تزامنا مع انطلاق فعاليات الدورة 44 لمعرض الكويت الدولي للكتاب، نظم الفنان الكويتي محمد شرف فعالية "مقبرة الكتب" التي بدأها العام الماضي للتعبير عن موقفه تجاه منع بعض الكتب خلال فعاليات المعرض.
وانطلق معرض الكتاب بدورته الحالية يوم 20 تشرين الثاني الجاري ويستمر حتى نهاية الشهر، بينما يقيم الفنان شرف معرضا رمزيا على شكل مقبرة شواهدها الكتب الممنوعة من البيع في المعرض.
وغادر شرف -وهو شاب متخصص في أعمال الغرافيك والتصميم- الكويت بين عامي 2013 و2018 للحصول على ماجستير في التصميم من الولايات المتحدة. وقبل أشهر من عودته، لفت نظره نشر قائمة عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" للكتب التي منعت خلال تلك السنوات.
يقول شرف إن اتساع حجم القائمة التي ضمت 4300 كتاب خلال خمس سنوات، جعله يفكر في التعبير عن رأيه في هذا الأمر بتصميم فني وضعه عبر الإنترنت.
وعقب عودته للاستقرار في الكويت صيف 2018، راودته فكرة إثارة أمر منع الكتب مجددا، ولكنه أراد أن يتم ذلك بشكل مختلف وصادم للفت الانتباه. ومن هنا جاءت فكرة المقبرة والشواهد لكون المنع مرادفا لقتل الأفكار، وهو ما استوجب وجود مقبرة رمزية لها.
بداية التنفيذ
وداخل إحدى ورش النجارة، بدأ تنفيذ الشواهد وهي عبارة عن قطعة خشب بحجم الكتاب طُليت حروفها باللون الأبيض لجعلها أقرب إلى شكل الكتاب، وبعدها بدأت عملية كتابة أسماء الكتب الممنوعة بخط اليد.
في الساعة 7:30 صباحا وقبل انتهاء معرض العام الماضي بثلاثة أيام فقط، اختار شرف موقعا يتوسط مواقف السيارات وقاعات المعرض ووضع 200 شاهد تمثل بعض الكتب الممنوعة خلال السنوات الماضية، قبل أن يترك الموقع ويغادر عائدا إلى منزله عند التاسعة صباحا، لينشر بعدها عبر الإنترنت بعض الصور التي التقطها للمقبرة.
خلال دقائق كانت الساحة الثقافية في الكويت قد انشغلت بالفكرة ورمزيتها، وهو ما دفع العديد من وسائل الإعلام إلى تناولها. ورغم إزالة المقبرة بعد ثلاث ساعات فقط من وضعها، فإن الرسالة التي أحدثتها فاقت -حسب صاحب الفكرة- كل التوقعات، إذ أخرجت التعاطف من دائرة المثقفين أو المهتمين بالكتب لينتقل الحديث عن القضية إلى عامة الناس.
إدارة أرض المعارض صادرت الشواهد، وفشلت محاولات استعادتها مرة أخرى، لكنها ظلت حية في فكر صاحبها الذي أعاد إحياءها مجددا هذا العام استنادا إلى فكرة "السنوية" الموجودة في الثقافة العربية لإحياء ذكرى الموتى.
وتجنبا للمنع، وقع الاختيار على صالة عرض داخل مقر منصة الفن المعاصر قرب العاصمة الكويت لإقامة المقبرة من خلال عرض 45 شاهدا لكتب ممنوعة حتى العام 2018، مع إتاحة فرصة لبيع الشاهد الواحد مقابل خمسين دينارا كويتيا (نحو 150 دولارا)، على أن يخصص ريع المعرض لإحدى الجمعيات الخيرية المعنية بالتعليم. وقد بيعت ثمانية شواهد بالفعل في أول يومين.
الرأي لا يحتاج تصريحا
ويوضح شرف أنه لم يقدم على خطوة طلب تصريح من الجهة المخولة لإقامة المقبرة في موقع العام الماضي، لأن التعبير عن الرأي لا يحتاج إلى تصريح.
ويشهد المعرض منذ إقامته إقبالا من بعض المهتمين الذين أكد عدد منهم تعاطفهم مع الفكرة ورفضهم للمنع.
ويؤكد مراقبون تراجع حدة المنع بشكل لافت خلال الدورة الحالية، وهو ما عبرت عنه صاحبة دار الكتاب اللبناني مي الزين بالإشارة إلى السماح بعرض إصدارات للدار منعت خلال العام الماضي.
ويتقاطع ذلك مع تأكيد الوكيل المساعد لقطاع الصحافة والمطبوعات والنشر في وزارة الإعلام محمد العواش، أن الوزارة لا يمكن أن تقف ضد حرية الرأي أو النشر أو التأليف، وأنها تحترم كذلك كل الآراء وفق ما كفله الدستور والقوانين، وترغب أن تلقى العون من المهتمين لمساعدتها على تطبيق القوانين المنظمة للشأن الإعلامي.
وذكر العواش في حديثه للجزيرة نت أن "الوزارة لم تمنع أي كتاب إلا في حال مخالفته للمحاذير الواردة في قانون المطبوعات والنشر، وأبرزها التعرض للذات الإلهية أو الرسول الكريم وآله، أو الدول الشقيقة والصديقة أو الوحدة الوطنية"، معتبرا أن "المحاذير موجودة في كل دول العالم وإن اختلفت طبيعتها من دولة إلى أخرى".
وأوضح أن عدد الكتب الحديثة التي عرضت على إدارة الرقابة في الوزارة خلال الدورة الحالية لمعرض الكتاب، بلغ 3227 كتابا مُنع منها 133 فقط، وهو دليل على التعامل المرن.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.