في صخب برنامج مارسيل غانم "صار الوقت" على محطة M.T.V الخميس الماضي أطل الحريري بصوته مخاطباً الحضور المتنوع، ثم متوجهاً الى الثورة الشبابية بتحياته وتأييده المطلق والحض على استمرارها وتبلورها وتقديراً لظاهرتها الشبابية. صوت هادئ في نبراته ما يؤثر وما ينضح بكثير من الاسف والامل. لا اسفاً على المنتفضين طبعاً بل على ما كان يعانيه مع تلك الزمر المذهبية الموجودة في حكومته والمؤسسة على تحاصص ما يتحاصص، وتناهب ما يُتناهب وتعرقل ما تعرقل من مشاريع ملحة وأساسية. صوت رجل دولة بين رجال دويلات وعقولٍ كنتونية حاولوا تحميله، تبرئةً لمرتكباتهم كل ما آلت اليه الاوضاع المعروفة. فالحريري وبصبر أيوب حاول جاهداً ربما بأكثر من امكاناته لانقاذ الاقتصاد المتدهور و تقديم ما يتوجب تقديمه من ميزانياتٍ للمجتمع العربي والعالمي كشرطٍ لدعم لبنان. هذا هو السبب الرئيسي لبقاء الحريري في السلطة، لكن كان بعضهم وخصوصاً التيار الوطني الحر (كأنما قام توافقٌ ضمنيٌ بينهم وبين القوات اللبنانية لعرقلة تكليف الحريري. قدم استقالته انحناءً لمطالب الحراك المحقة مؤكداً على مطالبته بتأليف حكومة تكنوقراط انتقالية لتجاوز هذه المرحلة الصعبة في مواجهة من يريدون استنساخ الحكومة السابقة التي فقدت الثورة ثقتها بها وكذلك المجتمع الدولي والعربي. فحزب الله لا يهمه الا سلاحه تحت شعار المقاومة والتيار الوطني يستميت للبقاء في موقعه وسلطانه والقوات الرجراج بموقفه الغامض والملتبس ها هي تظهر بعد اشارات ما من دوائر ما لابعاد الحريري. وهذه الاشارات يعرفها كثير من المطلعين خصوصاً بعد ما راحت مواقف القوات تتقلب ثم تعلن في النهاية اتخاذ موقف عدم تسمية احد لتكليفة بتأليف الحكومة. انها لعبة الالغاء القديمة التي احترفتها تلك الجهات المذهبية المعروفة ومارستها على بعضها البعض على امتداد نحو نصف قرنٍ تبادل الالغاء في حروبٍ مدمرة وفي نزاعات دموية عبثية: "انا زعيم الطائفة او لا احد". فكأنما هؤلاء المتلاغون لم يبقى امامهم سوى التحالف لالغاء الحريري.
استقال الحريري أخيراً ونهائياً ودوّت في اعلام بعضهم التهم الموجهة اليه. عندما استقال في المرة الاولى اتهموه بأنه خضع لاملاءات اميركا والسعودية. ثم وعندما خرج من التكليف قبل بضعة ايام اتهموا اميركا والسعودية بإطاحته. ليغطوا دورهم في هذه العملية الغادرة. من النقيض الى النقيض ومن الكذب الى الكذب. ثم اندلعت السن التيار بحملة ممنهجة تصور نفسها "ملائكة الجنة" ونظافة الكف ومكافحة الفساد وهم امه وابوه، وتتهم الحريري وتشيطنه. فكما يشيطن محور المقاومة الثورة الشبابية والصاق ابشع الاتهامات بها والاعتداء عليها باشكال همجية وحشية قد تذكرنا بالمغول او باسرائيل، وها هو التيار الحليف يحاول رمي ما فيه من اخطاء وتجاوزات للدستور والميثاقية على الحريري. لعبة الشيطنة ازدوجت: على الشيخ سعد وعلى الثورة. فيا للمصادفات وباللعبة الشعوبية والنفاق والمروق. والغريب ان جبران جرجي باسيل الذي اخرج من لعبة التوزير الى الآن اعلن انضمامه الى الحراك اي الى الثورة فلنتصور انه ثوري حتى يقهقه القريب والبعيد. بل صرح مع سواه من القوات انهم هم الذين حذروا مما يحصل حالياً لكن احداً لم يصغِ اليهم اي يتنصلون من مشاركتهم في السلطة ومسؤولياتهم ليلقوها على غيرهم. وراح يدّعي أن تياره هو الذي ثار من قبل وان الثوار الموجدين في الشارع سرقوا ثورته. علماً ان الشعب اللبناني يعرف كل تاريخ هذا التيار منذ 1975 وموقعه السياسي ثم افتعاله حروباً دونكيشوتيه الغائية ضد الكتائب والقوات، متجاوزاً عندما احتل قصر بعبدا الحكومة الشرعية التي رئسها سليم الحص وألّف اخرى بدون مشاورات وبدون تكليف وبدون ثقة من مجلس النواب حكومة عسكرية مسيحية تقسيمية وقسم لبنان الى حكومتين وشارعين. يقول الحريري انه ارتاح الآن بعد قراره الخروج من التكليف. لكنها الراحة المأهولة بمطالب الثورة والازمة الكارثية التي يعيشها لبنان. فهو يعرف ان عمليتي تكليف وتأليف الحكومة العتيدة لن تفعل سوى تعميق الازمة الاقتصادية وربما الامنية بل وربما محاولة ضرب الثورة لأن من فبركوها لا يتمتعون لا بثقة الداخل اي الحراك ولا الخارج اي المرجعيات الخارجية والعربية... لهذا لم يسمي احداً ولم يتبنى من تبناه من هم مسؤولون عن كل الكوارث الراهنة والفساد وضرب الدستور ومحاولة اقامة نظام امني مقنع.
هل سيبقى الحريري مرتاحاً؟ لا. هل سيبقى تحت تأثيرات ضغوط الحرب عليه من اقرب حلفائه؟ لا. بل سيمارس معارضة بنائة مفيدة نقدية حتى وان لم تعد اي معارضة بناءة قادرة على انقاذ البلد بوجود هؤلاء الذين اسقطهم الشارع والعالم والوضع الاقتصادي.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.