هل يقدم لبنان على تجميد ودائع العراق في المصرف المركزي والتي تناهز 500 مليون دولار تمهيداً لسداد قيمة مستحقات رجال الأعمال اللبنانيين لدى السلطات العراقية، بعدما كلف مجلس الوزراء وزير العدل بهيج طبارة إعداد دراسة كاملة عن الموضوع؟
فبانتظار انتهاء الوزير طبارة من إعداد هذه الدراسة التي من شأنها وضع تصوّر كامل عن الموضوع، لينفذ في ضوئها القرار المناسب ضمن المبادئ التي تحفظ احترام لبنان ومسؤولياته والتزاماته ونظامه المصرفي والقوانين التي تتعلق بالآخرين ومقررات الأمم المتحدة ومجلس الأمن.
وفي هذا الإطار، رفض الوزير طبارة إعطاء أي توضيح لـ"المستقبل" حول قانونية التصرف بالأموال العراقية لسداد أموال مستحقة للبنانيين، قبل الانتهاء من وضع الدراسة، موضحاً أنها ستنجز خلال هذا الأسبوع.
وكان وزير المال فؤاد السنيورة قد شدد على أن لبنان سيتصرف وفق ما تمليه مصلحته في ما يتعلق بودائع العراق في ضوء دراسة الوزير طبارة.
وبناء على طلب من مصرف لبنان شكّلت لجنة مشتركة من غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان وجمعية الصناعيين مهمتها التثبت من قيمة مستحقات رجال الأعمال اللبنانيين لدى السلطات العراقية، والتي أحصت حتى الآن أكثر من مئتي عقد تزيد قيمتها على 300 مليون دولار. وإذ يشدد رجال الأعمال اللبنانيين على ضرورة تحرك السلطة اللبنانية للحفاظ على حقوقهم وتحصيلها من خلال التحرك عبر القنوات الديبلوماسية لا سيما مراجعة مجلس الأمن، والأمين العام للأمم المتحدة والسلطة العراقية وتشريع قانون يسمح بالتصرف بالأموال العراقية، وإجراء مقاصة مع رجال الأعمال اللبنانيين "لا سيما أن الأردن شرعت مثل هذا القانون، ووزعت الأموال على أصحاب الحقوق الأردنيين".
وقد سمح قانون إدارة الودائع المجمدة الموقت رقم 33 لسنة 2003 لمجلس الوزراء الأردني اتخاذ قرار بتجميد أي ودائع موجودة في المملكة لدى أي جهة عامة أو خاصة إذا كانت مملوكة لجهة حكومية غير أردنية تعرّضت أو يحتمل أن تتعرض لأوضاع أو ظروف استثنائية، يرى مجلس الوزراء أنها قد تنعكس بصورة سلبية على الجهاز المصرفي الأردني، وعلى تلك الودائع، وعلى من يكون لهم حقوق فيها.
وأنشأ القانون صندوقاً لإدارة الودائع المجمدة على أن تحول لحسابه الودائع التي تم تجميدها للتصرف بها. ويجيز القانون لأي متضرر أن يتقدم بطلب الى اللجنة التي تدير الصندوق معززاً بالوثائق اللازمة لاستيفاء حقوقه أو تغطية مخاطره الناشئة عن عقد مبرم مع الجهة الحكومية غير الأردنية. وللجنة بعد التأكد من وجود حق للمتضرر بهذه المطالبة ومن صحة الوثائق التي قدّمها أن تقرر الوفاء له بهذا الحق من أموال الصندوق.
إلا أن الورشة التي تقوم بها السلطة اللبنانية بالتعاون مع القطاع الخاص، يقابلها إلحاح السلطة الحاكمة في العراق لإعادة الودائع العراقية الى المصرف المركزي العراقي. وقد برز ذلك جلياً بزيارة وفد يمثل السلطة الحاكمة في العراق لبنان أواسط الشهر الماضي لهذه الغاية.
وفي هذا الإطار، قال رئيس مجلس الصادرات في جمعية الصناعيين أحمد كبارة لـ"المستقبل"، "لبنان لديه عقود وقعها مع العراق وفقاً لبرنامج النفط مقابل الغذاء بإشراف الأمم المتحدة. فالعقود اللبنانية التي أبرمت وفقاً لبرنامج العقوبات المفروضة على العراق ووافق عليها مجلس الأمن ولجنة العقوبات التي يتواجد فيها مندوبين عن الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، فتحت اعتمادات مستندية لبعضها بواسطة بنك (BNPI).
ورأى كبارة ان هذه العقود ملزمة ليس فقط للسلطة العراقية فحسب، إنما للأمم المتحدة ولجنة العقوبات أيضاً، لا سيما أن الترابط التعاقدي أصبح ملزماً لكل هذه الأطراف بالإضافة الى بنك BNPI.
