18 تشرين الأول 2019 | 21:10

سعد الحريري

الحريري يحدد مهلة 72 ساعة: ما رأيناه وجع حقيقي للبنانيين

اعتبر رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أن ما رأيناه منذ الأمس هو وجع حقيقي للبنانيين، أساسه مستوى السلوك السياسي بالبلد، الذي هو السبب وراء المماطلة بالحلول والتردد بالقرارات وتعطيل الدولة أمام كل مشكل صغير وكبير، فيما كان الناس ينتظرون من الحكومة وكل الطاقم السياسي جدية في العمل، لكننا لم نقدم لهم إلا العراضات السياسية والسجالات. وقال: "عندما أتينا إلى الخطوة المباشرة وحاولنا التنفيذ، لم تبق هناك مماطلة أو وفركوشة إلا ووضعت بوجهي، إن كان في موضوع الكهرباء أو خفض العجز أو تعيينات المجالس والهيئات الناظمة، التي هي أولى خطوات الإصلاح. كانت كلها تُعطل "وما في شي بيمشي".

وحدد الرئيس الحريري مهلة 72 ساعة لنفسه، وقال: "أنا شخصيا، سأعطي نفسي وقتا قصيرا جدا، فإما أن يعطي شركاؤنا بالتسوية وبالحكومة جوابا واضحا وحاسما ونهائيا، يقنعني أنا، ويقنع اللبنانيين والمجتمع الدولي وكل من يعبّرون عن الغضب بالشارع اليوم، بأن هناك قرارا من الجميع بالإصلاح ووقف الهدر والفساد، أو يكون لي كلام آخر".



كلام الرئيس الحريري جاء في رسالة وجهها مساء اليوم إلى اللبنانيين من مكتبه في السراي الحكومي، في ما يلي نصها:

لقد عودت اللبنانيين في كل اللحظات الحاسمة أن أخاطبهم مباشرة وأصارحهم بالحقيقة، لأنه رغم كل شيء، كنا وما زلنا وسنبقى عائلة وحدة، اسمها لبنان.

البلد يمر بظرف عصيب لا سابقة له في تاريخنا. وهذا الكلام الصريح أتمنى من اللبنانيين أن يسمعوه بدقة، بعيدا عن المزايدات السياسية التي ترونها على الشاشات من الأمس وحتى اليوم. ما رأيناه منذ مساء الأمس هو وجع اللبنانيين، هو وجع حقيقي، أنا أشعر به وأعترف به وأنا مع كل تحرك سلمي للتعبير عنه. لكن المهم هو كيف سنعالجه ونقدم حلولا له، لأن هذه هي المسؤولية التي كلفنا بها الشعب اللبناني.

على الرغم من أن هذا الوجع انفجر في الشارع بالأمس، أنا أحاول منذ أكثر من ثلاث سنوات أن أعالج أسبابه وأقدم حلولا حقيقية له. منذ أكثر من 3 سنوات، قلت لكل شركائنا في الوطن، أن بلدنا فُرضت عليه ظروف خارج إرادته، وهو ينفق عاما بعد عام أكثر مما يُدخل، وبات الدين كبيرا لدرجة أنه لم يعد بمقدورنا أن نستمر على هذا النحو.

