاذ من غير السياسيين.
أما رئيس تجمع رجال الأعمال فؤاد زمكحل فقد قال لمواجهة الوضع الاقتصادي الخطر كان لا بد من خطة انقاذ اقتصادي، لكن ما رأيناه من خطوات قامت بها الحكومة يدمر الاقتصاد، وقال إنها أكثر من دمار اقتصادي، وإننا كرجال أعمال سندفع ثمنها لأجيال مقبلة.
المستقبل التقت مجموعة من القيادات الاقتصادية أعطت صورة واضحة عن مشكلات الاقتصاد الوطني العميقة وتراجع أداء القطاعات، فضلاً عن تداعيات انفجار الأشرفية الإرهابي على هذه المستويات.
وفي هذا السياق، قالت الحسن: منذ فترة كنا نحذر من تردي الوضع الاقتصادي، أي مباشرة بعد مجيء هذه الحكومة في العام 2011، وهذا كان واضحاً من خلال كل المؤشرات المتعلقة بالنمو وبالقطاعات الاقتصادية، معتبرة أن هذا التردي ناتج عن انعدام الرؤية الاقتصادية للحكومة، والذي تفاقم مع الإجراءات أو الخطوات المتتالية التي اتخذتها في الشأن الاقتصادي، ما أدى الى مزيد من التدهور وتراجع الثقة لدى المستثمر والمودع.
الحسن أشارت الى أن سلسلة أعمال التخريب والخطف وتهديد الرعايا العرب والأتراك التي جرت في 15 آب الماضي أكملت المشهد ودفعت الاقتصاد الى مزيد من التدهور والتراجع. وقالت: قبل التفجير الإجرامي الذي أودى بحياة اللواء وسام الحسن كان الاقتصاد اللبناني على شفير الهاوية، في حين شكل هذا الاغتيال الضربة القاضية التي أوقعتنا في الهاوية. أضافت قبل هذه العملية كنا نأمل أن يكون هناك حركة سياحية وتجارية مقبولة خلال عيد الأضحى، وخلال عيدي الميلاد ورأس السنة، لكن ما حصل قلب المشهد، وهذا ظهر بشكل واضح خلال الأيام الأربعة التي تلت التفجير، حيث انخفض الإشغال في أحد الفنادق الكبرى من 47 في المئة الى 12 في المئة، كذلك هناك 3 مؤسسات سياحية صرفت 330 موظفاً.
وقالت الحسن إذا كنا نتكلم في السابق عن شفير الهاوية فاليوم نحن في الهاوية. وأضافت كي نؤكد أننا لا نتهم هذه الحكومة سياسياً، فالهيئات الاقتصادية حملتها مسؤولية هذا التردي وطلبت منها الرحيل.
وشددت على أنه يجب ألا نتردد بالمطالبة برحيلها، خصوصاً أنه قبل الاغتيال أوصلتنا الى الإفلاس وبعده تلقى الاقتصاد ضربة قاضية، لذلك لا مجال لبقائها.
شقير
لم يبتعد شقير كثيراً عن الحسن في وصفه الواقع الاقتصادي الذي كان يقول عنه على الدوام بأنه على شفير الانهيار، وأكد أن هذا التراجع المخيف الذي شهده في الفترة الماضية يعود بشكل أساسي للتجاذبات السياسية والأحداث الأمنية ولسوء أداء الحكومة التي لم تتعاطَ مع الاقتصاد إلا انطلاقاً من مصالح الأفرقاء الخاصة في داخلها، معتبراً أن الأحداث التي شهدها لبنان في 15 آب الماضي من اضطرابات أمنية وعمليات خطف وتهديد الرعايا العرب خصوصاً الخلجيين كانت كفيلة في إدخال الاقتصاد في العناية الفائقة.
وتساءل كيف يمكن مع ذلك أن تفكر الحكومة في زيادة الضرائب على القطاعات الاقتصادية بحجة تمويل سلسلة الرتب والرواتب، وهي كمن يفرض على مريض في العناية الفائقة تسلق الجبال؟
وقال شقير إذا كان بالإمكان التشكيك بالكلام فالأرقام الصادرة عن القطاعات وإدارات الدولة تعتبر أصدق بكثير لإعطاء صورة واضحة وشفافة عن وضع الاقتصاد الوطني، عارضاً في هذا الإطار عدداً من المؤشرات الاقتصادية الآتية:
- خفض صندوق النقد توقعات النمو في لبنان من 3،5 في المئة الى 2 في المئة في 2012. كما خفضت هيرمس أيضاً توقعات النمو في لبنان عام 2012 الى 1 في المئة جراء ضعف الاقتصاد والتشاؤم حيال المستقبل.
- انخفضت مساحات البناء المرخّصة بنسبة في المئة على صعيد سنوي لغاية آب من العام .
- هوت الصادرات الصناعية اللبنانية أكثر من 200 مليون دولار في تموز وآب الماضيين، مقارنة مع الفترة نفسها من 2011.
- ارتفع معدل تضخم الأسعار بنسبة 10،3 في المئة بين أيلول 2011 وأيلول .
- سجل ميزان المدفوعات عجزاً غير مسبوق بقيمة 1،84 مليار دولار لغاية آب 2012.
- ارتفع عدد الشيكات المرتجعة حتى أيلول بنسبة 8،5 في المئة الى 194 ألفاً و402 شيكاً، وبلغت قيمتها 1641 مليار ليرة.
