أسعد حيدر

27 تشرين الثاني 2019 | 13:34

كتب أسعد حيدر

"انتفاضة البنزين" الحارقة!


قبل ايام من وقوع "انتفاضة البنزين" في ايران ، قال لي شاب ايراني يدرس في باريس ، " الوضع يغلي في ايران ، النقمة تتصاعد مع تصاعد الازمة الاقتصادية التي لا يريد النظام الاعتراف بحجمها وخطرها … ما يجري ان عائلات كاملة في مدن كثيرة وبعضها كانت تعيش في رغد من العيش اصبحت تأكل ما تيسر . المشكلة ان النظام يطالب الشعب بالصمود والمقاومة وفي الوقت نفسه يؤكد يوميا ان مفاعيل المقاطعة والحصار الاميركي بدون تاثير وأثار وانه رغم هذا الحصار فان حدود ايران لم تعد جغرافيا كما كانت فهي موجودة في لبنان حيث حزب الله موجود ، وهي قائمة في سوريا وتتمدد رغم موسكو وبوتين ، وفي العراق من الجنوب الى أقصى الشمال وفي كل مراكز القرار ودوائر الدولة ،وفي اليمن حيث يوجد الحوثيين توجد ايران اي تحديدا على باب المندب … ولكن نحن نعرف ان هذا التمدد كلما حصل ازدادت كلفته المالية المباشرة وغير المباشرة وكل ذلك على حساب شعبنا الصامد والصامت ، تماما كما كان الشعب السوفياتي كلما تقدم النظام خطوة الى الامام في العالم في مواجهة الولايات المتحدة الاميركية كلما ازدادت حاجتنا كلفة … كان النظام السوفياتي يصعد الى القمر ويزيد من عدد صواريخه وطائراته ويبني ألاساطيل البحرية الضخمة ،وكان السوفيات اي الشعب يتجمد من الصقيع وقلة الأغذية" …

أضاف الطالب الايراني بحسرة : " انت تعرفني منذ عدة سنوات وهذه هي المرة الاولى التي أصارحك سياسيا وما ذلك سوى لانني مثل كل الايرانيين احب ايران واخاف عليها . انا اريد نهاية هذا النظام .لا يمكن ان اقبل بان يستمر الملا في الحكم فقط لانهم يلبسون العمامة في حين ان عدد الذين يستخدمون الإنترنيت بعلم وليس فقط للتسلية يزيدون عن إعداد جميع الشرق أوسطيين . لكني ايضا لا اقبل ولا أتحمل ان تحترق بلادي سواء لان خصومها ياملون ذلك او لان النظام سيقاتل حتى اخر ايراني للمحافظة على النظام تماما وربما اكثر مما فعله بشار الاسد وبمشاركة نظامنا الذ ي كما يبدو كثف من خبراته الميدانية فيها اذا ما احتاجها يوما …"

صباح بداية الانتفاضة تعمدت ان التقي الطالب الايراني قال لي متضاحكا ولكن بقلق واضح:"لقد ارتكب النظام غلطة الاخرين سواء في تونس او لبنان والواتس أب . المشكلة عندنا ان النظام وهو يرفع سعر البنزين مصرا على قراره وحتى دون شرح .المرشد يقول أتخذ القرار ولا عودة عنه . الان الشوارع في المدن الايرانية الكبيرة والصغيرة سوف تنفجر بالناس . المواجهات ستكون صعبة وقاسية خصوصا بعد وصف المعار ضين بانهم "اشرار "اي لا رأفة معهم شرعا. مثل هذا التوصيف لم يقع ضد "الانتفاضة الخضراء "عام ٢٠٠٩ ،تذكر ما حصل وكيف قمعت بسرعة الان سيكون الرد اقسى واسرع خصوصا وان التهمة الثانية بان ما يحصل هو بسبب مؤامرة عالمية بقيادة الولايات المتحدة الاميركية ،وضع لها اسم "بيت العنكبوت"…

لم يطل حدوث ما توقعه الطالب الايراني من الحدوث . إنفجر الشارع في مائة مدينة . النظام الذي توحد وتناسى خلافاته وتنافساته ، اصبح يدا واحدة ضد الشارع ومهما كلّف الامر . المفاجاة الوحيدة التي لم يحسب حسابها النظام هي في أنهيار الأسعار بسرعة صاروخية . كانت التوقعات الرسمية ان تتراوح الزيادة في أسعار السلع بعد قرار رفع سعر البنزين بين ٢،٣ و٤ ٪؜ . لكن ما حصل ان أسعار الخضراوات والفواكه الضرورية ارتفعت بصورة جنونية تراوحت رسميا بين ٣٠ و٥٠٪؜خصوصا بسبب المسافات الطويلة بين مواقع الانتاج والاستهلاك … وجاء ذلك في خضم الآثار المستمرة لانهيار سعر التومان ،مما عمق بشدة ازمة المواطن العادي الى حد الانفجار السريع وهو ما ليس من طباعه. وبرزت مفاعيل كل ذلك في ان القرار بتقديم المعونات للايرانيين المحتاجين كشف وجود ٦٠مليون من اصل ٨٠مليون ايراني قد اصبحوا بحاجة لدعم لا يتجاوز أربعة دولارات في الشهر وهو رقم خيالي لبلد كان مدخوله من النفط حوالي أربعين مليار دولار وذلك قبل القرار" الترامبي" بتصفير مدخول ايران من النفط …

النظام بدوره واجه الانتفاضة بكل قوة وشدة ودون رحمة تحت شعار اطلقه قائد الحرس الجنرال حسين سلامي : " سنصفي الحسابات مع كل الأعداء ". الخطوة الاولى كانت في رفع "ستار حديدي " محكم ،فجرى إطفاء الإنترنت ورغم كل براعة الشباب الايراني وعلمه في هذا المجال فانه لم يتم تسرب سوى القليل جدا مما يحصل من مظاهرات ومواجهات أدت الى سقوط عدة مئات من القتلى وآلاف المعتقلين .والملاحقات ما زالت مستمرة حسب قوائم معدة مسبقا كما يبدو .

ثم ماذا بعد ؟

ما حصل بداية وليس نهاية . كلما تعمقت الازمة كلما ارتفع حجم الضغوط اليومية وفي الوقت نفسه استعداد النظام لتصعيد المواجهة والقمع خصوصا وان طبقة سياسية نشأت خلال أربعين عاما خصوصا من بين المعممين ليست مستعدة للتنازل عن مكتسباتها مهما كلفها الامر ،وهي ستستند في ذلك الى شرعية مواقعها في النظام من جهة ومن جهة اخرى الى السلطات الشرعية المستندة الى الدستور والتي من صلبها "ولاية الفقيه المطلقة" .

الى جانب ذلك كله فان النظام الذي تحول في المواجهة الى كتلة واحدة لا فرق فيها بين المرشد اية الله علي خامنئي والرئيس حسن روحاني ورئيس السلطة التشريعية علي لاريجاني ورئيس السلطة القضائية ابراهيم رئيسي ، لن يتاخر من الطلب من "أذرعه" الخارجية وحلفائه خصوصا في العراق ولبنان ان يتشددوا بدورهم في مواقفهم ومواجهاتهم بحيث تتكامل مروحة الضغوط والمواجهة ،حتى تنتهي كما يعتقد أزمته الداخلية والخارجية معا…

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

أسعد حيدر

27 تشرين الثاني 2019 13:34