أكد البطريرك الكاردينال مار بشاره بطرس #الراعي أنّه "كم من مسؤولين سياسيِّين مولَعين بالسُّلطة! فيَرفُضون تداولَها، وينهَجُون نهج الاقصاء والتَّفرُّد ويَعمَدون إلى القتل إمَّا الحسِّيِّ وإمَّا المعنويّ، وسلب الصِّيت الحسن، وتأجيج نار العداوة؟ لقد مَسَحَتْ دماء أطفال بيت لحم جريمةَ هيرودس، كما مَسَحَ دم المسيح ومواكب الشُّهداء عبر تاريخ الكنيسة خطايا البشريَّة جمعاء، وشرَّ الأشرار. المسيح الإله الملك الجديد، الذي صار إنسانًا في الفقر والتَّجرُّد، بدَّلَ مفهوم السُّلطة فجعَلَها خدمةً وتفانيًا وذبيحة ذاتٍ من أجل الجميع (راجع متى 28:20)".
وأضاف خلال عظته في بكركي: "من هذا المنطلق الجديد لمفهوم السُّلطة، ومن الزَّمن الجديد الذي أدخَلَ فيه الرَّبُّ يسوع البشريَّة، نرى وكأنَّ وطننا دخل منذ 17 تشرين الأوَّل الماضي في مخاضٍ لولادة "لبنان الجديد". إنَّ تضحيات شباب وصبايا هذه الانتفاضة الوطنيَّة الإيجابيَّة، تُوجب إعطاءها قيمتها، لكي لا ندفع بهم الى اليأس من تحقيق آمالهم وطموحاتهم في رحاب الوطن، فتتحوَّل عندئذٍ إلى انتفاضةٍ سلبيَّةٍ هدَّامة. لذلك ها نحن نُكَرِّر التَّأكيد على مطلبهم في تشكيل حكومةٍ مستقلَّةٍ عن الأحزاب السِّياسيَّة، تَجمَعُ فريقًا متجانسًا من الأخصَّائيِّين الكفوئين والنَّزيهين، لوضع خطَّة إنقاذٍ وتنفيذها، تحت إشراف المجلس النِّيابيّ، الذي يُمثِّلُ كلَّ مكوِّنات المجتمع اللُّبنانيّ. لم يعُدْ لدينا المجالُ للمغامرة، فلا التَّاريخ ولا شعب لبنان المنتفض من أجل كرامته وحقوقه ولقمة عيشه يمكنهما أن يرحَمَا بعد الآن التَّلاعب بمصير وطننا وشعبه".
وقال: "إنَّ هذا الزَّمن الوطنيَّ الجديد يتطلَّبُ منهجيَّةً جديدةً في العمل السِّياسيِّ، ترفُضُ ذهنيَّة المحاصصات السِّياسيَّة بإسم الطَّوائف والمذاهب، التي أفقدَتِ الوطن مقدّراته، ورمَتْ بالشَّعب تحت خطِّ الفقر وفي خطر المجاعة. ينبغي أن تستندَ هذه المنهجيَّة الجديدة إلى المهنيَّة والشَّفافيَّة في العمل الحكوميّ المنتظَر لإنقاذ الوطن، على ما قال السَّيِّد المسيح: "لا أحد يقتطعُ رقعةً من ثوبٍ جديدٍ، ويرقَعُ بها ثوبًا باليًا، وإلاَّ فإنَّه يُمزِّق الجديد، والرُّقعة التي يقتطِعُها منه لا تتلاءم مع الثَّوب البالي" (لو36:5)".
وأضاف الراعي: "إنَّنا جميعًا مدعوُّون إلى التَّجدُّد والعبور من زمن المحاصصات الطَّائفية إلى منطق دولة المواطنة الحاضنة للتَّنوُّع التي تَرفُضُ أن نتقاسَمَ الوطن ومقدّراته بإسم الميثاقيَّة، فهذه تَقُوم على الشَّراكة في تحقيق وحدة الوطن وخير شعبه بطريقةٍ خلَّاقة ومبدعة. فلبنان لا يُحكم لا بالغلبة ولا بالهيمنة، ولا بالمواجهة، ولا بحكومة اللَّون الواحد. بل يجب ألاَّ يَشعُرَ أيُّ مكوِّنٍ أساسيٍّ في لبنان بأنَّه مُقصًى أو مُهمَّشٌ. بل يجب استيعاب الجميع من أجل قيام الوطن اللُّبنانيّ بمؤازرة الجميع، وبنجاح الحكومة الجديدة في هذا المسعى"، داعياً لـ"ننفتح جميعًا "للزَّمن الجديد" الذي دشَّنه المسيح الرَّبُّ، ونعملْ كلُّنا بروح المسؤوليَّة من اجل ولادة "لبنان الجديد" من قلب المحنة السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والماليَّة والاجتماعيَّة التي بلغَتْ ذروتها. فنرجو أن تتمَّ في وطننا كلمة الرَّبّ يسوع: "حبَّة الحنطة إذا وقعت في الأرض وماتت، أعطَت ثمرًا كثيرًا".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.