- بلغ معدل البطالة لدى الشباب في لبنان 34 في المئة.
- هذا بالإضافة الى انخفاض حركة الفنادق والمطاعم والملاهي بشكل غير مسبوق فضلاً عن الانخفاض الكبير في الحركة التجارية في العاصمة والمناطق.
- إقفال أكثر من 250 مؤسسة في الوسط التجاري.
- إقفال أكثر من 200 مطعم خلال العام 2012.
وقال هذا غيض من فيض، لكن ما يؤلمنا أن لا أحد ممن في الحكومة يسأل، إنما بالعكس يحاولون بالكلام وبالظهور الإعلامي قلب هذه الحقائق، ويروجون أن البلد بألف خير.
ورأى شقير أن الانفجار الإرهابي لم يطل اللواء الشهيد وسام الحسن، بل نال أيضاً مما تبقى من اقتصاد، وقال اليوم لم يعد لدينا اقتصاد فكل القطاعات مشلولة وأنا خائف كثيراً على مؤسستنا التي باتت مهددة بمخاطر كبيرة لا يحمد عقباها، كاشفاً عن تراجعات كبيرة في أداء القطاعات الاقتصادية، مشبهاً أوضاعها اليوم بما مرت به إبان حرب تموز.
شماس
شماس وصف بدوره الوضع التجاري في بيروت بالكئيب والحزين منذ الجمعة الماضي مع هذا الحدث الجلل المتمثل باغتيال اللواء وسام الحسن.
وقال المسار الاقتصادي والتجاري انحدر منذ بداية هذا العام وتلقى ثلاث ضربات قاسمة في أيار وآب وتشرين الأول، وهذا يفوق قدرة أي اقتصاد على التحمل. أضاف توقيت هذه الضربات يضاعف كلفتها على الاقتصاد، لأنها أتت على أبواب محطات تجارية وسياحية أساسية المتمثلة بفصل الصيف وعيد الفطر وعيد الأضحى.
وكشف شماس أن القطاع التجاري يعيش ضائقة مالية لم يسبق لها مثيل منذ نهاية الحرب، وانهيار مقلق في أرقام الأعمال، وارتفاع صاروخي في الأعباء التشغيلية، وتراكم الفوائد المصرفية، وضعف تحصيل الزمم من الأسواق والزبائن، فضلاً عن صعوبة تغطية كشوفات الموردين وصولاً الى تكدس في الخزونات واحتراق المواسم.
وقال على هذا الأساس يتساءل أي مراقب موضوعي وبالنظر بالعين المجردة والمنطق العلمي السليم، كيف يمكن للقطاع التجاري أن يبقى ويستمر؟.
باسيل
وقال باسيل كنا دائماً نحذر من خطورة وضع الاقتصاد الوطني بقطاعيه العام والخاص. وما زاد من هذا الأمر هو عجز الحكومة التي لم تستطع اتخاذ أي إجراء لخلق ظروف مواتية للأعمال، إن كان التعيينات الإدارية، أو إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص لوقف الهدر في ملفات عدة أبرزها الكهرباء، إنما بالعكس فقد قامت الحكومة بخطوات سلبية على المستوى الاقتصادي أدت الى تفاقم الأوضاع ووصولنا الى ما وصلنا إليه.
وأشار الى تداعيات اقتصادية كبيرة نتجت عن التفجير الإرهابي الذي استهدف اللواء الحسن، وقال اليوم الجميع خائفون من المواطن الى المستثمر اللبناني والأجنبي.
وإذ أشار الى أن عمل القطاع المصرفي عاد الى طبيعته، أكد أن كل القطاعات الأخرى تضررت بشدة، وقال لا يمكن بعد اليوم معالجة هذه الأوضاع بالطرق العادية، مطالباً بتأليف حكومة انقاذ من غير السياسيين.
ودعا باسيل الطبقة السياسية للعودة الى ضمائرها والتفكير بلبنان أولاً.
زمكحل
أما زمكحل فقد قال لم يكف الانعكاسات السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية وتداعيات الربيع العربي على الاقتصاد اللبناني، فقد ساهمت التجاذبات السياسية والأحداث الأمنية التي شهدها لبنان في ضرب الاقتصاد الوطني وظهر ذلك من خلال أداء كل القطاعات التي تراجعت بشكل مخيف، عارضاً في هذا السياق بعض المؤشرات التي تظهر حقيقة الوضع الاقتصادي وهي: تراجع تسليم الاسمنت بنسبة 9 في المئة، انخفاض رخص البناء 14 في المئة، وانخفاض التصدير 9 في المئة.
ورأى زمكحل أنه لمواجهة الوضع الاقتصادي الخطر كان لا بد من خطة انقاذ اقتصادي، لكن ما رأيناه من الحكومة هو إجراءات تدمر الاقتصاد لا سيما زيادة غلاء المعيشة أو مشروع سلسلة الرتب والرواتب، وقال إنها أكثر من دمار اقتصادي، وإننا كرجال أعمال سندفع ثمنها لأجيال مقبلة.
وبالنسبة لانعكاسات الانفجار، قال إذا كان لدينا أمل بتحريك عجلة الاقتصاد ولو بنسبة مقبولة قبل الانفجار، إنما الآن فكل شيء طار، فالحجوزات في الفنادق في أدنى مستوياتها، وكذلك الأمر بالنسبة لأعمال القطاعات الاقتصادية الأخرى، مؤكداً أن الوضع في غاية السوء والاقتصاد في مأزق حقيقي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.