الكهرباء تكلف الدولة ملياري دولار في السنة، وسلسلة الرتب والرواتب أقرت وملتزمون بها، لكن تبين أنها فاقت التوقعات وتكلف أيضا حوالي ملياري دولار عجز إضافي في السنة. هذا بالإضافة إلى فوائد الديون والهدر وغيرها. قلت أن الحل هو أن نخفض الفارق بين المصروف السنوي والمدخول السنوي، لكي نخفض في مرحلة أولى الحاجة لديون جديدة. وفي الوقت نفسه، قلت للجميع أن الحل الحقيقي هو أن نزيد مدخول البلد، أي أن نعيد النمو للاقتصاد، الذي يخلق فرص عمل، خصوصا للشباب والشابات. ولأننا لا يمكن أن ننفد هذا الحل بإمكاناتنا وحدنا، اتفقنا مع كل الشركاء بالوطن، على إصلاحات لا حل من دونها، وأخذت هذا الاتفاق إلى أشقائنا وأصدقائنا في المجتمع الدولي. وهنا أود أن أوضح أن الإصلاحات لا تعني ضرائب. الإصلاحات تعني أن نغيّر الطريقة التي يعمل بها لبنان، فلا يمكننا أن نعيش في العام 2019 في حين نعمل بقوانين أقرت في خمسينات وستينات القرن الماضي. فتحدثت مع أصدقائنا في المجتمع الدولي وأبلغتهم أن هذا ما قررنا أن نقوم به، وطلبت منهم بالمقابل، المساعدة بتمويل هذا الحل، أي ضخ أموال جديدة وحياة جديدة بالاقتصاد اللبناني. ووافقوا مشكورين، أنه بناء على هذه الإصلاحات التي قررناها، أن يلتزموا بـ 11 مليار دولار لتمويل هذا الحل. هذا بالمختصر ما يسمى "مؤتمر سيدر".

عدت لشركائنا في الوطن والحكومة. قلت لهم: هل يرى أحدكم أن المشكلة على غير ذلك؟ قالوا لي كلا. سألتهم: هل يرى أحدكم أن الحل يجب أن يكون غير ذلك؟ وكذلك قالوا كلا. يعني أن لا أحد طرح حلا آخر، فتوكلت على الله وأتيت إلى التنفيذ. فلم تبق هناك مماطلة، ولم تبق هناك "فركوشة" إلا ووضعت بوجهي! بدأنا من تشكيل الحكومة: أسابيع وأشهر وفصول! قلت بإصلاح الكهرباء، لأن الكهرباء وحدها تمثل ملياري دولار في السنة. ولكني منذ يوم تشكيل الحكومة وأنا أعقد اجتماعا بعد اجتماع، ولجنة بعد لجنة، وطرحا بعد طرح، ووصلت أخيرا إلى خط النهاية، فأتى من يقول: "ما بيمشي".

أتينا إلى الخطوة المباشرة الأولى، والتي هي خفض العجز. خفضنا النفقات إلى أقصى درجة، وسألنا من أين نستطيع أن نزيد الدخل... اجتماعات ولجان واتصالات، لنصل أخيرا إلى اتفاق، وحين نصبح عند خط النهاية، يأتي من يقول: "ما بيمشي"...

أتيت إلى تعيينات المجالس والهيئات الناظمة، والتي هي أول خطوات الإصلاح، وأيضا.. "ما كانت تمشي".



وبدل أن يركزوا على معالجة العجز والإصلاحات، فإما أن نقضي الوقت بتصفية حسابات بين بعضنا البعض، على حساب الوقت، أي على حساب الناس، أو تصفية حسابات مع الخارج، الذي هو نفسه اتفقنا على أن نشجعه لمساعدتنا والاستثمار باقتصادنا....

هيئة حماية المستهلك، "ما بتمشي". كل لجنة وزارية 9 وزراء على الأقل، ليكون الجميع مسرورا. حكومة وحدة وطنية، فهمنا! ولكن اللجان أيضا لجان وحدة وطنية؟ والنتيجة، "ما فيه شي بيمشي"! كيف ذلك؟

أي شعب يواجه أداء سياسيا على صورة ما رأيتموه من أشهر وسنين، تكون ردة فعله الغضب. الغضب، بالتأكيد نتيجة أوضاع معيشية، لكن أساسه مستوى السلوك السياسي بالبلد، الذي هو السبب وراء المماطلة بالحلول والتردد بالقرارات وتعطيل الدولة أمام كل مشكل صغير وكبير.

ربما هناك جهات بالداخل سعيدة بما يحصل، و"عملت قبة باط" لمجموعات نزلت إلى الشارع وركبت موجة الشباب والشابات التي هي في وجه الجميع، "منا وجر!". وقد يقال أن هناك مخططا خارجيا لتخريب الوضع أو أن هناك متغيرات بالإقليم وموازين قوى انقلبت، وأنه إذا كان الوضع يتجه نحو الهدوء في سوريا فلتخرب في لبنان!