وأوضح أنه استناداً الى تلك العقود، قام المنفذ اللبناني بتجهيز المواد الأولية، وتصنيع السلع المطلوبة جراء العقود، لكن بسبب الحرب الأخيرة على العراق لم يتمكن من إرسالها. وبالإضافة الى ذلك فهناك عقود لم يُنه المنفذ اللبناني تصنيعها، إذ اشترى المواد الأولية اللازمة لها، وتعاقد مع عدد من المصارف لتمويل هذه العملية.
وقال كبارة: "بالإضافة الى العقود التي أبرمت مع العراق، في إطار برنامج النفط مقابل الغذاء، يوجد مبالغ متوجبة على العراق تعترف بها السلطات العراقية، ويجب سدادها ايضاً، وهي أموال ناتجة من تصدير المنتجات اللبنانية الى العراق عام 1991، وقد كلّف بنك الرافدين بسدادها للمعنيين اللبنانيين".
وأشار الى أنه منذ بداية الحرب عطلت مكاتب تسلّم البضائع المشحونة الى العراق التابعة للأمم المتحدة، وهذا ما أدى الى عدم تمكن أصحاب العقود من تسليم بضائعهم.
وقال: "نحن نطالب الآن بإعادة تلك الآلية نفسها، وبناء على هذه المعطيات تمنينا على السلطات اللبنانية أن تأخذ في الاعتبار الضرر اللاحق بنا، وضرورة بحث هذه القضية مع السلطات الدولية والعراقية لإتمام تنفيذ العقود التي نعتبرها ملزمة لجميع الأطراف".
وأشار الى أن الحكومة الأردنية واجهت الأمر نفسه وعملت على تشريع قانون يحمي حقوق الأردنيين وتجميد الأرصدة العراقية الموجودة في الأردن الى حين تسوية هذا الموضوع، وكذلك فعلت مصر وسوريا وفرنسا وروسيا.
ولفت الى أن السلطة اللبنانية تبحث الآن في الصيغة القانونية التي تمكنها من حماية حقوق اللبنانيين وعدم التصرف بالأموال العراقية الموجودة في مصرف لبنان قبل تسوية الأمر.
وقال كبارة: "نحن لا نبغي الابتزاز مقابل أعمال لم نقم بها، إنما نطالب بتنفيذ عقود موجودة وبوشر بتنفيذها ما أدى الى إلحاق الضرر بالقطاعات الانتاجية اللبنانية".
وأوضح أن جمعية الصناعيين وغرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان شكلا لجنة مشتركة مهمتها إحصاء العقود وتوثيق المعلومات وتحديد حجم الأضرار بدقة لكي تستند اليها السلطات اللبنانية وحاكمية مصرف لبنان عند التفاوض مع السلطات المعنية في هذا الموضوع.
وتمنى تخصيص الأموال العراقية الموجودة في مصرف لبنان والتي تزيد قيمتها على 500 مليون دولار لسداد قيمة العقود للبنانيين المعنيين.
ودعا السلطة اللبنانية الى توسيع تحركها في هذا الاطار عبر القنوات الديبلوماسية لا سيما مراجعة مجلس الأمن والدول ذات العضوية الدائمة فيه، والأمين العام للأمم المتحدة، بالإضافة الى وضع تشريع كما هو معمول به في عدد من الدول التي لديها وضع مماثل لتجميد أموال العراق الى حين حل الموضوع.
نصولي
من جهته، قال عضو اللجنة المكلفة إحصاء العقود مع العراق عبد الودود النصولي لـ"المستقبل": "بعد قرار الأمم المتحدة 1483 تاريخ 21/5/2003، والذي رفع بموجبه الحظر عن العراق، طُلب من كل الدول التي يوجد فيها ودائع عراقية إبلاغ السلطات في العراق عن هذه الودائع وتحويلها الى العراق".
وأضاف: "لقد قدم الى لبنان في أواسط الشهر الماضي وفد يضم ممثلاً عن المصرف المركزي العراقي واثنين عن السلطة الحاكمة، وكانت مهمة الوفد مطالبة السلطة اللبنانية بإعادة الأموال العراقية المودعة في لبنان".
وأشار النصولي الى أن المسؤولين في لبنان سلموا الوفد لائحة تشمل قسماً من العقود المبرمة مع بغداد والتي لم تُسدد قيمتها الى أصحاب الحقوق اللبنانيين، لافتاً الى أن هذه اللائحة شملت أكثر من مئة عقد قيمتها تزيد على 150 مليون دولار.
وأوضح النصولي أن اللجنة المكلفة إحصاء العقود لا تزال حتى الآن تتسلم الطلبات، وهي أحصت ما يزيد على مئتي عقد قيمتها تفوق 300 مليون دولار.
وقال: "إن العقود الموقعة مع العراق في إطار برنامج النفط مقابل الغذاء تشتمل على تصدير بضائع وسلع ومنتجات مختلفة، وإنشاء بنى تحتية ومستشفيات وخطوط انتاج وبناء مساكن".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.