شهدت العاصمة الروسية موسكو نهاية الأسبوع الماضي عروضا فنية معاصرة لفنانين مرتبطين بالمنطقة العربية، وحظيت تلك العروض باهتمام واسع من الجماهير والنقاد على حد سواء.
وكان العرض الأول على خشبة مسرح البولشوي الشهير بالقرب من الكرملين، ويحمل اسم "المئذنة"، وهو عرض للرقص المعاصر، من إخراج مصمم الرقصات والراقص اللبناني عمر راجح، وعرض في إطار مهرجان الرقص المعاصر "دانس إنفيرجن" .
أما القضية التي يناقشها مهرجان "دانس إنفيرجن" فهي "الرقص كدليل على الجرائم التي نرتكبها اليوم، وتدمر القيم الثقافية حولنا".
ويطرح عرض "المئذنة" أسئلة هامة: كيف ننقذ أرواحنا من الدمار المحيط؟ وإلى أين نتوجه بحثا عن الخلاص؟ وما الذي يتحطم داخلنا حينما تدمر مئذنة مسجد عمره ألف سنة في مدينة حلب السورية؟
لكن الحديث/الرقص في "المئذنة" لا يدور حول ذلك فحسب، بل يمتد العرض ليناقش العنف والدمار حول العالم والذي تعج به شاشاتنا المطلة على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في كل لحظة. "إننا لا نملك رسالة معينة، ولكنها القضية الملحة التي تقلقنا وتمتد أذرعها لقضايا المجتمع والسياسة والثقافة والإنسان" على حد تعبير مصمم الرقصات عمر راجح.
في العرض يلتقي الرقص مع فن الفيديو Video Art مع الموسيقى الحية التي يعزفها مؤلف موسيقى العرض محمود تركماني، وبصحبته بابلو بالاسيو. وقد أنهى تركماني دراسته المتخصصة في الغيتار الكلاسيكي في كونسيرفاتوار موسكو (تشايكوفسكي) منذ 30 عاما، وهو عازف غيتار محترف يعزف حول العالم في جولات فنية. إلا أنه في هذا العرض يعزف على العود. يقول تركماني: "لم أرغب في أن تكون موسيقى العرض مقولبة في موسيقى الشرق الفولكلورية المعروفة، وإنما استخدمت بعض العناصر من الموسيقى الشرقية، وأسلوب مصاحبة يميل أكثر إلى المعاصرة".
أما العرض الثاني فهو مسرحية للمخرجة المسرحية الروسية من أصول أردنية، ليلى أبو الكشك، وهي خريجة معاهد المسرح الروسية (ياروسلافسك – قسم التمثيل 2010، بوريس شوكين – قسم الإخراج 2017)، ويحمل اسم "نيجينسكي – العبقري الأبله".
وتطرح المسرحية قضية الراقص المبدع فاتسلاف نيجينسكي، الذي يصنف بأنه أفضل راقص في القرن العشرين، والذي قيل عنه إنه "إله الرقص"، والذي انتهى به الأمر إلى مصحة للأمراض النفسية.
يعيش نيجينسكي على حافة الجنون دائما، يبدو لنا وكأن الآلهة تخاطبه، وفي العرض نسمع تلك الجملة من منظم "المواسم الروسية" في باريس، وصاحب "الباليه الروسي" هناك سيرغي دياغيليف: "حين يخاطب الإنسان الآلهة فتلك صلاة، وحينما تخاطبه هي فذلك جنون".
وهو بالتحديد ذلك الخيط الرفيع الذي يمشي عليه فاتسلاف نيجينسكي وتبرزه بحرفية واقتدار المخرجة أبو الكشك، من خلال أدوات ومفردات مسرحية مكنتها من الوصول إلى عمق تلك القضية الوجودية المتخصصة للغاية في أدق الفترات وأصعب وأعمق وأعقد الشخصيات في فن الباليه خاصة والفنون بشكل عام.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.