لكن هذا كله لا يلغي أن هناك وجعا حقيقيا انفجر بالأمس. الناس أعطونا أكثر من فرصة من 3 سنوات، أول مرة وثاني مرة وثالث مرة وعاشر مرة. انتظروا منا أن نقوم بشيء وأن نبدأ بالإصلاح وننطلق بالمشاريع ونفتح مجال العمل للشباب والشابات، لكن الكل "قاعد ومرتاح على وقتو"، وهمه كيف يسجل نقاطا في ملاعب الآخرين.

لننظر إلى أيام تعطيل البلد، خلال تأليف الحكومة والمناكفات والمشاكل، كم كانت كلفتها بالمال والاقتصاد وتراجع النمو؟ اللبنانيون كانوا ينتظرون من الحكومة وكل الطاقم السياسي جدية في العمل، لكننا لم نقدم لهم إلا العراضات السياسية والسجالات.

لا أريد أن أدخل بمزايدات مع أحد، وأعلم أن هناك كثر ينتظرون أن "يبلوا إيدن بسعد الحريري ويعملوا منا كبش محرقة"، وهناك أشخاص بدأوا يدفعون زعرانهم علينا، كما فعلوا في السابق مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لكن هذا الأمر قادرون عليه، وسيأتي وقت الكلام به.

ما كان يهمني اليوم هو أن أتحدث مع الناس، من دون قفازات، وأن أخبرهم كيف زُرع الغضب في قلوبهم يوما بعد يوم. الجميع يعلم أني ذهبت إلى التسوية السياسية لكي لا يذهب البلد إلى صراع أهلي جديد، وقررت أن أقلب الطاولة على نفسي لكي لا تنقلب على البلد. ومنذ أربع سنوات وأكثر أدوّر الزوايا، وأدور من بلد إلى آخر لكي أفتح للبنان فرص الدعم والمساعدة والاستثمار.

لكن بعدما حصل منذ الأمس، بدأت أرى الأمور بعيون أخرى. ليست عيون الندم على التسوية، لأني لست نادما للحظة أني قمت بواجبي في حماية البلد وإعادة الاعتبار للمؤسسات الدستورية. الناس وجهوا لنا رسالة، وكانوا ينتظروننا من شهور أن نوجه نحن لهم رسالة، وأن نقول لهم كيف يمكن للبلد أن يخرج من "جورة" الفوضى والهدر والفساد.

نحن ننتظر منذ شهور شركاءنا بالوطن وبالحكومة، أن يسيروا بالحل الذي اتفقنا عليه. لكننا لم يعد بمقدورنا أن ننتظر. إذا كان هناك من يعتقد أن لديه حلا غير هذا الحل...

كان ليتفضل ويقول لنا من قبل. وحتى إذا قرر الآن، لأسباب خاصة به، أنه وجد حلا غير هذا الحل، فنقول له: لا لزوم لوجع الناس، ولا لزوم لينفجر الشارع، ولا لزوم لأن يصطدم الناس بالجيش أو القوى الأمنية لا سمح الله. فليتفضل، ولننظم انتقالا هادئا، وليتسلم هو زمام الأمور، ويطبق الحل الذي يفكر به، أي حل كان يفكر به، ونحن نقول له: "الله يوفقك".

لكن الأهم، أود أن أقول: مهما كان الحل، لم يعد لدينا وقت. وأنا شخصيا، سأعطي نفسي وقتا قصيرا جدا، فإما أن يعطي شركاؤنا بالتسوية وبالحكومة جوابا واضحا وحاسما ونهائيا، يقنعني أنا، ويقنع اللبنانيين والمجتمع الدولي وكل من يعبّرون عن الغضب بالشارع اليوم، بأن هناك قرارا من الجميع بالإصلاح ووقف الهدر والفساد، أو يكون لي كلام آخر. أعود وأقول: مهلة قصيرة جدا ويجب أن يكون هذا الكلام واضحا للجميع، وإذا تساءلتم ما هي هذه المهلة القصيرة جدا، فهي 72 ساعة.

عشتم، وعاش لبنان..

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

18 تشرين الأول 2019 21:10