اذا كان لنا ان نختصر مجمل المطالب، (وهي حاجات وحقوق)، والتي نؤيدها كلها فيمكن جمعها بأزمة ثقة بمعظم السلطة سواء بالفساد او التهرب الضريبي او نهب المال العام... فهذه كلها تهشم الدولة ويمكن اختزال علاقتها بالانتفاضة بعبارة الثقة او ازمة الثقة بين الجيل الجديد وهذا النظام. كيف يمكن ان يثق هؤلاء الثوار بالذين وعلى امتداد عشرات السنين افرغوا البلد من كل شيء: امل الشباب بمستقبل، توفير الامن كمواطنين (وليس الامن المستعار) اضعاف الدولة كمرجعية اولى أساسية، واقع القضاء المزري الضمانات الاجتماعية بمختلف جوانبها...هذه الثقة انطفأت في نفوس الشباب والكهول والنساء والموظفين واصحاب المشاريع الانمائية والمراجع الاجنبية التي تدعم لبنان اقتصادياً وعسكرياً واجتماعياً وسياسياً. لم يعد من سقف فوق رؤوس اللبنانيين كأنهم باتوا يشعرون بالغربة في وطنهم....
زعماء يستغلون المذهبية لسرقة طوائفهم اولاً وافقارها يستخدمون شعارات عديدة لفرض نفوذ استبدادي على الشارع والقانون والدولة والأمن...
كدنا، نحن من شهدنا مأّلات هذا البلد على امتداد عقود ان نيأس من شعبنا، لانه وتحت تأثير المخدرات المذهبية كأنما تحول قطعاناً ومجرد رعايا عند هذا الحزب او التيار او الحركة....!
كدنا نيأس بعد ما تفككت عرى ثورة الارز وارتد عليها كل الذين صنعوها وكذلك كل الذين ناهضوها. كدنا نيأس من أناس سلموا مصائرهم وثقاتهم واحوالهم كمرجعيات وحيدة لم تشبع لا من انفسها ولا من استغلال الناس.لكن برغم كل شيء بقيت حفنُ من الناس والمثقفين والفقراء ترفع الصوت لكن تقمع إما بالقضاء والعنف او بالتهديد او بالترغيب... هذه الحفن ناضلت بيأس، وكأنها لعبة شعرية او افتراضية او حتى تراجيدية. "كناطح صخرة"، صخرة الوطن الذي كان منارة الشرق في ديمقراطيته وتعدديته الدينية والاجتماعية والفكرية فصار مضرب مثل للاهتراء والتعصب والكنتونات والارتهان والكراهية.... لكن الشباب خصوصا الذين تتراوح اعمارهم بين السادسة عشرة والثلاثين وما فوق ليسوا ابناء لا الشعارات التي تحكمت بالعرب وبلبنان على امتداد اكثر من نصف قرن: "جبهة الصمود والتصدي"، ودول الطوق وشعارات المقاومة، جيش هذه الطائفة او تلك، "الجيش درع هذه الطائفة" اما كله لهذا الطرف او نصفه لآخر او ارباعه مقسمة تحت ذريعة ان المذهبية شرط أساسي لاستقراره وتوازنه. انه الشباب الذي نسي تحرير عام 2000 وكذلك حرب 2006، ونسي شعارات الوحدة العربية والاممية العالمية او تفقيس المقاومات الميلشياوية من 1975 وحتى اليوم. بل تحرروا من هواجس الطوائف باللجوء دائماً الى دولة خارجية تدّعي حمايتهم فتكون ممراً للوصاية او الاحتلال او لتغليب فريقٍ على فريق.
انهم شبان وشاباتٌ تلاشت من رؤسهم تلك الخرافات المذهبية والمناطقية التي حولت البلد مشاعات او عدة أوطانٍ لأحزاب ترسم حدودها الجغرافية والبشرية كممتلكات خاصة بها...
من هنا بالذات طلعت هذه الانتفاضة متحررةً من اعباء تراكمات مئوية ( من 1860) وتواريخ ومذابح وارتهانات وصفقات. صرخوا فليكن لبنان واحداً موحداً بارادته، اي انتزاع لبنان الشظايا من يد كل زعيم طائفي او وصي خارجي فلتحطم الاساطير والخرافات القديمة. فلتحطم الاصنام. وتُكشَح الهالات المزيفة " كلهم يعني كلهم.. لا ثقة.. نعم لا ثقة بهؤلاء كلهم". ولكن وبالرغم هذا التعميم مفارقة مهمة ان هؤلاء الشبان والشابات لم يتعرضوا للرئيس الحريري كما تعرضوا لزعامات اخرى. بل اكثر كأنه الوحيد الذين يثقون به لانقاذ هذا البلد. فهم يحسون في نواحٍ عديدة رفيقهم وشبيههم..لا فضائح ولا محاولة تدمير الدولة ولا تشجيع الفساد. ويعرفون ايضاً انه واجه على قدر استطاعته ضغوط بعضهم وعنف بعضهم الاخر، واجه مرات عديدة محاولات اطراف لتجاوزالدستور ومس صلاحياته.. هؤلاء الشبان والشابات كأن الحريري بدا لهم وفي هذه الازمة بالذات آخر القلاع في وجه الفاسدين.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.